على هامش الملياردير

على هامش الملياردير

مضى زمن ليس بالقصير ولم أكتب جديداً بالرغم ما يدور حاولنا في عالم لا يقر له قرار، وقلما نجده مصدر راحة وإبداع  وفرح.. وإذا نظرنا الى الأخبار فإنها مصدر حزن وألم حين يبدو هذا العالم غابة أو محيط لا قانون فيه سوى العنف حين يأكل القوي الضعيف، فلا مفر والحال هكذا سوى أن يبحث عما يجمع بين المتعة والفائدة ولا أفضل من خيار ” الملياردير” حيث يمتحن الناس في حصيلة معارفهم ويحصلون على حفنة من دنانير بين الكثير والأقل المعقول ولا يرجعون خائبين بل يكسبون فوق هذا تجربة تبقى حية ومعايشة مفرحة على العموم حين يكون مدير البرنامج وبطله شخصية فذة موسوعية في علمها محبوبة لدماثة فيها وصوت فيه حنان ووجه وسيم لا تفارقه الابتسامة! وأعني به الأستاذجورج قرداحي الوزير السابق للاعلام في لبنان الذي الذي حورب الى حد الخيار بين مغادرة الوزارة أو يغادرها، فاعتذر من البقاء فيها، وغادر الوزارة غير مأسوف عليها.. ( وسبق أن كتبت عن ذلك محيياً إياه لثباته على المبدأ).

ويطيب لي أن أقف قليلاً مع الأستاذ جورج قرداحي المولود عام 1950، فهو لبناني ألمّ بلبنان وتاريخه ومكوناته، وهو ذو اطلاع واسع على الشعر العربي قديمه وحديثه، وعرف بكونه بعيداً عن التعصب القومي والديني، وإلمامه بالإسلام واسع كإلمامه بالمسيحية التي ينتمي إليها. وبذلك فهو قد درس القرآن وفهمه وحفظ كثيراً من آياته وعرف النبي والإمام علي الذي درسه سيرة وتاريخاً وأعجب به أيما إعجاب شأنه شأن من سبقه من اللبنانيينوالمسيحيين كجبران خليل جبران ومارون عبود (أبو محمد) وبولص سلامة وجورج جرداق ويوسف كتاني .. وآخرين لايسعني للأسف تذكرهم!

فإذن لا أفضل من جورج قرداحي المتمرس في الصحافة والإعلام ليكون مقدم برنامج الملياردير للموسم الثاني في شهر رمضان وامتد لعطلة عيد الفطر غلى قناة الرابعة العراقية، فتابعته ولم أفوّت حلقة من حلاقاته، فاضافة للمعتة والفائدة أجدها أنها فرصة مواتية لأختبر معلوماتي، ولا داعي أن أفصح عن النتيجة وليس بوسعي أن أخفي ضعفي في الرياضة والسينما!! ولكليهما أسباب موضوعية أكثر منها ذاتية!

وقد بدا اختيار المشاركين هذا العام السمة النخبوية من أصحاب الدرجات الأكاديمية، وشكّل الأطباء الاختصاصيون (لا الأخصائيون!) نسبة عالية وكذلك الاختصاصات العلمية وأقل من ذلك الاختصاصات الإنسانية والأدبية! وقد غطى المشاركون كل العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه.. وكانوا مبعث فخر وانضباط في أدائهم وقد أبلى قسم منهم بلاء حسنا.. وأرى لزاماُ علىّ أن أحيي المرأة العراقية فقد طرحت نموذجها الإنساني الذي يليق بالعراق أسوة بأخيها الرجل..

لقد كانت الأسئلة في كثير منها تفتقر لصدق الأختبار أي لا تقيس الجانب المعرفي والتي تستدعي حضور الذكاء بمفهومه الحديث أي ربط العلاقات.. فعى سبيل: المثال يعطى سؤال تاريخي؛ متى فازت الدولة الفلانية بالبطولة لعام ما وتعطى أربعة خيارات تاريخية متقاربة!! مما تربك الممتحَن حتى لو كان يعرف الجواب، وتدعى هذه الأسئلة بالأسئلة الإيقاعية (بمعنى التسقيطية)..في حين أن الأسئلة لكي تكون صادقة أن تحرض على التفكير والتمعن لا أن تترك للحدس والتخمين، كما ينبغي على العموم أن تتضمن معرفة وظيفية يعني الأسئلة ذات الفائدة في الحياة كي ينتفع منها الجمهور!  فعلى سبيل المثال: لماذ يطلب أن يذكر أسم الفيتامينات العلمي؟ ففي دراستي للكيمياء الحياتية في موضوع الفيتامينات يذكر اسمه العلمي مرة واحدة عند تقديمه مع تركيبه الجزيئي، وبعد ذلك يذكر اسمه الشائع المقترن بالحرف مثل فيتامين، اي، سي دي..الخ. للسهولة والاختصار ويعبر الحرف بحق عن الهوية.. أو سؤال مربك: عن أي غاز موجودأو منبعث من الشمس وضمن الخيارات الميثان والهيليوم .. والحقيقة كلاهما صحيح مع اختلاف النسبة فالهيليوم من الأغريقية غاز الشمس اعتبر خطأ بسبب أن الأكثر انبعاث الميثان!!

ولذلك في كثير من الحالات أصبحت الأجوبة مدعاة للمراهنة على الحظ وفي حالات أخرى التعويل على الأسلوب الإنساني الرقيق لمقدم البرنامج في المساعدة على الوصول للجواب الصحيح..

لقد وجدت متعة وافئدة لهذا البرنامج لا يمكن أن تقلل من أهميته بعض الملاحظات إنما دافعها تحسين أسلوب الامتحان يكون أكثر فاعلية.. ولا يسعني إلا أن أحيي القائمين عليه وأولهم الأستاذ جورج قرداحي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات