تعد شبكة الطرق السريعة في العراق، التي شيد الكثير منها في ثمانينيات القرن الماضي، على وجع التحديد، من مشاريع البنى التحتية الحديثة والمتطورة على مستوى العالم، آنذاك، وكان لهذه المشاريع تأثيرها على النهوض بجوانب حياة المجتمع المختلفة وبالأخص الاقتصادية منها، كما كان لها دور فاعل في الجانب العسكري أيضاً يخص تأمين سرعة المناورة بالقطعات القتالية وتوفير خطوط الامدادات لها .
في نيسان من سنة الاحتلال ٢٠٠٣ وقبل دخول جيش الاحتلال إلى بغداد بأيام معدودة قطعت حركة المرور على الطريق السريع بغداد – الحلة نتيجة سقوط أحد أبراج نقل الطاقة الكهربائية بالجهد الفائق على إثر العمليات العسكرية قرب مسار هذا الطريق وما تبعه من تدلي أسلاك الخط الكهربائي، الذي كان يحمله البرج الساقط لتلامس أحدها مع الارض على الطريق مانعة مرور السيارات والشاحنات بأنواعها والتي كانت تشهد زحاماً بالسيارات، التي كانت تسلك هذا الطريق ذهاباً أم إياباً، مما أحدث إرباكاً مرورياً وما رافقه من فوضى كبيرة في المساحات القريبة من مدخل بغداد، وعلى وجه التحديد في منطقة الدورة.
حال تلقي المعلومات عن الحدث تحركت (كنت حينها الوزير المكلف بإدارة هيئة الكهرباء)، باتجاه موقع سقوط البرج وكان بصحبتي مجموعة من المعنيين يتقدمهم المهندس القدير عامر عزالدين، الذي يعدّ من الخبراء المعروفين في مجال تشييد وصيانة خطوط نقل الطاقة الكهربائية، ورافق تحركي استدعاء فرقة فنية خاصة لغرض معالجة الحالة بإزاحة الأسلاك المتدلية عن الطريق والتي كانت تعيق حركة المرور وانسيابها.
اضطراراً، أمرت بقطع هذه الأسلاك وسحبها إلى خارج مسار الطريق لإنهاء حالة الاختناقات الحاصلة، وفتح الطريق أمام حركة العجلات العسكرية تحديداً… نفذ هذا تأمر، خلال دقائق معدودة …
في طريق عودتي إلى مقر هيئة الكهرباء لاحظت ملامح عدم الارتياح ظاهرة على جبين مرافقي بالإشراف على هذه المهمة الطارئة المهندس عامر (خبير الخطوط)، وعرفت أن عدم ارتياحه سببه التجاوز على السياقات الفنية المتبعة في معالجة مثل هذه الحالات وذلك بتحرير الأسلاك من البرج الساقط أولاً ثم سحبها تالياً وبمن دون اللجوء الى قطعها (لو نفذ هذا الاجراء لكنا احتجنا الى وقت إضافي لمعالجة الأمر الذي تم حسمه في وقت استثنائي).
أوضح لي هذا الخبير أن ما تم تنفيذه بحق هذه الاسلاك المسكينة من عملية تقطيع لأوصالها سوف يؤثر سلبًا في عملية إصلاح الخط الكهربائي المتضرر حيث يتطلب هذا الاصلاح وقتاً أطول من المعتاد مع ضرورة توفير موصلات إضافية لإعادته سالماً .
هكذا كان مستوى المهنية والحرص الكبير في التعامل مع مكونات المنظومة الكهربائية في أشد الظروف صعوبة وتعقيداً والتي لم تستطع تبعاتها الساخنة من حرف العاملين عن تصوراتهم السليمة، الآنية والمستقبلية، حتى في خضم الحالات الطارئة.