كنت اقوم بمراجعة بعض الكتب واكتب ملخصاتها في مفكرتي الخاصة حين دخل عليَّ احد الاصدقاء محييا فنهضت لتحيته مصافحا اياه بحرارة فانا لم التقه منذ زمن ليس باليسير لذا دعوته الى الجلوس فأراد الاعتذار متعللا بضيق الوقت لكني شددت عليه بالجلوس وتناول قدح الشاي الذي قدمت له بعبارة:
(لا يحلوا وقت السمر الا بقدح من الشاي) هذا هو ديدن العراقيين
واضفت:
اعلم ان لك مشاغلك ولكني اود قضاء بعض الوقت للحديث والمسامرة
ابتسم لي واقتعد كرسيا قريبا من طاولة المكتب الذي كنت اجلس اليه .
شعرت بفرحة غامرة للقاء هذا الصديق الذي اعده من المخلصين الاوفياء ودعوت لإحضار الشاي بينما هو يتابع كلمات السؤال عن الحال والاحوال ولم يقتصر سؤاله عني بل شمل الاخرين من اخوتي فأخبرته انهم بخير جميعا .
…………………………..
احضرت اقداح الشاي ورحنا نرشفه ونحن مازلنا في تبادل الحديث لكني وجدت صديقي قد اطرق برأسه الى الارض وهو يسألني عن أخي الكبير…؟
كيف حاله…؟
اجبت انه بخير.
تأوه ثم القى بكلماته متسائلا:
هل تعلم اين يعمل….؟
انت تعلم بحالته وما يأتي به من أمور…………..
شعرت بأن لدى صديقي معلومة ما يريد اخباري بها فألم بي قلق ان يكون اخي الكبير مريضا او اصابه اذى ما لم اعلم به بعد فهتفت بصوت قلق النبرات :
ماذا هناك ….هل من خطب لا علم لي به…؟
مديده الى هاتفه واراني مقطعا يظهر فيه احدهم يحاور اخي الكبير ويسأله عن حاله واحوله وعمله فيخبره بأنه يعمل حمالا …
يستغرب المحاور من هذا الامر نظرا لكبر سن أخي اذ بلغ الثمانين وليس لمثله ان يعمل حمالا وان كان العمل شرف مادام عملا شريفا فيرد عليه اخي انه يعمل حمالا لكي لا يمد يده الى اي انسان ………………….!!!!
يسأله اليس لك عائلة اخوان ابناء ….؟
يرد عليه اخي
لقد قطعت اسباب المودة بيننا ………………!!!!!!!!!!!!!!!!!
شعرت بالاسى بادئ ذي بدء والقيت اللوم على من صنع ذلك المحتوى ولكني عدت فعذرته أجل عذرته لأنه رأى امامه رجل طاعن في السن وهو يعمل حمال…………………!!!!!!!!!!!!!!!!
ليس تعاليا او تكبرا على عمل شريف يقوم بذلك شبان كثر وهم ابناء شرفاء وعلة درجة عالية من التعليم والثقافة وذوي شهادات دراسية …نعم يعملون ذلك ليكسبوا لقمة العيش ويوفروا الحياة الكريمة لأسرهم اذ لم يجدوا فرصة للعمل رغم مهاراتهم نتألم لهذا الواقع الاليم ونكبر فيهم عزة الانفس وانفتها التي تمنعهم السؤال الذليل او انتهاج الطرق اللا اخلاقية والغير مشروعة للكسب. انهم مثال رائع للكرامة الانسانية والشرف الرفيع .
الحق اقول انا ايضا لو كنت مكانه لأثارني ذلك وكنت القي باللوم على الاخوان والابناء فهذه هي الصورة التي ابصرها بأم عينيه, ولكن ليس دائما الصورة الظاهرة هي الحقيقة.
هتفت لصديقي .
لا يهم العمل شرف وهو قد قال ما يشعر به حقيقة واما الواقع فله حقيقة اخرى انت تعلم الكثير من فصولها ولا نريد ان ننشرها صحائف أخبار أو تبرير أو تأثير ………………………………..
هتف صديقي يخفف عني ما ألم بي .
لا عليك …
لم ادعه يكمل عباراته المواسية اذ رفعت يدي لله عز وجل ان يهدينا سواء السبيل فقد تداخلت سبل الحقيقة واسدلت حولها الكثير من ستائر منمقة لا تمت للواقع بأي صلة.
