23 ديسمبر، 2024 3:28 ص

على هامش تداعيات تصريحات رئيس الوقف الشيعي .. برنامج “بالحرف الواحد” وتقييم متابع

على هامش تداعيات تصريحات رئيس الوقف الشيعي .. برنامج “بالحرف الواحد” وتقييم متابع

على الرغم من ذهاب وفد من الوقف الشيعي كما ذكرت الأخبار الى مقر البطريركية الكلدانية وتقديمه الإعتذار لما ورد على لسان رئيس الوقف الشيعي خلال إحدى خطبه قبل ثلاث سنوات تجاه المسيحيين ونعتهم (بالكفار) حسب ما أوردته الأنباء وما الى ذلك!!، وعلى الرغم أيضاً من سحب الفديو من اليوتوب، إلاّ أنّ تداعياته لا تزال قائمة ومتداخلة مع الكثير من الأسئلة التي يتقدمها التساؤل الذي يفرض نفسه وهو عزوف رئيس الوقف الشيعي لمشاركة الوفد الذي قدم الإعتذار وهو الشخص المعني بتقديم الإعتذار!!، فهل هذا يعني تمسكه بخطابه وما ورد فيه؟؟؟!!!، ولماذا إستنكر الآن بيان البطريركية الكلدانية ونوّاب مكونهم في البرلمان هذا الخطاب وبعد مرور ثلاث سنوات عليه والذي ربما يؤكد تقاعس الجهات الدينية والسياسية المسيحية عن كل ما يسيء الى مكونهم وعدم مواكبتهم للحدث في لحظته؟؟!!، وهل له علاقة بقرب الإنتخابات ولعبتها بالنسبة لنوّاب المكوّن المقصود بالإساءة؟؟!!، ولماذا تم تداول هذا الفيديو في هذا الوقت العصيب ونحن على أبواب التحرير النهائي للأراضي العراقية من براثن عصابات داعش الإرهابية والخطوات التي ستليها في تحقيق المصالحة المجتمعية؟؟!!، وما هي الغاية من إثارة الموضوع الآن دينياً وسياسياً؟؟!!، وهل له علاقة ببيان بعض المكونات المسيحية للمطالبة بحكم ذاتي لمناطقهم في سهل نينوى؟؟؟، ومن هي الجهة التي تقف وراء نشره؟؟!!، والكثير من الأسئلة الأخرى المطروحة حتى وصلت تداعياته الى قيام بعض المواقع الألكترونية بإعادة نشر بيان المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني الذي أصدره في 22/جمادي الآخرة 1427 هـ (19/تموز/2006 م) أي قبل ما يزيد على أحد عشرة سنة للتذكير برفض الممارسات والخطابات الطائفية أياً كان نوعها.
رابط بيان المرجع الديني السيد علي السيستاني:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=840294.0
وحيثُ سارعت الفضائيات ومنها “قناة الشرقية” الى عرض ونشر تداعياته، خاصة بعد إستنكار البطريركية الكلدانية ببيان موَقّع من البطريرك لويس ساكو وبيانات أخرى لبعض السياسيين للمكون المسيحي على ما جاء في تصريح رئيس الوقف الشيعي ومطالبته بالإعتذار ومخاطبة جميع المنابر الدينية من خلال بياناتهم الى التوقف عن نشر وترويج الخطابات التحريضية ضد مكونات عراقية دينية وإثنية أصيلة وحثّهم على نشر لغة الحوار والمجتمع الواحد بين جميع المكونات.
فقد خصصت قناة الشرقية المعروفة بتوجهاتها حلقة كاملة لبرنامجها “بالحرف الواحد” لمعدّه ومقدمه الإعلامي أحمد ملاّ طلال لهذا الحدث، وحيث حَمَلت الحلقة عنواناً مثيراً للجدل يدلل على الواقع المأساوي للعراق، إذ عُنْوِنت الحلقة بـ “الدين لله والوطن للمسلمين”!!!، وحيثُ إستضاف مُعد ومقدم البرنامج كل من سيادة المطران شليمون وردوني المعاون البطريركي للكنيسة الكلدانية والشيخ خالد الملاّ رئيس جماعة علماء العراق والشيخ مجيد العقابي /الكاتب والباحث الإسلامي، وبعد مشاهدة البرنامج لأكثر من مرّة تولدت لي ملاحظات أعرضها كمتابع مهتم لِما يجري في العراق:
ـ ترَكتْ المقدمة الأكثر من جيدة التي وردت قبل البدء بمحاورة الضيوف أكبر الأثر في نفس المُشاهد الوطني الذي ينشد الى مجتمع مدني يتساوى في واجباته وحقوقه المواطن العراقي بشكلٍ عامٍ، لكنها (أي المقدمة) وللأسف لم تكن حلقة الوصل بين ما تم طرحه فيها من تساؤلات مشروعة وبين ما تم مناقشته أو محاورته من قِبل الضيوف فيما بينهم أو ما بين مقدم البرنامج وضيوفه، وحيثُ إنسحب الجميع الى فخ التكتل الفئوي والدفاع عن مكوناتهم بشكلٍ أو بآخر!!.
