23 ديسمبر، 2024 7:11 ص

علينا ان نخاف كي نعيش – 1

علينا ان نخاف كي نعيش – 1

عام 1959 دخلت المدرسة الابتدائية التي كانت بعيدة بعض الشئ عن مكان سكننا او بالاحرى قريتنا التي نسكن ، السبب بسيط فقد اختار لي والدي هذه المدرسة لأن أغلب معلميها كانوا من اقاربنا و من زملاء والدي المعلم المتخرج عام 1941 و الذي فصل من الوظيفة لإشتراكه بحركة رشيد عالي الكيلاني بنفس العام ، أنا مثله و لا اقول هو مثلي ، نحن الاثنان غير قادرين على السكوت عن اية ممارسة ديكاتورية تتسلط كسيوف على رقاب الناس .

في اليوم الاول من دخولي المدرسة أهداني معلمي ” قلم رصاص ” كنت فرحا به جداً و مفتخرا ان المعلم أهداني هذا القلم و حين وصلت البيت وضعت القلم بيد ابي فخورا به ، ضحك ابي و قال : انه قلم قوبيا يا ولدي و سوف لن تستفاد منه في دراستك الاولى في الابتدائية ، قررت ان أحتفظ بهذا القلم كذكرى يومي الاول في المدرسة .

كان والدي يعطيني عشرة فلوس كل صباح لأشتري لفة عمبة من الباعة المتجولين امام باب المدرسة ، حيث كان فطور أغلب العوائل العراقية الخبز و الشاي .
في اليوم الثالث لي في المدرسة اخذ مني المعلم العشرة فلوس ( فطوري ) ليبيعني صورة الزعيم التي كنت ملزما بوضعها على الجانب الايسر من سترتي ، سألت المعلم : لماذا الجانب الايسر ؟ أجاب : لأن الزعيم في القلب ، و القلب على اليسار ، كانت المعلومة الأولى التي تعلمتها في المدرسة هي ” ان القلب على اليسار ” .

كرهت الزعيم الذي جوعني طوال يومي ، كرهت تملق المعلم ، تركت المدرسة متسلقا سورها الى البيت ، والدي كان في البيت ، صرخ بوجهي غاضبا ، ابلغته بما فعل المعلم . في الليل زار والدي المعلم في بيته ليشرب الشاي معه و يعاتبه على انتزاع ثمن فطوري ، قال له المعلم قريبنا : انا أعتذر و لكن الادارة منحتني صور دائرية للزعين على قدر عدد طلاب صفي و كان علي ان افعل ذلك خوفا على مستقبلي .

نقل لي والدي موضحا عذر المعلم ، تلعثمت ، ارتبكت ، خفت ، هذا المعلم الذي هو بالنسبة الي الرب الثاني و الذي كاد ان يكون رسولا يخاف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

استرسلت في ذهني الصغير لفهم ماذا يعني الخوف ، و ما هو الخوف ، و من يخيف الناس هكذا ؟ الشرطي مخيف ، المختار مخيف ، مدير الناحية ، القائمقام ، المتصرف ، الضابط ، المراقب ، جابي الضرائب ، القاضي الذي يسمونه الحاكم ذلك الوقت ، السري ” كان من اكثر البشر إخافة للناس ايام الزعيم و قد استبدل صدام اسمه برجل الامن ” ، كل شئ ينتمي الى السلطة كان مخيفا .

يوم من الايام : هلهلت النساء ، صلى الرجال على النبي و آله ، عم الهرج و المرج ، تسائلت عن السبب ، قالوا : انظر ، ، ، صورة الزعيم في القمر . قلت لا ارى سوى قمر طبيعي ، قالوا بجدية : انظر جيدا سدارته و البندقيتين المتعاكستين على سدارته ، قلت : لا ارى شيئا ، قال احدهم لأبي : ابنك شيوعيا ، كنت في الثامنة من العمر ، كرهت هذا الاسم ” الشيوعية ” .

يوم 14 رمضان 1963 قالوا ان الزعيم قتل ، فرحت متشمتا للعشرة فلوس التي اضطررت لمنحها للمعلم و أيضا لأنه جوعني لذلك اليوم .

بعد ايام وجدت ان الحرس القومي يملأ المدن و القرى في العراق ، كل منهم يحمل غدارة البورسعيد المصرية . الحكم كان للضباط الاحرار التابعين لجمال عبد الناصر و لا اقول لمصر . سموا انفسهم : القوميون العرب ، ، عاثوا في العراق فسادا و تخويفا و قتلا بابشع الطرق ، مثلا أمرأة يربط ساقاها بين سيارتين و ينطلقان معا في شكل معاكس لتنقسم الى نضفين ، المهم  بقي المواطن العراقي يفطر بالخبز و الشاي .

طار لحما نزل فحما ، ، مقتل عبد السلام عارف ، ، ، هتفت لوكية العراق من جديد ( عبد الرحمن احنا نريده ) و عبد الرحمن هذا كان أخو عبد السلام عارف .

هنا ايضا دفعت يوميتي تحت حجة نصرة عاصمة الجمهورية العربية المتحدة : العراق ، سوريا ” ايام نور الدين الاتاسي ، و مصر عاصمة الجمهورية ، صار العلم المسكين بثلاث نجمات حيث كل نجمة تمثل دولة من الثلاث المتحدة .
17 تموز من عام 1968 جائت الثورة البيضاء ، كنت في المتوسطة ، بيضاء في الواجهه و حمراء دامية وراء الكوليس ، ابتداءا من مقتل عبد الرزاق النايف الى تشكيل لجان الاغتيالات التي حولت ابن عمي الامي النائب ضابط  الى مدير استخبارات وزارة الدفاع و مسؤول عمليات الاغتيالات السياسية ، ما يؤلمني ان أخوته الان يدعون انهم موالين لحكومة المالكي على اساس ان أخيهم قتل على يد صدام ، ، الحقيقة انه قتل نقمة من الله حيث اصيب بمرض القلب و كنت انا و أخوته نمرغ و تعمل مساج ليده اليسرى لمساعدته في إخفاء الخدر في ساعده الايسر . هذا الرجل مات موتا طبيعيا عام 1982 و شيع بتقاليد تشييع المسؤولين في حزب البعث و حضر فاتحته كبار المسؤولين في الحزب و منهم عزت الدوري الذي ارسله صدام شخصيا .

تتالت المسرحيات السياسية لإشغال الناس عن تمكين البعث من الهيمنة التامة على البلاد :  محاكمة الجواسيس ،  ابو طبر ، عدنان القيسي ، تأميم النفط الوهمي عام 1982 .

عام 1978 و بعد عشر سنوات من الثورة ، استحدثت مسرحية جديدة لتنحي أحمد حسن البكر عن منصب رئاسة الجمهورية و تخويل صدام لهذا المنصب بعد منحه رتبة مهيب عسكرية كمكرمة من حكومة البعث .

طارق حسن العبد الله : كان مجر ضابطا مرافقا للبكر قبل ان يجبر على التنحي عن السلطة ، اصبح طارق وزيرا لمدة ايام ثم قتل .

مسرحية عام 1979 : مؤامرة ضد الحكم : المقصود فيها تصفية اعوان البكر و اصحابه ، محمد عايش ، محمد محجوب ، عدنان الحمداني ، عبد الحسين مشهدي ، مدلول المحنه ، و غيرهم الكثير و كلهم من الشيعة .

مسرحية عام 1980 :  في العدد القادم