11 أبريل، 2024 6:05 م
Search
Close this search box.

على شفا الحرب

Facebook
Twitter
LinkedIn

في مشاهدات قد لا يعيها الكثيرون من هذا الجيل. تلك سنوات السبعينات من القرن الماضي. ليس لنا الحق، عندما نتكلم عن هذه الحقبة، من الزمن، أن ندخل الحسابات السياسية الضيقة، أو المهاترات، من أي صنف، أو أي نوع، عندما نستذكر مرحلة، مهمة جداً، من تأريخ العراق المعاصر. كانت تلك السنوات العصر الذهبي للعراق بكل ما تحوية الكلمة من معنى. في اي مرفق من مرافق الحياة. وفِي أي منحى من مناحيها. كان العراق حقاً يعيش في بحبوحة. في الزراعة هناك إكتفاء ذاتي. وفِي الصناعة أيضاً. والاجور تسد إحتياجات العائلة تماماً، ويزيد منه لمن يريد أن يدخر، سواءاً للسياحة، أو لشيء آخر. لمن يريد بيتاً فإن القرض العقاري يوفر له ذلك. ساح الشباب والعوائل البلدان. ونمت الثروة عند الذين قد إستفادوا من القروض الميسرة من المصرف الصناعي. ومن المصرف التجاري. ومن المصرف الزراعي. وتناثرت حقول البيض، وحقول الدجاج، أرجاء البلد. واستوعب العراق من العمالة العربية الملايين. ولكي توفر الدولة جهازاً إدارياً لها أوجبت التعيين في دواوينها، ومن يرفض عليه دفع ما صرفت عليه من نفقات حكومية أثناء دراسته، في محاولة منها لوقف نزيف تسرب الموظفين، ورغبتهم في العمل الخاص، أو العمل في القطاع الخاص، الذي إزدهر. كان الدينار العراقي ثلاثة دولارات ويزيد شيئاً قليلاً. هكذا كان العراق موفراً بالسعادة. موفوراً بالأمن. وموفوراً بالأمان. أرضه مصانة. وحدوده محمية. وسماؤه مهابة. كان وطناً عزيزاً بأهله، وهم أعزاء به. وحتى المناكفات السياسية، لم تكن شديدة القسوة، رغم تخللها وجود أفراد قساة. زمن، حقاً، جدير بتسليط الضوء عليه. نقده بتجرد، ودونما تجريح، أو مواقف مسبقة.

سيق الموضوع لا لغرض سياسي، أو تحزبي. ولكن تم سوق تلك المرحلة القصيرة من تأريخ العراق. لكي نسلط ضوءاً كاشفاً. لما يصنعه الإستقرار، والسلم الأهلي. في أي بلد من بلدان المنطقة. من تقدم. ورفاهية. ونمو وتطور. وماذا تصنع فترات التوتر، والتهديد، والصراخ. وخلق الحجج، الواهية منها، وبتضخيم الحقيقية، إن وجدت. فعدم الإستقرار، والقلق، والخوف من المجهول، تؤدي جميعها، الى تحجر العقل من التفكير السليم. وتدفع بالنخب الى التخبط في إتخاذ القرار الملائم. وتدفع بالعقل الجمعي للمواطنين الى الشلل، والى التوقف عن أنتاج مستلزمات الحضارة، والرقي، والتقوقع في محيط تغلِّفه الشكوك بالمحيطين، والريبة من الآخرين. والبحث عن أي ذريعة لتقوية موقف متداعٍ، وتبني مشاريع الأوهام، وخلق الذرائع، والحجج. مهما كلّف ذلك من فقدان الأموال، وضياع الثروات. والسير نحو المجهول. التوترات، والتصعيد، ثم الحروب، سوف لا تنتج شيئاً، إلا دمار الشعوب، وتوقف العمران، وخراب البلدان، وتجربة العراق مع إيران، ومع غيرها، ماثلة للعيان.

العراق دخل دوامة الحروب بناءاً على معطيات كان يمكن تلافيها. وبتشجيع من الأخرين. المستفيدين. المنطقة الآن، تدخل ذات المنعطف، بإرادتها. وبتشجيع من الآخرين. المستفيدين. التسائل هنا؟ هل أي طرف من أطراف الصراع، يستطيع أن يصف لنا شكله وهو خارج منتصر في هذه المواجهة! هل يستطع أن يرسم مستقبله، وعلامة النصر يرفعها ليس عالية تماماً. هل أنه استطلع أرض المعركة أين تكون. ومن هم ضحاياها. وما هو مستقبل المنتصرين. ناهيك عن المهزومين. الذين هل سوف يقبلون بهزيمتهم. أم أنها، تبقى نارها، موجرة، تحرق نارها الأخضر واليابس على مر العصور. عندما يجرى التطرق الى مرتسمات هذه المواجهة، فإن العراق سوف لن ينجو منها، وهذا ما يهمنا على الأقل. ولكنه لن ينجو حتماً. والإستقطابات ستسحب كل طرف الى فئويته، قَبْل ذلك أم لم يقبل. وإن شكل الشرق الأوسط، عندما تضع الحرب أو ازارها، ليس أكثر بعداً عن شكل أوربا عشية إنتهاء الحرب العالمية الثانية. بل لعلها أشد من ذلك بكثير. خراب للعمران. ملايين القتلى. وملايين المعوقين. وأكثر منهم من الثكالى والأرامل والأيتام. أي صورة وضع العراق على شكل موسع، ومكبر. وسيتفرج العالم، من
نفس الزاوية التي يتفرجون فيها على العراق وسوريا وليبيا.

الدعوة لإعمال العقل، قبل فوات الأوان. وليس من المستغرب في علم السياسة أن يجتمع الخصوم. وأن تجرى التفاهمات، لطرح، ما هو لك، وما هو عليك. وليس صعب إيجاد الحلول. والإلتقاء عند المنتصف. لدرء الفتنة. فإن الحرب إن إندلعت. فهي حرب بين السعودية وإيران. فقط. وهذه الجموع حدود دعمها عند حافة إندلاع شرارتها الأولى. وليس هناك منتصر فيها. بل هناك فقط بقايا أطلال لمشاريع شبيهة بمشاريع العراق في السبعينات. ولن تبقى سوى الحسرة على ما فات. وعلى ذكرى عصر أفل. وكما نقلنا عن حسرة العراق على عصره الذهبي، بتجرد، ودون تجريح، أو مواقف مسبقة. فأنما هذه الرؤية، هي أيضاً بتجرد، ودون تجريح، أو موقف مسبق. وأنما هي دعوة لإعمال العقل. وهزة عنيفة من الأكتاف، لكي تصحى جميع الأطراف. لتجد طريقاً غير
هذا الذي نحن فيه. طريق ليس فيه تدمير البلدان والعمران.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب