هل التحشيد الإعلامي المصري الهائل ودق طبول الحرب الآن تجاه ليبيا غايته الهروب الى أمام فرارا من – أثيوبيا – وأزمة سد النهضة الخانقة التي تهدد الأمن القومي المصري والعربي برمته،كذلك الفرار من أزمات مصر الداخلية الخانقة والمتلاحقة بما فيها وباء كورونا ( كوفيد – 19 ) الذي إرتفعت وتيرة الإصابات والوفيات به في طول مصر وعرضها مؤخرا؟
أرى وأظن والله أعلم بالصواب بأن – حماقة – كبرى سترتكب وباتت وشيكة الوقوع قريبا جدا تعيد الى الذاكرة حماقة التورط في اليمن أيام عبد الناصر والتي انتهت بخسائر جسمية وعلى مختلف الصعد ، وأضيف بأن هناك ضغطا هائلا على مصر للتورط بهذا الملف الشائك والوقوف أمام تركيا وربما مواجهتها عسكريا بالنيابة وبحرب وكالة مقابل الضغط على اثيوبيا المتشنجة ذات التأريخ الاستدماري المعروف لكل جيرانها – ارتيريا وجيبوتي انموذجا – للتنازل نظير ذلك عن بعض ما تبيت له النية في سد النهضة، وربما عكس ذلك تماما بمعنى توريط مصر في ليبيا وإشغالها كليا نظير رفع اثيوبيا لسقف طموحاتها في سد النهضة،وربما لتقسيم ليبيا الى ثلاثة أقسام أساسا في خطة مبيتة داخلة ضمن مخطط وخارطة برنارد لويس المشبوهة لتقسيم المقسم بعد سايكس بيكو ، على أن يكون جزء من المناطق النفطية الواقعة شرقي ليبيا من نصيب مصر بالاشتراك مع احدى دول الخليج العربي – الامارات – كمقدمة لتقسيم دول شمال افريقيا كلها تباعا على مراحل !
ولاشك أن صِدام مصر وتركيا على الأرض الليبية لن يخدم أحدا قط بإستثناء الكيان الصهيوني المسخ وعلى الجميع أن يعي ذلك جديا ، وكل قطرة دم تركية – مصرية ستسقط الأولى بها أن تراق على أرض فلسطين الحبيبة بمواجهة الكيان ،الا أن حروب النيابة والوكالة وعلى ما يبدو مستمرة وبنجاح ساحق ماحق لكل من تورط وسيتورط فيها وفي أي وقت وحين ، بالمقابل على السيد اردوغان بدوره التخفيف من حدة أحلامه التوسعية والتقليل من تقمص شخصية الفاتح والقانوني لأن دخول حمام الحروب حاليا لايشبه خروجه أبدا ولم يعد هذا الملف كما كان في الأمس القريب مطلقا ” غزو صدام للكويت عام 1990/ 1991والذي أسفر عن تدميرالعراق كليا وحصاره من جراء ذلك أنموذجا”، ولقد تورطت تركيا منذ أعوام بعدة جبهات عربية “سورية ، العراق ، ليبيا ” ما من شأنه إضعافها كثيرا وبما لايتمناه أحد لتركيا الناهضة على المستويات كافة ، لقد غرقت تركيا في مستنقعات الجبهات الثلاث كلها دفعة واحدة حتى صار نظامها الحاكم مهددا من الداخل والخارج ، وقادة الجيش في العالم عموما ، وفي تركيا خصوصا ، لاتؤمن جوانبهم البتة حين يشعرون بأن قائدهم الاعلى” لاسيما اذا ماكان هذا القائد مدنيا ولم يخدم في الجيش ولم يتسلسل برتبه ومناصبه ” يقحمهم بحروب تلو حروب ويحاول قدر المستطاع ابعادهم عن بلادهم شرقا وغربا لأن هذا الابعاد بنظر قادة الجيش على الدوام لهو دليل قاطع على عدم ثقة القيادة العليا بهم خشية أن يقوموا بإنقلاب عسكري داخلي عليها وووسينقلبون ، وفي أي صباح يتوقع أن تذيع النشرات الاخبارية ذلك لامحالة إن عاجلا أو آجلا ، وستعجب أشد العجب حين ترى في المؤتمر الصحفي لإذاعة البيان رقم واحد بعض رفاق اردوغان المقربين ومن أعضاء حزبه حتى الامس القريب مع الانقلابيين جنبا الى جنب !!” ، أنا هنا أقرأ وأستقرئ وأتوقع وأخمن ولا أتمنى مطلقا ، سل مجرب حروب كالعراق والعراقيين ولاتسل المستشارين ولا الأمم المتحدة !
