غالبا ما كنا نحذر من الذهاب الى مطعم كبة البغدادي الشهير وسط الكرادة، لتناول وجبة لذيذة من تلك الاكلة الشعبية ذات طريقة الإعداد التي تتميز بها بغداد، وكان التحذير يأتي من كونها تحمل نسبة عالية من الدهون والشحوم، ولكن مذاقها الرائع والأجواء البغدادية الخاصة لذلك المطعم الشعبي الشهير كانت تجبرنا على ارتياده لأكثر من مرة في الأسبوع.
فطور الجمعة كان مميزا، حيث يتجمع الأصدقاء والأحبة من الصباح الباكر، ونخرج سويا لنلتهم وجبتنا الدسمة مع عدد لا يحصى من قطع “الصمون” الحار، وغالبا ما كانت تنتهي جلستنا ب”أستكان جاي” مميز معطر بالهيل نحتسيه وقوفا امام المطعم.
لم يكن يجول في خاطري يوما ان تتحول هذة المتعة لأغلب اهل بغداد الى جحيم مروع، فيخطف انتحاري لم يتذوق يوما نكهة هذة اللحظات التي تحمل ارث البغداديين، وواحدة من متنفساتهم القليلة في العاصمة.
فكانت لحظة واحدة حولت كل تلك البسمة الى رماد اسود قاتم، في تلك اللحظة اختلطت الضحكات والسوالف البغدادية بأصوات أنين لأناس تحولو الى ضحايا، كانت تلك اللحظة المشؤمة كافية لكي تنثر كل شيء، أجساد ممزقة وصحون وكراسي وطاولات، وقطع من وجبات الطعام بعظها التهم، والاخر كان ينتظر زبون نهم اخر.
فيما لم نزل نبحث عن بائعة الشاي العراقي المهيل والتي لم يعد لجسدها وجود، ربما أبى ان يفارق تراب الكرادة البغدادي، فامتزج بما تبقى من ذلك الشاي ليستقر على ارض أحبت أبنائها فاحتضنتهم بقوة.
هكذا تصنع المأساة، وينحر البشر البسطاء، وتتحول سعادتهم الى حزن وألم، وها هي قسوة الإنسان تتجسد في أبشع صورها لتقتل بدماء باردة.
فبعد هدم روح الإنسان وقتله ودفنه، ها هو التراث والموروث وما تبقى من ارث وثقافة المدينة يذبح وبدم بارد.