23 ديسمبر، 2024 1:36 ص

على مائدة شهر رمضان دار العلم للإمام الخوئي تحتفي بأهل العلم

على مائدة شهر رمضان دار العلم للإمام الخوئي تحتفي بأهل العلم

اذا مات بن ادم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له هذا الحديث النبوي رايته متجسدا بالأمس في الجلسة الرمضانية التي عقدتها دار العلم للإمام الخوئي ( رحمة الله عليه ) والتي يشرف على ادارتها سماحة السيد جواد الخوئي، عندما تم توجيه الدعوة للمشاركة في احتفاء المؤسسة بضيوفها من اهل العلم في المجمع الفقهي العراقي ـــــ وهي مبادرة تحسب لهذه المؤسسة لا عليها كما يصورها البعض ــــــ برئاسة الدكتور عبد الوهاب أحمد حسن طه السامرائي. ومشاركة ثلة من طلبة واساتذة حوزة النجف الاشرف واكاديميين.
تاريخ المؤسستين يشير الى ان لكل منهما ثقله في بيئته الاجتماعية والدينية ان لم نقل انه تجاوزها الى محيطه الاقليمي والعالمي ـــ لاسيما دار العلم للإمام الخوئي ـــــ وايضا لكل منها انشطته وبرامجه الداعمة لمشروع التعايش ونبذ التطرف، اذ ان لدار العلم العديد من البرامج التي اقامتها في العديد من محافظات العراق ولعل منها ورشة العمل التي اقامتها في جامعة الانبار عام 2019 والتي تركت في نفوس المشاركين فيها اثرا طيبا، من جهته ايضا كان المجمع الفقهي يسير بنفس المسار الذي تسير فيه دار العلم للإمام الخوئي في ترسيخ قيم التسامح ونبذ العنف ولعل من ابرز برامجه مبادرة الحوار بين القيادات الدينية العراقية والاشراف على تدريب نخبة من الخطباء الشباب لتعزيز مفهوم التعايش والحوار الوطني 2018، وهو البرنامج الذي توقف بسبب جائحة كورونا.
الجلسة وبالرغم من انها لم تأخذ الطابع الرسمي، ولم تحدد بمقاسات البروتوكولات ولا ضوابط البريستيج الا ان هذا لم يمنع من ان تكون بمستوى راقي من التنظيم وتبادل الآراء ومناقشتها حول موضوعات مهمة وحساسة، موضوعات تمثل جوهر الازمة الفكرية والثقافية والتي لم يكن لها ان تطرح او تلاقي صداها لدى الجانبين لولانجاح الجهة المضيفة في توفير اجواء المحبة والالفة الصادقة. والتي اسست لها منذ سنوات بخطوات وبرامج علمية وعلمية وزيارات متبادلة.
لقد كشف اللقاء عن اهمية التواصل بين اهل العلم في كلا المكونين ( الإسلام الشيعي والإسلام السني) ودوره في تصحيح الادراك المتبادل بينهما، خصوصا وانه يشكل احدى ابرز مقومات التعايش والانسجام الاجتماعي. وقد اكدت عليه العديد من النصوص القرآنية كما في قوله تعالى (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، فالتعارف خطوة اولى في طريق الانفتاح على الاخر والتعايش معه في اطار الوحدة الانسانية والوطنية.
ان التعارف هو منهج علمي وسلوك عملي يتطابق مع الدعوة الاولى للقران نحو القراءة اذ ان الدعوة الى القراءة تستبطن الدعوة الى التواصل الذي يقود الى المعرفة، المعرفة التي تشكل اساس التعارف بين الانسان ومحيطه الاجتماعي، وبداية التوجه نحو تشكيل الصورة الادراكية عن هذا المحيط وترسيخها فضلا عن تسويقها، ومن المهم جدا هنا الاشارة الى ان هذه المعرفة لابد ان تستند الى ادوات ومصادر معرفية سليمة وحقة، ومرجعيات علمية صحيحة ومعروفة وموثوقة في الاوساط العلمية، وليست معرفة تستند الى المرجعيات المجهولة او المشبوهة أو التي تكون جزءا من ادوات مشروع التضليل والانقسام والطائفية.