وهنا لايسعني الا أن أستحضر قصيدة نصر بن سيار، لتطابقها مع الواقع المعاش :
أرى تحت الرماد وميض نار…ويوشك أن يكون لـه ضـرام
فإنّ النار بالعـودين تذكى …وإن الحرب مبـدؤها كــلام
فإن لم يطفؤها عقلاء قوم …يكون وقودها جثث وهامُ
حسب مصر وبدلا من التهديد والتلويح بإجتياح ليبيا اذا ما تقدمت قوات الوفاق المدعومة من تركيا الى ” سرت + الجفرة ” كونهما خط أحمر بالنسبة لمصر وأمنها القومي ” حيث تضم الجفرة أهم وأكبر قاعدة عسكرية في ليبيا قاطبة ،أما سرت فتضم اكبر حوض نفطي في ليبيا والسيطرة عليها من قبل أي من الجانبين المتحاربين يعني السيطرة على الهلال النفطي الممتد بين بنغازي وسرت ، ويضم وببساطة شديدة 80% من النفط الليبي كله وهو الاكبر في قارة افريقيا كلها ، كما يضم هذا الهلال أبرز الموانئ النفطية الليبية على البحر الابيض المتوسط “، أقول حسب مصر حماية وتأمين الحدود الغربية لها وعمقها الستراتيجي بمسك الشريط الحدودي مع ليبيا بقوات برية وتسيير دوريات وطائرات إستطلاع وانشاء نقاط عسكرية وابراج مراقبة وحفر خنادق وأنفاق وحقول ألغام وأسلاك شائكة والإستعانة ببدو الصحراء من كلا الجانبين لحماية حدودها من المتسللين ..لقد فعلتها – اللعينة ايطاليا – بين مصر وليبيا أيام الاستدمار الايطالي في ثلاثينيات القرن الماضي بتقنيات ذلك الوقت المتخلفة ونجحت ، فما بالك اليوم بوجود الطائرات المسيرة والاقمار الصناعية والاليات الحديثة ، وحسب تركيا الانشغال بتقوية جبهتها الداخلية ومواصلة البناء والاعمار وتطويرالاقتصاد والصحة والسياحة والتعليم ومسك حدودها بذات التكتيكات ولاداعي لمغامرات غير محسوبة العواقب ودخول الاراضي المجاورة كالعراق وسورية ، والبعيدة كليبيا مطلقا ، القضية برمتها ما أخبرتكم به سلفا ، لقد إنتهى الملف السوري بقانون قيصر ، وايران باتت مع اذنابها تترنح كليا في عموم المنطقة ولم تعد ذلكم البعبع المخيف كما كان أيام أوباما والاتفاق النووي بين اميركا وايران ، والمطلوب الان ماسونيا هو إشعال ” الجبهة المصرية + التونسية + اللبنانية +التركية + السودانية = قلاقل وفتن ومحن وحروب جديدة لتحل محل القديمة التي وعلى ما يبدو أن ملفاتها قد أغلقت ، تغذيهما خزينتان مفتوحتان خليجيتان متضادتان( السعودية والامارات ) من جهة و( قطر ) من جهة أخرى ، وتنفخ في نارها وتُسعِّر أوارها قناتان فضائيتان عربيتان متناحرتان ومتنافستان ( العربية والجزيرة ) سبق لهم أن غرروا بصدام والعراق وبذات السيناريو ماضيا !
كل الذرائع التي تسوقها مصر حاليا للتدخل في ليبيا إنما اقتبستها حرفيا من الذرائع التي سبق أن ساقتها تركيا للتدخل في سورية والعراق وليبيا ” حماية الحدود ، ملاحقة المتمردين ، مطاردة الارهابيين ،ترسيخ دعائم الامن القومي الداخلي ، الحفاظ على المصالح الاقتصادية والسياسية والجغرافية ..ولن نسمح ..ولن نسكت..ولن نتراجع ،نحن أحفاد الما أدري إيش ..نحن أبناء الما أدري منو + تصفيق..وهكذا دواليك ” فمن ينتقد التصرف المصري ويحمل عليه فحسب من دون التركي، كذلك من ينتقد الموقف التركي ويحمل عليه ويغض الطرف عن المصري ،إنما يحاول جاهدا بأن لايري عينيه الحقيقة القبيحة المؤلمة كما هي ومن غير رتوش ويدفن كالنعامة رأسه في التراب ، وأعلم يا رعاك الله بأن الكمامات إنما صنعت لتغطية الأفواه في زمن كورونا خشية إنتقال العدوى ولم تصنع للعيون ولا للعقول قط ..الرجاء شغل محركات – عقلك ، مخك ، دماغك – خشية “التجييم بغياب الإدامة والصيانة والتشحيم ” !
#وخلاصة القول الفصل وبعيدا عن الأمنيات الشخصية والعصبيات والتشنجات التي تسمى في العراق تحليلا صحفيا وسياسيا وما هي كذلك بالمرة : أقول” على كل من مصر وتركيا إلتزام الحياد التام في القضية الليبية وعدم التدخل في شأنها الداخلي مطلقا وليتركا أبناء البلد الواحد الشقيق يحسمان أمرهما بنفسيهما بعيدا عن تدخلات هذا الطرف أو ذاك ، فأهل مكة أدرى بشعابها وعلى كل الداعمين الدوليين والخليجيين والاقليميين لهذا الطرف أو ذاك ، الكف عن تأجيج النيران وصب الزيت عليها ولينشغلوا بمشاكلهم الداخلية فحسب بدلا من ذلك كله …حفظ الله تعالى الشعب الليبي على إختلاف مكوناته من كل مكروه وسوء وانصحهم بأن لايستنسخوا تجربة العراق المقيتة فكل من دخل طرفا خارجيا فيها فقد أسهم بدماره من دون أن يبك يوما على أطلاله ولاخرائبه بسببهم أحد ، وبذات السيناريو الذي طبق لاحقا على كل من سورية واليمن وقبلهما الصومال فأحال كل هذه الدول الى دويلات متناحرة في واقع الحال تتصارع فيها الأجندات الدولية وتتقاطع المصالح الاقليمية على حساب ملايين القتلى والنازحين والمشردين والمعذبين والجرحى والمعاقين من ابناء البلاد المغلوبة على أمرها . اودعناكم اغاتي