(خير الناس من نفع الناس) من منا لم يسمع هذه العبارة؟ ومن منا يشكك في صدقها؟ أكاد أجزم أن كل بني آدم -الأسوياء حصرا- يبادرون الى أداء ماينفع من الأعمال، ونشره على من استطاعوا من معيتهم، فما أروع أن يعمل المرء من أجل خدمة الناس، والأكثر روعة حين يبادر الى هذا من يشغل منصب قائد جماعة، او رئيس قوم، كما هو الحال في رؤساء الكتل الذين استحدثوا مؤخرا تحالفات وائتلافات فيما بينهم، بغية فتح طريق يتسنى لهم من خلاله خدمة المواطن -كما يدعون- واستحداث سبل لوضعه في مكانة هي في حقيقة الأمر استحقاق له في بلده، وكان حريا بهم أن يكونوا سباقين في تحقيقه له خلال السنين التي مضت من عمر العراق الديمقراطي الفيدرالي.
ومعلوم ان القائمين بأمر المواطن والحاكمين بمصيره، انقسموا -قبل التحالفات- خلال تلك السنين الى فئتين؛ فمنهم من أتعب نفسه جادا وجاهدا في سبيل دفع عجلة العراق المتأخرة الى الأمام، ومنهم من سعى بكل جد وجهد الى وضع العراقيل أمام تلك العجلة، وتأخير سيرها لغاية (في نفس يعقوب). وفي الحالين لم ينفع عمل الأول، ولم ينجز شيئا مما كان يدعيه، وسواء أصادقا كان أم كاذباَ! فإن تحصيل حاصله لم يخدم المصلحة العامة.
أرى أن سؤالا يفرض طرحه علينا بعد تلك السنين والأحداث التي رافقتها؛ ما الجديد الذي سيأتي به رجالات الفئة الثانية بعد تحالفاتهم مع آخرين، إذا كان التأريخ قد سجل لهم في صفحاته مواقف لم تكن تخدم البلاد والعباد؟ فقبة البرلمان شاهد حي على كثير من البرلمانيين السلبيين، لما سببوه من تلكؤات في قراءة مشروع، او تأخير إقراره، او إرجاء التصويت على قوانين تخدم المواطن، أولها قانون الموازنة وليس آخرها قانون العفو، مرورا بقانون الانتخابات، ناهيك عن تفضيل مصالحهم الخاصة والفئوية والحزبية، وإعلائها على المصلحة العامة.
باستطلاع سريع -جدا- على مايدور من أخبار في هذا الجانب، يتضح للمتابع للوهلة الأولى، أن جميع الكتل والقوائم بأعضائها ورؤسائها، تروم خيرا للعراق والعراقيين، ولها من النيات أصفاها، ومن الغايات أنبلها، ومن المخططات أكثرها نفعا للبلاد، أما لو تمحص المتابع ما خلف كواليسهم، وما في دهاليز مجالسهم، لانقلبت الرؤية واختلف الرأي بهؤلاء.
إذ هناك من لغط القول -وما أكثره على لسان ساستنا- ما يملأ صحفا، ويشغل مساحة كبيرة في فضائياتنا ووسائل إعلامنا، استذكر غيضا من فيض ما سردوه على مسامع المواطن المسكين، مانصه:
– (إن ما شهدته الأيام الماضية من حراك سياسي واسع من قبلنا لجمع وجهات نظر الكتل وصل الى مراحل متقدمة).
فهل يعقل ان المراحل التي تأتي متأخرة أعواما عن موعدها يطلق عليها (متقدمة)؟ او التصريح الآخر:
– (يتساءل الكثير حول مساعينا في تشكيل تحالف عريض يضم عددا من الكتل المنسجمة، للخروج من بودقة التكتلات الضيقة الى تحالف شامل واسع).
وثالث يقول:
– (مبادرتنا تهدف الى تقليل الجبهات المتفاوضة لتشكيل الحكومة القادمة عبر جمع العناوين والبرامج والرؤى المتعددة تحت عنوان ورؤية واحدة).
ورابع:
– (لا نسعى من خلال هذا الحراك الى زعامة او منصب او مكان متقدم وان كان هذا مشروعا بل هدفنا انقاذ العراق من نفقه المظلم).
وكما يقال: (ياخبر.. اليوم بفلوس باچر ببلاش) في مقبل الأيام يتبين الصادق من الكاذب، والمخلص من المغرض، والجاد من المراوغ، والشريف من الـ.. ناقص!.