فالمطران “شليمون وردوني” دافع عن مكونه بطريقة ساذجة وبسيطة تاركاً بقية المكونات المتضررة الأخرى من جرّاء مثل تلك الخطابات لتدافع عن نفسها!!، وسأتي بشيء من التفصيل على الإخفاقات التي وقع فيها والتي لا تعطي للمتلقي أو المُشاهد أية بيّنة أو دليل واضح على (ظاهرة الكراهية) والعداء من البعض المتطرف لمكوّنه وبشكلٍ علمي ومنطقي يُقنع المتابع بما يدعيه رؤساء مكونه ورعيته.
أما الضيف عن المكوّن الشيعي الشيخ “مجيد العقابي” وعلى الرغم من تظاهره بالإعتدال الفكري والإنفتاح المذهبي!!، إلاّ أنّ خطابه أو مناقشته كانت تبريرية غير مقنعة أسقطته بشكلٍ واضحٍ في خندق الدفاع عن مكونه وعلى مبدأ “إنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً” على الرغم من إستعراضه لتاريخه المعتدل والمنفتح على بقية المكونات!!.
ولكي أكون منصفاً فإنّ رئيس جماعة علماء العراق الشيخ “خالد الملاّ” كان أكثر الضيوف إعتدالاً في خطابه والأكثر منهجية ومنطقية في طروحاته، وحيثُ تجاوز في الكثير من الأحيان السقوط في خندق الطائفية على الرغم من ردود أفعاله القليلة التي حاول السيطرة عليها والدفاع عن وجهة نظره تجاه ما يطرحه الضيفين الآخرين ومقدم البرنامج، ولقد كان واضحاً في تقبله لِما الصق بمكونه نتيجة أفعال بعض المتشددين عارضاً الحلول المنطقية الواضحة في تغيير الخطاب الديني المتشدد ومناشداً الجميع للسيطرة عليه وتغييره بخطاب آخر يتماشى مع روح العصر وليعكس جوهر الدين الحقيقي وهدفه، لا بل إستطاع ملئ الفراغ الثقافي والمعرفي لممثل المكوّن المسيحي وأخذ زمام الدفاع عنه وعرض تظلّم هذا المكوّن وهذه نقطة تحسب له!!!.
ـ لقد وفِقّ مقدم البرنامج أحمد ملاّ طلال في إختيار ضيفه رئيس جماعة علماء العراق الشيخ خالد الملاّ، لكنه في نظري أخفق في إختيار ضيف المكوّن الشيعي وكنتُ أتمنى لو كان الضيف رجل الدين أياد جمال الدين ليتماهى أكثر مع الشيخ خالد المُلاّ بفكره ونظرته الدينية الحداثوية التي بلا أدنى شك نحن بأمس الحاجة اليها الآن لطرحها وتَبَنيها خدمة للدين والمجتمع معاً.