ان التواصل يمنح فرصة التعايش عن قرب، ومشاهدة الواقع على حقيقته وعدم الاكتفاء بالمسموعات التي ربما لا تخرج عن اطار الانفعال او التضخيم والتعميم التي يمارسها البعض مع المقاطع الجزئية للأحداث. أو الإعلام الممنهج القائم على ترسيخ مفهوم التقاطع والانقسام والاصطفاف المذهبي بين مكونات المجتمع العراقي.
كما ان التواصل والتعارف بين اهل العلم وقادة الراي يمكن ان يساهم في عملية التمييز والفصل بين الخطاب المعتدل والخطاب الطائفي، بين خطاب الوحدة وخطاب الانقسام والطائفية، لقد اسس القران الكريم جملة من القواعد الخطابية التي ينبغي التعامل معها على انها موازين لقياس الاعتدال في الخطاب الديني، كما في قوله تعالى (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وقوله تعالى ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) هذا النوع من الخطاب يقوم على الدعوة الى الانسجام والتعايش المشترك وتفعيل جانب المشتركات الدينية والابتعاد عن مواطن الخلاف واجتناب تضمينها في الخطاب العام.
ان عملية التمييز والفصل بين نوعي الخطاب تعد مفصلا مهما من مفاصل التصحيح في الموقف من الاخر المختلف فالخطاب المعتدل هو خطاب واعي ومدرك للمصالح العليا التي تقتضيها اسس التعامل مع الاخر المختلف سواء دينيا او مذهبيا او قوميا. وهذا هو الخطاب الذي تؤكد عليه المرجعية الدينية في النجف الاشرف وجميع العقلاء في الجانب الاخر.
ان الاختلاف هو احدى السنن الالهية التي اقرها الله سبحانه وتعالى في المجتمعات البشرية، والغاية ليس في ترسيخه وتحويله الى خلاف يقود الى التنافر والتحزب والتقاتل، بل الغاية هي تحويله الى عامل ايجابي تفاعلي منتج لمقومات التعايش والانسجام، فالتجربة التاريخية وخصوصا القرآنية تؤكد على فشل عمليات الاقصاء والالغاء للآخر المختلف.
ان الاختلاف العلمي هو اختلاف اجتهادي له اسبابه ومبرراته وهو لا ينحصر في خصوص الاختلاف الديني او المذهبي بل ان علماء المذهب الواحد يمكن ان يقع بينهم الاختلاف في الفتيا وهذا ما يقتضيه منطق الاجتهاد العلمي.
اما خطاب الكراهية والاقصاء والتمييز فهو خطاب تصعيدي يفتقد الى الحكمة، خطاب يتناول المسائل الخلافية بدعوى ابراز الحقائق واظهارها، متناسيا ان مناقشة هذه المسائل على الملأ يمكن ان تقود الى حالة من التشنج والفرقة والتي ربما تقود الى العنف والتطرف لدى بعض الشباب. ان هذا النوع من الخطاب هو ما استندت اليه الاجندة السياسية للعديد
من الاحزاب السياسية، وقامت على تغذيته وتفعيله من اجل الحصول على مكاسب ومغانم سياسية، بل ان هذا الخطاب تسبب في حصول حالة من العزوف الديني لدى الشباب، واصبح ناقما ومتمردا على الواقع السياسي العراقي ومعتقدا بان اقحام الدين هو السبب في الازمات التي يعاني منها البلد، هذا على المستوى الداخلي، واما على المستوى الاقليمي والدولي فقد تمكنت ــــ واعانها قصور الرؤية لدى البعض ـــــ من العمل عليها وتفعيلها بالمستوى الذي يخدم مصالحها.
ان تكرار هذه الزيارات، وتبادل الآراء والخبرات، يمكن ان يساهم في بلورة العديد من المشاريع العلمية والعمليه، والتي يمكن ان تساهم في ترميم الصدع الذي اصاب منظومتنا الاجتماعية، كما انه يساهم في افشال المخططات الاقليمية والدولية الساعية الى ترسيخ حالة الانقسام والتشظي الديني والمذهبي والقومي بين مكونات المجتمع العراقي. والاهم انه يساهم في اعادة الثقة الى ابناء المجتمع العراقي بمنظومته الدينية وانها لم تكن في يوم من الايام جزء من الازمة بمقدار ما انها جزء من منظومة الحل.