19 ديسمبر، 2024 6:19 م

على العراق السلام – 6 / إبن الرومي وساسة آخر زمان

على العراق السلام – 6 / إبن الرومي وساسة آخر زمان

عوتبتُ من بعض الأعزة عن تأخري في الكتابة. ولي عذري. فقد أخرسني حالُ العراق . وما يحصل فيه من تدهور خطير في أمنه وتفجيرات دامية عمت به وتداعياتها وما نتجَ عنها.وسواء كان من كان من إستهدفَ الدم العراقي والأبرياء, وتحت أي مسمى ينضوي هذا القاتل, وتحت أي جناح يختبئ, وبأي عنوان يتعنون. فهو سفاحٌ قتل ويتّم ورمّل ودمّر وأزهق أرواحا تشتكيه لباريها.
والكل يعلم ولكن في الأعادة إفادة .إنّ أطرافا عدة مسؤولة عن هذا .فهذا يدعي المقاومة, وذاك الجهاد. وثالث يعمل لأجندة أجنبية ورابع يفجر ليضطرب الأمن فيسهل له الأمساك بالسلطة والتسلط. فالكل مسؤول عن أمن الناس. وخاصة الدولة بأركانها و بساستها المتشاركين في السلطة والغنيمة, والطامعين بها من خارجها.الكل مسؤولٌ ومتهم.وشعب العراق لسان حاله الشاعر الفيلسوف الذي تدرَّسُ أشعارَه في دول الغرب بإمعانٍ ودقةٍ, وهو أبو العباس علي بن العباس بن جريح الملقب بإبن الرومي. وهو شاعر كبير من العصر العباسي من طبقةِ بشار بن برد والمتنبي.بآخر كلمات قالها  في حياته.
 فقد توفي هذا الشاعر العظيم مسموما. ويقال إن الوزير العباسي أبا الحسين  القاسم بن عبد الله بن وهب وزير المعتمد كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه. فدسَّ عليه إبن فراش. فأطعمه حلوى مسمومة في مجلسه. فلمّا أكلها أحس بسريان السمّ في جسمه فقام لينصرف.فسأله الوزير: الى أين تذهب؟فقال الى الموضع الذي بعثتني إليه. فقال له الوزير:سلِّم لي على والدي.وكان والد الوزير قد تُوفيَّ عن قريب.فقال له إبن الرومي:ما طريقي الى النار.
هكذا تكلم إبن الرومي بلسان حال العراقيين اليوم. وهم يرون الكل يوغل في دمهم. ويدسون له السم الزعاف, فيقولون. نعم سيذهب كل من له يدٌ في دم العراقيين الى جهنم,مهما إدعى وبأي حجةٍ إحتج. وفي مقدمتهم المسؤول عن أمنه,والمقصر والمتسبب في خراب بلدهم.
نحن نمرّ بأيام وزمان كالذي مرّ بالبصرة بعد ثورة الزنج, والتي إدعى قائدها الأمامة.كما يدعي البعض اليوم الأسلام زورا .دمر الزنج البصرة وقتلوا وسلبوا وإغتصبوا وعاثوا في الأرض فسادا .وكان العراق يومها يمر بعصر مضطرب أشد الأضطراب سياسيا ووإجتماعيا وإقتصاديا وعقائديا كما هو الحال اليوم . فتأثر إبن الرومي لما أصاب الناس في البصرة من خراب بعد ثورة الزنج. وما حلّ بالناس من عذاب وإذلال وفقر. فقال فيها أجمل ما قيل في رثاء البلدان وهو رثاء لعراق اليوم وما يجري فيه على يد ساسة أذاقوه الذل والهوان وإسترخصوا دماء الضعفاء. فقال إبن الرومي في البصرة راثيا وكأنه يرثي العراق اليوم:
ذاد عن مقلتي لذيذ المنام شغلها عنه بالدموع السِّجام
أي نومٍ بعد ما حلّ بالبصرة من هِنات عظام؟
أي نوم بعد ما هتك الزنج جهارا محارم الأسلام؟
دخلوها كأنهم قِطع الليل إذ راح مدلهم الظلام
كم رضيع هناك قد فطموه بشا السيف قبل حين الفطام
كم فتاة مصونة قد سبوها بارز وجهها بعد لثام
ووجوه قد رملتها دماءٌ بأبي تلكمُ الوجوه الدوامي
عرجا صاحبيَّ بالبصرة الزهراء تعريج مدنفٍ ذي سقام
فسألاها ولا جواب لديها لسؤالٍ ومن لها بالكلام؟
إنفروا أيها الكرام خِفافا وثِقالا الى العبيد الطغام
إن قعدتم عن العين فأنتم شركاءالعين في الآثام
 لا تطيلوا المقام عن جنة الخُلد فأنتم في غير دار مقام
هكذا العراق اليوم وكأن ثورةَ زنجٍ إكتسحتهُ ودمرته وعاثت به فساداً, وما على الشرفاء فيه إلا أن يتحملوا المسؤولية,وينفروا خفافا وثقالاوخاصة ساسة آخر زمان ,ويضعوا النقاط على الحروف. فلا يزال باب الفضيلة مفتوحا وهو فيه الخلاص. فهوخير من نقرة السلمان. فبأي آلاء ربكما تكذبان؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات