23 ديسمبر، 2024 12:08 ص

على هامش أقرار قانون العشائر : على البرلمان أصدار ملحق قانون لوظيفة “صبّاب” القهوة

على هامش أقرار قانون العشائر : على البرلمان أصدار ملحق قانون لوظيفة “صبّاب” القهوة

عندما كنت أقوم بالتدريس في جامعة اليرموك في مدينة أربد في أواسط التسعينات، كان يعمل في مختبري فني مختبر من عشيرة أردنية معروفة في شمال الاردن. كان مولعا بالشعر البدوي. روى لي مرة أن أحد الشعراء البدويين كان يحضر أسبوعيا الى مجلس عشيرتهم و يلقي شعرا جميلا يستمتع به الحاضرون و كان صبّاب القهوة مولعا بشعره كثيرا و يردد معه مرتين آخر كلمة أو جزء منها من كل بيت. طبعا لا أتذكر الابيات ولكن يمكن مثلا أنقل بيتين من شعر بدوي لا أعرف من قائله وأشير الى ما يردد مثله الصبّاب:
جبتلك هيل وكرنفل…… ………( الصبّاب سيقول: رنفل…..رنفل)
و دلة وهاون وكهوة
وفحم ومنقلة وبيها الدلال اصفوف ( الله الله: فوف ……فوف)
ومهباش الخشب والإيد والعروة ( الصبّاب: أروة…..أروة )
في ليلة ما قدم الشاعر مبكرا ولم يكن قد وصل الا القليل من رواد المجلس فجلس ينتظر،كان الصبّاب أثناءها يبحث في الجمرات وبعد نفخهامسكت النار أسفل دشداشتة و شاهد الشاعر المنظر و بعفوية قال له:
يبا النار كلت ثوبك …………….. ( الصبّاب : أوبك ….أوبك)
يبا هذا صدك مو قصيد ……………. (الصبّاب: الله أكبر: أيد …. أيد)
و قفز نحوه الشاعر لاخماد النار.
تذكرت هذه القصة بعد أقرار قانون العشائر و الذي حزنت على أقراره كوننا كدولة مدنية رجعنا الى الوراء 100 عام و أصبحنا دولة يحكمها معممون فاسدون، ووزراء و نواب جهلة و أشباه متعلمين و ومثقفون أنتهازيون و عملاء، و فصائل مسلحة قادتها لا يعترفون بمؤسسة الجيش و السلطة، و بأقرار هذا القانون ينضم الى الجوقة شيوخ متخلفون يحلمون ببسط نفوذهم مشرّعا من خلال تشريع قوانين الفصل و الثأر و الجواري و ربما االغزوات و السبي و الغنائم. وسط كل هذه السوداوية و التبعات السيئة للقانون و التفكير على مدى أيام، حلمت يوم أمس أنني رجعت خمسا وأربعين عاما عندما كنت صبيا في مدينة عانة وكان لعائلتنا ديوان يلتقي به رجال محلتنا و المحلات القريبة للسهر ليلا والسمر بعد صلاة العشاء في الجامع الكبير قرب الديوان و كنت أحيانا، خاصة أيام العطل، أرافق والدي و
عمي و جدّي (الذي كنت حفيده المدلّل) و أجلس معهم، حيث لم يكن هناك وسائل للترفيه قبل مجيء التلفزيون الى عانة، ولكن لم أسمع في جلسات ذلك الديوان ما يعرف بقوانين الفصل و الثارات و غيرها ولم أتذكر رجلا واحدا من الذين كانوا يجلسون في الديوان كان يجمع زوجتين في وقت واحد. و كانت معظم الاحاديث تدور حول الزراعة و الري و المحصولات و الحصاد و الاغنام، و يتطرق المعلمون و المدرسوّن في حالة وجودهم أحيانا الى بعض قضايا التعليم و امدارس ومن نجح ومن رسب في امتحانات البكالوريا و غيرها. و كان الديوان مضيفا للفلاحين والبدو من القرى و الارياف المجاورة يبقون فيه أياما مجانية تتضمن الاكل و المشرب وقسم منهم لاتربطنا بهم أية علاقة لا بالزراعة أو بالقرابة، و لا توجد لهذا الديوان أو غيره من الدواوين أية قوة تشريعية أو تنفيذية و قلما كان للسياسة نصيبا من الحديث و كنت أستمتع بأجوائه الخاصة و خاصة صوت المهباش عند طحن القهوة في الجاون و الدخان المتصاعد من جمرات الحطب في المواقد التي تسمى الجانون (ج تلفظ تش بلهجة عانة نقول التشنون) وغالبا مايقوم بها والدي أو عمي أو أحد الاقارب ولم يكن لدينا صبّاب قهوة أو شاعركما في دواوين العشائر. كان الديوان يعج بالحركة خلال الاعياد حيث تقام الولائم أول يوم العيد و كان والدي يضع العيديات في الاكياس الورقية البنيّة و يوزعها علينا نحن الاولاد الصغار المتجمعين من أبناء المحلة حول الديوان بعد صلاة العيد ويعطينا من العملات المعدنية كل حسب عمره.