أمّا من ناحية إختيار مقدم البرنامج لرجل الدين المسيحي المطران شليمون وردوني فلا أعلم هل اللوم يقع عليه أم على البطريركية الكلدانية التي لا تزال لا تحسن الإختيار لِمن يمثلها في مثل هذه البرامج المهمة على القنوات الفضائية أو المؤتمرات الدولية؟؟!!، وحيثُ لا يزال أصحاب المراكز العُليا فيها متشبثين بـ “الأنا” لتمثيل مكوناتهم على الرغم من فشلهم المتكرر في إيصال مظلوميتهم سواء للطرف المقابل أو المحافل الدولية، فليس عيباً أن لا يستطيع رأس الهرم التحاور مع الآخرين بمنطق الحجج والحكمة والثقافة العالية الدينية أو التاريخية على الرغم من حمله للشهادات اللاهوتية والفلسفية العليا المختلفة، ولهذا نجد من أنّ الدول أوجدت لها وزير خارجية وأعتبرته رئيس الدبلوماسية الممثل لها على الرغم من وجود الأعلى منه منصباً في السلطة التنفيذية كرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. فموقف المكوّن المسيحي صعب ويحتاج الى محاورٍ “لَبِقٍ” وملمٍ ونبيهٍ في طريقة عرضه لمأساة مكونه أو مجمل المكونات المتأثرة بالأحداث المأساوية وأن يستطيع الإجابة على الأسئلة التي تُطرح عليه خاصة في مجال خلط الأوراق ونفي تعرض مكونه لظاهرة الإقصاء والتهجير من قبل المتشددين من الطرف الآخر وتحت مبرر إنّ ما تعرض له مكونه من مآسي قد تعرض له كل أبناء الشعب العراقي وبالقفز والإلتفاف الذكي على النسب المئوية لبيان الضرر الفعلي للمكون وديموغرافية تواجده في العراق قبل وبعد الأحداث، فالمكوّن الأيزيدي مثلاً كان الأكثر ضرراً بمقدار المئة بالمئة بالنسب المئوية على الرغم من أن ضحاياه عددياً لا تتعدى العشرين الف الى الخمسين الف كما يشاع من الشهداء والنساء المسبيات والبقية الباقية منه قد هجّر والذي يصل عددهم الى النصف مليون، فمن غير العدل أن نحاججهم من أن ضحايا المكوّن العربي من المسلمين في العراق جرّاء العنف الطائفي قد تجاوز أعداد الأيزيديين من مجموع ثلاثين مليون (أقدم إعتذاري لقرّائي الأعزاء عن دخولي في تفاصيل المكونات لأن طبيعة الندوة في قناة الشرقية كان بهذا الإتجاه)، ونفس المقارنة يخضع لها المكوّن المسيحي الذي فقد خمسة وسبعين بالمئة من مجموعه بين مهاجر ومهجّر ومفقود وشهيد، وهذا الأمر يسري على معظم المكونات الأخرى من الصابئة المندائيين الذين لم يكن حالهم بأفضل من أولاد خالتهم المسيحيين والتركمان والشبك والكاكائين وغيرهم.
فهل أنّ إختيار مقدم البرنامج لضيوفه جاء عن قصد ليرجّح كفة على الكفة الأخرى؟؟!!، أم إنّ عدم المامه بشكلٍ واسعٍ بخلفية ضيوفه المعرفية والفكرية أوقعته في الإخفاقات وعدم بلوغ الحلقة المخصصة للموضوع المطروح لهدفها؟؟؟!!!.
ـ نعود لنركز على المحاور لممثل المكون المسيحي كونه المعني الرئيسي بهذه الحلقة أو البرنامج:
فقد كان على البطريرك لويس ساكو الذي إستلم مكونه من خًلفِهِ الكاردينال “عمانوئيل دلّي” بأردئ حالته وتشرذمه بين مهاجر ومهجّر ومفقود ومختطف وضياع ممتلكات الرعية وممتلكات كنيستهم التاريخية والوقفية التي أهدرها الفساد في عصر سلفه، وحيثُ وعد البطريرك لويس ساكو رعيته في الإعلان بشفافية عن الأموال والممتلكات (الضائعة) عند تسنمه منصبه، لكنه وللأسف لم يفي بوعده ولحد علمي!!!.
أقول كان عليه حال تسنمه منصبه أن يختار فريق محاور ثابت عالي الحُجّة والثقافة والمعرفة القانونية والتاريخية ليكون دائماً مستعداً لشرح ظروف مكونه وما آل اليه حاله بطرق علمية ومنطقية وتاريخية توثيقية دقيقة جداً بأعداد المهاجرين خارج العراق والمهجرين داخله وأماكن تواجدهم داخل العراق وخارجه واعداد الضحايا والمحتجزين والمخطوفين وما تبقى من مكونه في العراق بشكلٍ دقيق جداً أيضاً معتمداً على سجلات الولادات والوفيات وشهادات مطلق الحال وغيرها التي تحتفظ بها الكنائس، وإن يتم تخصيص فريق عمل من رجال الدين والعلمانيين في كنيسته لديمومة ومتابعة تحديثها ونقلها على أقراص الكمبيوتر وبنسخ متعددة تحتفظ بها الكنيسة في أماكن مختلفة ليتجاوز هو ومن في معيته الإحراجات حين يُسأل عنها في المحافل الدولية وعلى الفضائيات الإعلامية فيعطي أرقام تخمينية ربما تكون بعيدة عن الواقع ولا تقنع المتلقي!!، وكان عليه وعلى رؤساء المذاهب المسيحية الأخرى تكوين غرفة طوارئ جاهزة على مدار الساعة لمواجهة الأزمات خاصة بعد حادثة كنيسة “سيدة النجاة” المأساوية.
