لايتوقع المتابعون للشأن السياسي العراقي الجديد حصول تغيير كبير في اداء وبرامج وتوجهات التشكيلة الوزارية القادمة عن سابقاتها الثلاث حكومة السيد اياد علاوي وحكومة السيد ابراهيم الجعفري وحكومتي السيد نور المالكي الاولى والثانية. ولعل مرد هذا الاستنتاج ناشئ عن تكرار اسلوب توزيع المناصب بين الكتل الفائزة، وقبلها طريقة تشكيل تلك الكتل والتي حصرت نفسها -مختارة او مقهورة، مصرة او نادمة- في شرنقة انحياز معين ما ان تتخلص منها في مواسم البذار حتى تحشر داخلها في مواسم الحصاد الامر الذي يجبر العملية السياسية على الدوارن في الحلقة المفرغة ذاتها ويفرض على رئيس الوزراء المكلف قبول وزراء لحقائب بعينها، فرضا ينسحب على الوزراء يدفعهم الى تنفيذ سياسات ومطالب الكتل التي رشحتهم وقبلوا بشروط تمثيلها في التشكيلة الوزارية حتى وان تقاطعت تلك الشروط مع مسار عمل الحكومة كفريق او اخلت بسياقات عمل الوزارة، فاذا ما اخفق الوزير الفلاني في ادارة الوزارة المكلف بأدارتها واراد رئيس الوزراء تغييره واستبداله تصدت الكتلة التي رشحته واعترضت بشدة، حتى اذا طغى الفساد المالي والاداري وظهر فشل الوزارة للقاصي والداني سيتم تغيير الوزير بآخر من نفس الكتلة وبنفس الشروط السابقة وعين الضغوط اللاحقة!. ولعل هذا الاجراء يأتي في مقدمة اسباب مراوحة عملية التغيير في مكانها وبقاء الحال على ما هو عليه منذ 2003 والى يوم الناس هذا. الامل معقود على تشكيلة رئاسة البرلمان الجديدة -وان كانت سلاحا متعدد الحدود- اذ باستطاعتها استقراء اخفاقات المرحلة السابقة وتحديد اسبابها والخروج بمحصلة جديدة ” لعمل الوزير” متوازنة توائم بين ما يتوخاه المواطن وتقتضيه المصالح الوطنيةالعليا وبين ما تسعى له كتلة الوزير من مكاسب واهداف لناخبيها. وهذا من صميم عمل البرلمان كونه السلطة التشريعية والرقابية في البلاد.
لاشك ان الكتل السياسية مطالبة من قبل جماهيرها بتحقيق مكاسب ومنجزات على مستوى المناطق والجماعات والافراد احيانا، وهذا حق مشروع وامر وارد ومتعارف عليه ولاسيما في الديمقراطيات الناشئة، وحتى لاتطغى على هذا الحق المشروع صبغة الانحياز والتكتل الطائفي او العنصري او ما شابه ينبغي ان يذوب وينصهر في بوتقة الحقوق العامة نوعا وكما وكيفا وحسب تزاحم الاولويات وافضليتها على ان لا تتقاطع مع مصالح العراق العليا المتمثلة باعادة امنه واعماره واستقراره، وترسيخ قواعد الحكم الديمقراطي الرصين.
لقد شهدت الفترة السابقة بحكوماتها الاربع ودوراتها البرلمانية تعطيل الكثير من المشاريع الحيوية وعرقلة الاكثر من القوانين والقرارات الهامة بسبب خلاف قوبل بخلاف جر مسلسلا من الخلافات توزعت اسبابها بين: اما ان استحوذ على كل شيء او اخرب كل شيء!. وبين: اعطوني كذا لاوافق على المشروع الفلاني. وبين: تنازلوا عن استحقاقكم الكذائي مقابل التوقيع على القانون الكذائي، وبين لا اوافق لأني لا اعرف ماذا اريد… .
العراقيون جميعاً اكتووا بنار تلك الخلافات وخسروا من عمرهم عشرا من السنوات تأخراً وتخلفاً وتفاقماً للازمات والمشاكل ومزيداً من الفقر والعوز والبطالة وتبديداً للثروات وخراباً اضيف الى خراب السنين الخوالي. ولئن كان في تاخر تشكيل الحكومة الجديدة ثغرات ومأخذ ومثالب وخيبة واحباط وخذلان انعكست تداعياتها على المواطن العراقي الحالم بعراق ديمقراطي حر ينشد فيه المسؤولون الكرامة والعيش الرغيد لشعبهم، وجعلته منزوياً حائرا خائرالقوى والتفكير كونه لايملك تبريراً او وسيلة دفاع لرد شماته وتهكم اعداء التجربة الديمقراطية التي اتقدت بفيض من دماء العراقيين وشقائهم واستنزفت كل عمرهم وثرواتهم، اذا كان في تأخر التشكيل الوزاري كل هذه التداعيات والخسائر فالتعويض ممكن ولا يتطلب الاّ شيئا من اخلاص النوايا وبذل الجهود والاستفادة من كبوات وعثرات الوزارات السابقة، وتوخي الحذر من الوقوع في حبائل الخلاف والتقوقع داخل الدائرة المفرغة، وبذلك ربما تستعيد الكتل برؤسائها وبرلمانييها ووزرائها ثقة جماهيرها المحبطة وتشدها للالتفاف حولها ومساندتها من جديد.الوقت الذي استغرقته الكتل الفائزة واشبعته حوارات ومداولات ونقاشات ومباحثات وتوافقات لا يسمح لها بأرتكاب اقل الاخطاء، ولا يقبل منها الأ المزيد من النجاحات والقضاء على الازمات.
سمعنا ورأينا بوضوح نجاح التجارب الديمقراطية عند الشعوب التي سبقتنا باشواط وحقب وسنين، نجاح صنعته معارضة برلمانية بناءة قوية لحكومات نزيهة كفوءة، وتمنينا نقل تلك التجارب المثالية لكن بعض ساستنا- والله اعلم- يتوقعون حصولهم على المزيد من الاسناد الجماهيري للمراحل المقبلة من خلال ما يقدمونه اثناء وجودهم في المناصب الحكومية المتقدمة وفاتهم ان كراسي المعارضة بأمكانها تحقيق المزيد من الكسب والالتفاف الجماهيري بتصديها الدائم للفساد والافساد وتشخيصها لأخطاء وتلكوء الحكومة واصرارها على تنفيذ المشاريع التي تخدم المواطن وابطال القوانين والقرارات الجائرة.