بعد أن أضحى موعد إجراء الانتخابات قاب يوم واحد أو أدنى، وبعد أن أزكمت دعايات المرشحين أنوف المواطنين، وخدشت أسطوانات أناشيد التعريف بهم آذان الناخب وغير الناخب على حد سواء، تتراءى لكثير منا صور اغلبها غير مكتملة الوضوح، بل هي سوداء قاتمة أشد حلكة من ليل امرئ القيس حين قال فيه:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ
بصبح وما الإصباح منك بأمثل
لاسيما وقد زعزع أغلب القائمين على مفاصل الحكم والتحكم، وعلى وجه الخصوص أعضاء المجلس الشريعي، الثقة التي منحها الناخب إياهم قبل بضع سنين. ومن المؤكد ان الخذلان الذي عانى منه الناخبون بسبب المرشحين في الانتخابات السابقة، ولد جرحا غائرا في نفوسهم، وهم الذين شدوا الرحال حينها الى مراكز الاقتراع، حاملين أرواحهم على أكفهم، مستبشرين بقادة يزيحون عنهم متاعب السنين الماضية، بما حوته من ظلم وغبن للحقوق، فوضعوا أملا كبيرا في استحداث حلول لمشاكلهم، وفتحوا صفحة جديدة لحياة ينالون فيها حقوقهم في بلدهم.
ومن التحضيرات لهذا الحدث زخم الحملات الاعلامية التي كرسها المرشحون لتعريف المواطن بهم، وهي قامت قبل نحو شهر على قدم وساق عرجاء، إذ المصداقية المنقوصة -بل المعدومة- عوقت كل مساعي التقريب بين الناخب والمرشح، فقد أصدر الأول حكمه بحق الأخير بما لا يقبل الطعن والتمييز، واكتسب الحكم عليه الدرجة القطعية، ولم يعد في قوس الناخب منزع يعول عليه في إقناعه بتبديل قراره.
المرشحون السبعة آلاف -تقريبا- لم يتركوا شاردة وواردة من المفردات المنمقة والعبارات البراقة إلا ذكروها او دونوها، في اللافتات او الـ (فلكسات) او المواقع الإلكترونية، فضلا عن القنوات الإذاعية والتلفزيونية، الأمر الذي ولد للمواطن شعورا يشوبه الحذر من مصداقية مايسمعه او يقرأه عن اولئك المرشحين. ومع أن مرارة التجارب السابقة مازالت عالقة في ذهن الناخب، إلا أنه مافتئ يحلم ان قدوم المرشحين هذه المرة وتسنمهم مناصبهم في قيادات البلد، ستكون مصحوبة بحلول سحرية وآنية، لما تراكم في البلد من مشاكل شملت كل ركن من أركانه، حتى طفح الكيل بالناخبين، ووصل الأمر بكثير منهم الى العزوف عن الذهاب الى صناديق الاقتراع، وهو أمر في غاية الخطورة، حيث يئس المواطن من قياداته التي أسرف البعض منهم -بل أغلبهم- في التمادي بالكذب على منتخبيهم، من خلال وعودهم المعسولة التي سرعان ماتكشفت عن رياء وزيف، أسفر عن اعتداد المواطن برأيه في عدم المشاركة في الانتخابات.
لاينكر ان كل شعوب العالم تمر بمثل هذه الاحباطات لاسيما في دول العالم الثالث، لكن مايحز في نفوس العراقيين ان كثيرا من المرشحين لهم من الأصول العائلية ما يغني عن السؤال عن مصداقيتهم، وعن سلامة نيتهم في طموحهم للوصول الى منصب قيادي في الدولة، كذلك هناك من المرشحين من له من الأصول الدينية مايرفع من شأنه بين باقي المرشحين، وحري به عكس الصورة الحقيقية لما يتمتع به من أصل عريق ينحدر من عائلة دينية محافظة، لاسيما العوائل التي تكن الولاء لآل البيت.
وبين هذا الناخب المملوء أملا، وذاك الناخب اليائس مما ستلده الانتخابات القادمة، يظل الجميع يتطلع الى مستقبل أقل مايتمنى فيه ان يكون أفضل من حاضرنا الذي نعيشه، وقطعا هذا يعتمد على حسن اختيار المرشح، والذي يعتمد بدوره على وحدات القياس التي يتبعها الناخب، ويقيس على ضوئها مرشحا يفي بالغرض السامي الذي أنشئت من أجله الانتخابات.
وكما يقال: (الخبر اليوم بفلوس باچر ببلاش) صندوق الاقتراع هو اختبار للناخب والمرشح على حد سواء، ذلك ان الإثنين من ابناء هذا البلد ونهوضهم من نهوضه، وخرابه يعود على الجميع بالويل والخراب، وبين الناخب والمرشح (يحلها حلال).