عظيم الشأن من يدرك روح الإسلام الحقيقي، ويبلغ مستوى العشق الألهي، ويطلق الدينا ثلاثا ويهجر ملذاتها، وينعش قلبه بالعبادة بنفس مطمئنه، ويذق حلاوتها، ولم يعرف الملل ولا الكلل، في ظل ربه الجبار، الذي سكن قلبه، وراح يغوص في أناء الليل ينايجيه، ويتضرع إليه، ويدعو ربه ليغفر حتى إلى أعدائه، فكيف أذن يدعوا لمحبيه؛ وهو قسيم الجنة والنار، كما قالها: خاتم النبيين (صلوات ربي تعالى عليه وعلى أله).
الإنسانية عند بعض أفراد المجتمع لها حدود، تنتهي عند بداية الغضب، فتصبح لا قيمة لها، لذا يقوده غضبه إلى القتل، ومن يقتل نفسا، كأنه قتل الناس جميعا، وهذه شهادة القرأن الكريم، وهنا يُفتقد الوجود الانساني ويتلاشى، والحليم الذي يسيطر على نفسه، في ساعة الغضب، وهذا ما رأيناه في علي (عليه السلام)، في حادثة ابن ود العامري، كظم غيضه، وأخذ برهة من الوقت، ليطفئ غضبه، ويقتله في سبيل ربه.
المعادلة التي سارت عليها حكومة علي (عليه السلام)، احترام حقوق الانسان، والعدالة الاجتماعية، ونشر السلم الأهلي بين المجتمع، والمساواة، ونزاهة القضاء، والتاريخ يشهد بان اول حاكم عربي اسلامي يقف امام القاضي، مع أحد الذين يقدمون شكوى ضده، ولم يرض على القاضي الذي ناداه، وكناه بأبي الحسن، ذلك الخليفة يُعلم المجتمع، ويعطي الدروس المجانية، للإنسانية جمعاء، أن المحكمة الدنيوية، هي فرصة حقيقية، لتجربة ربانية، فيها محطات كثيرة، لا تغادر صغيرة ولا كبيرة.
مدرسة الحكم عند الامام العادل، لا تخضع للمساومات، ومن مناهجها، إقامة العدالة في أركان الدولة، ووضع أسس لها، وتحديد بوصلتها، التي تقضي على كل المفاسد، وتعطي للحياة نموذجا حيا، وخلق روح الأمان، ويمنح الخائف صك، يسترد أمنه، بحفظ إنسانيته، فالوطن للجميع، أي خلق روح المواطنة الصالحة، هي المعيار الحقيقي، وهذا ما جسدته حكومة الامام (عليه السلام) فلم يظلم النصراني، ولا اليهودي، ونالوا حقوقهم، في سنيين حكمه.
في الختام؛ لماذا لا يقتدي سياسيينا بحكومة علي(عليه السلام)؟ ويتعاملوا بالإنسانية، تحت خيمة الوطن الكبرى.