بعد أن صحوت من الحلم فكرت بأن للقانون الجديد الذي شرعه البرلمان بعض الفوائد الاجتماعية و الاقتصادية و حتى الثقافية ربما ” عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم”. فالقانون سيتبعه أزدهارفي تجارة القهوة، و مستلزمات تحضيرها كالدلّات و الفناجين و المهابش في الدواوين التي ستقام في قصور الشيوخ (مع أنها موجودة ولكن سيكون لها الآن قوّة و هيبة خاصة) والدوائر الرسمية كما في ديوانيات الكويت في الوزارات و الدوائر و مجالس القات في وزارات و دوائر اليمن و يستخدمها المرشحون لمجلس النواب في الاردن و الكويت كأماكن تجمعات و دعاية أنتخابية حيث تقدم المناسف و الذبائح للعموم و التابعين. أضف الى ذلك أزدهار تجارة الملابس العربية و اليشماغات و العكل و هي مستلزمات مطلوبة عند الذهاب الى المجالس و خاصة جلسات الفصل التي أقرت بالقانون و ربما سيطالب الشيوخ بأعلان يوم عطلة رسمية يسمى يوم العشائر يلبس فيه جميع المسؤولين و الوزراء و النواب العكال و اليشماغ و البدلة العربية يتوسطها الحزام وفيه جراب المسدس و تلبس النساء الملابس البدوية الفضفاضة مع وضع الوشوم ولبس الحلي و الخلخال والخزام و عقد الليرات الذهبية من العنق الى الصدر و عند البدو في الجزيرة يسمى المرشم “المرشم بصدرها كما الشاخ مدقوق” كما ستزدهر تجارة الاغنام و الطليان متطلبات المناسف و القوازي (جمع قوزي).
أجتماعيا ستتوطد العلاقات العائلية من خلال الدواوين و مجالس العشائر التي ستلعب دورا هاما في قضايا أجتماعية و جلسات مسلّية للناس تبعدهم عن وجع السياسة و الفقر المدقع حيث أن الناس العاديين سيتمتعون بحماية شيوخهم و عطاءاتهم مقابل الولاء و الطاعة وأعطاء الاصوات و سيجدون أبواقا أعلامية و شعراء جاهزين للتمجيد وترديد المديح كما يردد الصبّاب لشاعره و يمجد العوام لنوابهم المفتونين بشخصياتهم الصاخبة و هؤلاء النواب بدورهم يمجدون لشيوخهم و قادتهم، طمعا بترشيح و توصية لمنصب وزاري أو تمرير عقود وتوظيف و غير ذلك من الامتيازات و لسان الحال يقول:
أنا بشيمتك يا صاحب الشيمة ……. لو ماخدمتك ما أظن ألي قيمة
كما سيسمح القانون بالتدخل بقضايا و صفقات الزواج و المهور (أتخيل أن الشيخ سيأخذ كوميشن على المهور بشكل رسمي كعرف عشائري) و غير ذلك.
ثقافيا سيزدهر الموروث الشعبي ممثلا بالشعر البدوي و عمل مسابقات شعرية و ربما أيضا مهرجان المربد البدوي.
أما الطلب على الصبّاببين (و الصبابّات لدوواين النساء) فسخلق مالا يقل عن عشرة آلاف وظيفة خاصة و أنها لاتحتاج الى مؤهلات دراسية ولدينا 5 ملايين أمّي يسهل تأهيل البعض منهم لشغل هذه الوظائف بعد تشريعها دستوريا و كل ما هو مطلوب أن يصب القهوة حسب التقاليد و يعرف عادات صبها و يتعلم ترديد الشعر بعد الشاعر. ألا تستحق هذه الوظيفة الى تشريع من قبل مجلس النواب وهم أبناء العشائر؟ و ألا تجدون أن في هذا القانون أحياءا لموروثنا الثقافي؟
جبت كل السوالف ذيج ………..جبت الصكلكة من الغنم تسرح ،
وي طرت الفجر لمن يصيح الديج (ديج ….ديج)
جبت لك كاره بمشحوف …………ومعلك عليها خضيري و امسكّه
جبت لك طير بش الماي…………….وجثري مبيت بعكه .
مبروك لكل الشيوخ و النواب و شعرائهم و صبّابي قهواتهم القانون العتيد.