23 ديسمبر، 2024 9:49 ص

علينا أن نتظاهر من أجل تصحيح أخطائنا أولاً

علينا أن نتظاهر من أجل تصحيح أخطائنا أولاً

على أي ناقدٍ أن يملكَ الجرأة الكافية وأن يكون شجاعا في نقده وألاّ ينجرفَ مع المنجرفين وألاّ يجعلَ قلمهُ أسيرَ الارهاصات الفكرية والتخبطات العشوائية . فالنقدُ رسالة انسانية تنطلقُ من الضمير الحي ومن العقل السليم نحوَ الآفاق بموضوعية علمية لا تشوبها أيّة شائبة من أجل تشخيص الأخطاء بحجومها دون تكبير أو تصغير ، ومن أجل ايصال الحلول الصحيحة الى المجتمع بغض النظر عن قبول هذا الطرف أو رفض ذاك الطرف . وحين يرتقي الناقدُ بقلمهِ الى هذا المستوى الأخلاقي من الكتابةِ فانه يصبحُ كالطبيب الناجح الحاذق في تشخيص الأمراض ووصف العلاج المناسب لها . ويبدو من خلال قراءة بعض الكتابات والمقالات أن الكثير قد خرجوا عن دائرة النقد الصحيح نتيجة انجرافهمِ مع الأحداث دون فهمها  الفهم الذي يعينهم على وضع النقاط على الحروف .

 ووفقاً لما تقدّمَ فإنني أرى أن الشعب العراقي قد عبّرَ من خلال مظاهراته في بعض المحافظات عن رفضهَ لأخطاء المسؤولين ونسي الأخطاء الكثيرة الجسيمة التي مارسها وما يزال يمارسها يومياً . والمنطق يقول أن الوطن ملك الجميع والحفاظ عليه واجبٌ يتحملهٌ الجميع بلا استثناء . ولا توجد أيّة نظرية أو بديهية تبيحُ للمواطن التنصل عن واجباته وتسمحُ لهُ فعلَ ما يشاء . ولوْ وضعنا الكثير من الأمور والأحداث تحت المجهر ، ودققنا بحيادية تامة لوجدنا أن جزءاً كبيرا من الخلل الحاصل في حياتنا – كعراقيين – سببهُ العراقيون أنفسهم . ومن هنا فان جرأة الناقد تدعونا الى مكاشفة العراقيين بصغائر الأمور وكبائرها لكي لا يختلط الحابلُ بالنابل ويضيعُ الخيطُ مع العصفور . وهذا لا يعني أن المسؤولين في السلطات الاتحادية أو المحلية خارج دائرة اللوم والاتهام ، ولا يعني أيضا أن العملية السياسية الجديدة أعطتْ ثمارها بمنتهى النجاح . ولكن تشخيص الخلل والأخطاء يدعونا الى قول الحق لكيْ يفهمَ كلّ ذي واجب واجبهُ وكلّ ذي حقّ حقهُ . ومن المعلوم منطقيا أن الدول المتقدمة في العالم تعتمدُ في رقيّها على  قيمة المواطنين قبل قيمة الحكومات ، وحين يسمو المواطنون بروح المواطنة النقية فان الحكومات تتوافق مع هذا السمو والرقي وفقاً لقاعدة الانسجام المتبادل ، لأن النموذج النظيف النقي يكشف الأشياء الشاذة بسرعة ويرفضها ولا يسمحُ لها بالبقاء طويلا . ولا أحدَ ينكرُ الأخطاء الفادحة والممارسات غير المقبولة من قبل الكثير من أبناء الشعب العراقي ، وهي أخطاء واضحة وضوح الشمس وليست خافية على أحد ، كما أنها على درجة من الخطورة ما يجعلها تهدّدُ سلامة الوطن والمجتمع وتلحقُ أضراراً جسيمة بهما . ولا أرى ضرورة للاستدلال بها في هذا المقال لأن الجميع على دراية تامة بها . ويمكن تبويب هذه الأخطاء والممارسات ضمن أبواب مهمة جدا مثل عدم احترام القوانين والأنظمة والاستهانة بهما ، وفقدان الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والآخرين ، والخروج من فضاء الانتماء الوطني المحض الى فضاءات الانتماءات الصغيرة الضيقة التي من شأنها تعزيز روح التفرقة والخلافات والصراعات كالانتماء العشائري والانتماء الطائفي ، اضافة الى روح الانتقام من الوطن نفسه عند حصول أيّة أزمة من الأزمات . ولوْ فعلاً أرادَ المتظاهرون تحقيق العيش الكريم الآمن عليهم التظاهر من أجل تصحيح تلك الأخطاء أولاً ، لأن صلاح المجتمع يؤدي الى صلاح السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كردّ فعلٍ طبيعي منطقي . أمّا أن يتظاهرَ الشعبُ ضدّ المسؤولين طلباً لتحقيق العيش الرغيد والرفاهية وهو يمارسُ الأخطاء تلوَ الأخطاء يوميا فهذا هو التناقضُ بعينه ، ولا يمكن لأي شعب من شعوب العالم أن يرتقي بالتناقضات العجيبة الغريبة .

أنيس الأنصاري