23 ديسمبر، 2024 6:06 ص

على الطريقة الفنلندية 

على الطريقة الفنلندية 

لفت انتباهي تصريحات لمسؤولين فنلنديين بضرورة إحداث ثورة بالنظام التعليمي وتغيير المناهج الموجودة التي عفا عليها الزمان وما عادت تواكب العصر, بينما تعد فنلندا من دول الصف الأول في مجال التعليم والتربية على المستوى العالمي, فمرتكزات نظامها يقوم على فلسفة تهيئة كل أسباب الراحة النفسية للطالب في المدرسة، كونها المكان الذي يقضي فيه معظم وقته , فضلا عن البقاء بمدرسة واحدة حتى الـ 13 من العمر، لتجنيبه المرور بفترة انتقالية , فيما يمضي الطفل أعوام الروضة بنظام خاص يعتمد على اللعب من دون تعليم مباشر، لاكتساب المعرفة بشكل أفضل ,  كما يشترط على المعلم الحصول على درجة الماجستير ليكون مؤهلا للتدريس , والجميل أن المعلم له حق اختيار الدروس وطريقة التدريس بحسب رغبته , كما أنه ليست هناك أي امتحانات خلال الأعوام الـ 9 الأولى، لمنع الممايزة بينهم وزيادة ثقة الطلاب بقدراتهم وأنفسهم إلى جانب تخصيص أوقات للغذاء والرياضة وفترات للاسترخاء وحدائق للترفية والعجيب أنه لا يوجد لديهم شي اسمه واجب بيتي أو منزلي, نظام يجعل من الطالب يتقن ثلاث لغات وهو لم يبلغ الـ 15 من عمره, هذه الأساليب جعلت نسبة الفنلنديين المتخرجين في المدارس العليا تصل إلى 93%  ,متخطيه الولايات المتحدة الأميركية .
      إن التطور والتقدم التكنولوجي والتقني فضلا عن الإنساني وما نشاهد من مبادئ ورفاه واستقرار وزيادة نمو القدرات البشرية والاجتماعية والاقتصادية بالمجتمعات الغربية ما هو إلا نتاج ذلك الجهد التعليمي .      والمثير للاستغراب إن تقف دولة كالعراق في آخر الطابور مع ما تملكه من إمكانية بشرية وثروات طبيعية  ! وذلك لان حكومته غارقة في سبات الجهل والفساد  وعجزها عن تطوير أبنائها وأجيالها , فعلى الرغم من الميزانيات المالية الانفجارية , ما زالت كثير من المدارس جدارها طين وسقفها قصب وبلا أبواب , وصفوفها باتت لا تستوعب طلبتها , ومدرسوها ومديروها يفتقدون فنون التواصل والتدريس ولا يدركون أبسط مقومات الإدارة الناجعة , فضلا عن المناهج التي تمتاز بحشو الكلام الذي يدخل من الأذن ليخرج من الأخرى معتمدا على الحفظ والتلقين بلا أية زيادة في المهارات مع غياب التقنيات الحديثة وانعدام التخطيط والشعور بالمسؤولية في بناء جيل متعلم متنور .
     إن سوء الأنظمة الحاكمة بلا شك هو السبب الرئيس وراء تردي الواقع التعليمي , لتقصيره برعايته وتعمد إهماله على الرغم من أهميته نتيجة اعتمادها المحسوبية والمنسوبية وتحكُّم الولاءات وتسخير العلم لمصالحها الشخصية  , كما أن العامل الاقتصادي أدى دورا مؤثرا لتصدع البيئة العلمية , فألاساتذة والطلاب تغيرت بَوصلة تفكيرهم من إعطاء العلم وتحصيله إلى تحسين المستوى المعيشي والبحث عن وظيفة يقضي بها باقي حياته إذا كانت له حياة , لسد الحاجة ومتطلبات الحــــياة التــــــي لا تنتهي . إن وصولنا إلى مستوى تلك الدولة الاسكندنافية في هذا المجال قد يحتاج إلى عقود من الزمن فالأمل موجود والأمر ليس بمستحيل ، ولكن بشرط أن نضع أيدينا على العلة والنهوض بواقع التعليم لخلق مستقبل أفضل لأبناء هذا البلاد عبر رسم سياسة تعليمية تربوية والقيام بثورة بركانية في المناهج التدريسية واكتساب المهارات , وتطوير الأداء الإداري لكافة المستويات من الوزير إلى المدير والقضاء على البيروقراطية والروتين وكسر الحواجز النفسية بين أفراد الأسرة التعليمية , والإفادة من طريقة الدول الأخرى في فنون التدريس والتعليم بتدريب المدرسين وتنظيم المدارس وتكريس القيم التربوية لأن السيادة على مر العصور لقوة العلم والمعرفة وليس للسلاح كما يتوهم الغافلون .