وربما هذه المرة الأولى التي أتدخل فيها كناقد لأقطاب المكون المسيحي ورجال الدين فيه، لأنني أؤمن بضرورة الكتابة عن ما يتعرض له العراق ككل، لكن المستوى الضعيف الذي يتكرر في ظهور غالبية المحاورين السياسيين والروحانيين للمكون المسيحي دفعني للتنبيه له، ليس لأجل الإنتقاص والتشهير لكن لمعالجته وتصحيحه، وكمثال بسيط لذلك فلم يكن المطران شليمون وردوني موفقاً للإستشهاد بالآية القرآنية (29) من سورة الكهف: “فمَنْ شَآءَ فليُؤمِنْ وَمَنْ شَآءَ فَليُكفُر”، ولسبب بسيط من أنه لم يقرأ أو يطلع على تكملة الآية التي تهدد وتتوعد الكفّار بالنار!!، وهو بهذا الإستشهاد الذي ليس في محله يضع مكونه بموضع “الكفّار” وهذا غير صحيح، فالمسيحيون ليس بالكفرة يا من تدافع عنهم، وكأنك أردت القول للطرف الآخر: (بأنهم مؤمنون وهذا خيارهم ونحن كفّار وهذا خيارنا فدعونا وشأننا)!!، إذن لماذا أتيت الى هذا البرنامج؟!، اليس إحتجاجاً على ما تفوه به رئيس الوقف الشيعي بنعت المسيحيين بالكفّار وحسب ما أوردته بياناتكم؟!!.
الرابط أدناه لحلقة برنامج “بالحرف الواحد” الذي عرضته قناة الشرقية الفضائية لمقدمه الإعلامي أحمد ملاّ طلال والخاصة بتداعيات تصريح رئيس الوقف الشيعي:
https://www.youtube.com/watch?v=5zNvagvUMvc
الرابط أدناه لتوضيح رئيس ديوان الوقف الشيعي الشيخ علاء الموسوي على ما جاء في محاضرته قبل ثلاث سنوات:
http://www.ankawa.org/vshare/view/10405/ala-almosawi/
وربما لي وقفة أو نقطة نظام على الشيخ علاء الموسوي وغيره من رجال الدين لأقول لهم اليس بالإمكان عدم طرح مثل هذه المعتقدات الفقهية كما صَرحتَ لتبريرها، الم يكن الأجدر تحييدها بعد أن تجاوزت زمنها ومكانها مثلما أكدتَ أنتَ في الرابط أعلاه وإستبدال الحديث عنها بالتذكير بمعتقدات فكرية تشجع التسامح والعيش المشترك والتي نحن الآن بأمس الحاجة اليها لتغيير الأفكار المتطرفة خاصة عند الشباب وليس لتذكيرهم بمعتقدات تؤجج وتدعم تطرفهم.
بقي أن أجلب إنتباه رجال الدين المسيحي ورأس هرمهم على ضرورة إختيار ممثليهم في الإعلام الذين يظهرون على القنوات الفضائية وليس في جعبتهم غير المفردات التي حفظها الشعب العراقي والعالم عن ظهر قلب من أمثال التسامح والسلام والمحبة وصولاً الى جملة “المكوّن الأصيل”وغيرها وإن كانت هي المحرك وبيت القصيد في مجمل تداعيات الحالة العراقية، وإن يتمتع ممثلهم في الإعلام ببلاغة وفصاحة وبلغة عربية قوية وسليمة متجاوزاً اللهجات المحلية وخاصة الموصلية منها مع محبتنا لها، كونه يخاطب كل من يسمع له من المحيط الى الخليج ولكي يفهم الجميع على ما يود إيصاله من فكرة وتحقيق الغاية المنشودة لهدف الظهور للإعلام وما يبغي المحاجج أو المتكلم إيصاله للناس وطرح البيّنات والأدلة والبراهين وبحجج يقتنع بها المتلقي.