مقدماً، نتمنى النجاح لهذا المؤتمرالأول الذي يعقد في دارالسلام ، بغداد، لكن الأمنيات وحدها لاتصنع أماناً، ولاتمنح للحياة راحة البال، التي من أول مستلزماتها، أن لايشعر الكائن البشري بالخوف، أو الإضظهاد، أو مصادرة حريته تحت أي ظرف أو مسوغ.
وحتى تكتمل الصورة لمتطلبات هذا المؤتمر، لابد من أن نعطي تعريفاً جامعاً مانعاً لمعنى الإرهاب، ولا نختزله، بعدد من المنظمات الإرهابية، التي تمارس القتل هنا أو هناك، وبالتالي، تصبح “فزاعة” الإرهاب تلاحق الشعوب المتطلعة الى الحرية، مثلما توجه تهمة “أنت إرهابي” لكل مطالب بحق مسلوب، ولكل مظلوم يسعى لرفع الظلم عنه.
نفاجأ وسط التحضيرات لهذا المؤتمر، من بعض الساسة، ودعاة حقوق الإنسان ممن يمثلون وجهة النظر الحكومية، تصريحات فجة، تعبرعن عقلية النظام الشمولي الذي كان سائداً في العراق، عندما كان يضع كل معارضيه في خانة الخونة والأعداء، فيما يختصرون مهمة هذا الملتقى الدولي بدعم الحكومة في تصديها للإرهاب.
لانتمنى لهذا المؤتمر، أن يكون صوة مستنسخة، من مؤتمرات المصالحة الوطنية، التي ليس لها من فعل ملموس على أرض الواقع سوى في إستنزاف الأموال، كما لانتمنى أن يكون مجرد غطاءً شرعياً للحكومات لخوض المعارك الداخلية تحت مسوغات شتى، أحدها الإرهاب.
لاشك، أن هناك إرهاب أسود، تمثله القاعدة، وداعش، والميليشيات، والقوى الظلامية، والتكفيرية، وسواها، لكن هناك إرهاب آخر تمارسه الدول بأدواتها التقليدية، وغير التقليدية، وهو مانتمنى أن يلتفت إليه المؤتمر، إذ لاقيمة للحضور الدولي، بجميع أشكاله ومستوياته، مالم يطرح المؤتمرون، قضية إرهاب الدولة، وإرهاب الأفراد والمنظمات المسلحة، على حد سواء.
واذا أردنا أن نعطي زخماً محلياً ودولياً لهذاالمؤتمر، فلابد أولاًمن تحديد مفهوم الإرهاب، الذي يشمل الدولة والفرد، وحدوده “الإستخدام المنتظم للعنف لخلق مناخ عام من الخوف”، سواء كان ذلك بالمفخخات، والعبوات الناسفة، أو الكواتم، أو بحملات الإعتقالات، والإحتجاز التعسفي، ووسائل التعذيب، والإستنطاق، والإعدامات، وصولاً الى شن الحروب على المناطق والأحياء، وقصف السكان والمرافق المدنية بالمدافع والطائرات، وهي من إختصاص الدول، ومؤسساتها، بالتأكيد.
ويبدو أن فكرة الإرهاب تعتريها حالة من الإزدواجية، فالدولة بإمكانها أن تحرك جيوشها، متى شاءت، وترتكب أشنع الجرائم من دون أن تلاحقها تهمة الإرهاب، فيما يتهم شعب من الشعوب، بالإرهاب لمجرد أنه تظاهر سلمياً، أو طالب بحقوقه بصوت مسموع، أو دعا الى ممارسة حقه في التغيير على وفق القواعد الديمقراطية، أوضطر في آخر المطاف الى حمل السلاح للدفاع عن وجوده، لاغير، وهذا كله يقوّم، تبعاً لمبدأ المصالح والعلاقات الدولية، طبعاً.
ومظاهر العنف الحكومي، أو إرهاب الدولة، لايخفى على الناظر، خصوصاً بعد أن تحول العالم الى قرية صغيرة بفعل الإعلام، الذي لم يعد محصوراً بالكاميرا التلفزيونية، والمراسل الحربي، بل تعداهما، الى مواقع التواصل الإجتماعي، التي يصعب مصادرتها، أو فرض السيطرة عليها، لكن ليس هناك نظام سياسي يمارس القتل والقصف، من دون أن يرافق ذلك عملية يحسن إدارتها، وهي ما تعرف بخلط الأوراق، الى حد تصبح فيه أية تظاهرة أو إعتصام أو حتى ثورة شعبية ضد نظام قمعي، عملاً إرهابياً، ثم يطرح نفسه بعد ذلك ضحية لهذا الإرهاب، مبرراً بذلك كل الممارسات القمعية التي أرتكبها من قتل وتعذيب وتصفيات جسدية.
ومما تقدم نحتاج الى كشف كل ملفات حقوق الإنسان للدول المشاركة في هذا المؤتمر، من أجل أن نتأكد من سلامة موقفها من قضية الإرهاب، قبل أن تدلوا بدلوها ، وتشمر عن ساعد الجد لإعلان الحرب على المجهول، كما نحتاج أيضا الى أن نضع حداً فاصلاً بين الفعل الشعبي لكل معاني المعارضة السلمية، والإرهاب الذي يستهدف الأبرياء.
نعم، الإرهاب لايزال مجهولاً، فأدوات تعريفه محصورة بالدول، وأجهزتها الأمنية، والقمعية على حد سواء، والعنف الحكومي تصوغه عبارات الدعم والتأييد، فيما يبقى القتل وسيلة مباحة للنظم الديمقراطية، لعدو إفتراضي هو الإرهاب.
واذا كنا نراهن على الأحكام القضائية في تحديد مفهوم الإرهاب، فإن الإرهاب نفسه غير معرف قانونياً في جميع الأنظمة القضائية، وبالتالي يبدو أن مرحلة القمع السياسي مرتبطة اليوم بهذه التهمة، بعد أن أصبحت تهماً من نوع الخيانة العظمى، والتآمر على نظام الحكم، منتهية الصلاحية.
نعيد ونكرر أن هناك إرهاب دولي على مستوى الأفراد والجماعات، مثلما هناك، إرهاب دولي على مستوى الدول والحكومات، وعلى مؤتمر بغداد الأول أن يضع ذلك في حساباته، ولايكون مجرد منبراً لإلقاء الخطب.