22 نوفمبر، 2024 1:42 م
Search
Close this search box.

على الاشوريين البحث عن اصدقاء

على الاشوريين البحث عن اصدقاء

دخلت داعش العراق, غزت مساحات شاسعة منه, احتلت مدن كبيرة فيه. قتلت الرجال سبت النساء والاطفال, ذبحت الجنود ومثلت بهم قبل وبعد الموت. خربت المعالم  الفنية والحضارية لشعوب وفئات مختلفة من العراقيين. فجرت المعالم الدينية القديمة (مسيحية ـ اسلامية ـ ايزيدية).
ولكن ما هي الداعش, من صنعها, من دفع بها الى هذه الارض الحضارية المباركة. هذه الاسئلة وغيرها الكثير التي  ربما تصعب الاجابة على معظمها الان. اذاً فلندع الاجابة للزمن, فهو كفيل بكشف كل غامض وكل عويص!
بعد هذه الواقعة الثقيلة على العراق والمنطقة، تحركت ما درجنا نحن ابناء هذا الجيل الى تسميتها بالقوى العظمى واستنفروا الارض بإسها واساسها مدعين مناصرة المسيحيين (الذميين) والايزيدة (الكفار) لانهم بشراً قبل ذميتهم وكفرهم (المزعومين). وان قوانين وشرعات حقوق الانسان تشملهم ايضاً…! جميل ! قالوا سنمنع تفجير الكنائس والجوامع والمزارات الايزيدية، وسنحافظ على كافة المعالم الحضارية في بلد الحضارة ـ العراق ـ جميل جداً..! وسوف نقتص من دواعش الشرق الاوسط. ونعيد كل المهجرين الى ديارهم مكرمين مع التعويض المعنوي والمادي…..الخ. لان المسيحيين والايزيديين خطاً أحمراً…
لكن ما ان انقضت الاسابيع الثلاثة الاولى على تلك الجرائم بحق المكونات الضعيفة في العراق, وتبلور هيكل التحالف الكوني ضد داعش, وارتسمت الخطوط العريضة للحكومة المنتخبة في بغداد، حتى تغير اسلوب العزف على اوتار حماية حقوق الانسان. وصارت طبول الحرب تقرع باصوات غريبة عن دماء الايزيدية والاشوريين المسيحيين. واصبح التكلم عن سبي النساء وبيع العذارى او مجرد ذكره من المعيبات. وتحولت حسرات المسنين المضطهدين من القوميتين (الاشورية والايزيدية) الى مجرد هوس وضرب من ارهاصات الشيخوخة…!! وبالمقابل طافت على السطح مسائل دولية كبيرة, وكثرت اللقاءات والاجتماعات، وابرام الصفقات، وتبادل الخبرات، ونقل المعلومات، وتمويل القوات ـ انما الحروب طاولات قمار ـ كل ذلك في الشرق الاوسط القديم الذي (صنعه الحلفاء بعد الحرب العالمية الاولى). وكأنهم يريدون صناعة مسوخ جديدة لما صنعوه قبل مائة عام من تركيا وسوريا والعراق والاردن….الخ.
اما على الجانب الآخر أو ما يطلق عليه حماية الانسان المستضعف (فرداً او جماعة)، وحقه في العيش والاحتفاظ بدينه وحضارته, فقد خصصت بضعة عانات (جمع عانة) من بغداد ووزع غيرها خيم وعلب من المأكولات, على مئات الالاف من الاشوريين والايزيدية التائهين في الصحارى والغابات, ناصبين الخيم لتحرقهم حراً في صيف العراق وتجمدهم برداً في شتائه. من هنا اذن يحق للمرء ان يسأل: اين اصبح حق تقرير المصير لكل مجموعة (قومية أو فئوية) ذات خصوصية حضارية؟ واين حق الطفل في التعلم والعيش السعيد وأين حقوق المرأة ،واين واين…؟
يبدو لي، بأن ما يجري اليوم في العراق بحق جميع مكوناته التي في السلطة والتي خارجها، وتحديداً الاشوريون المسيحيون والايزيدية, هو ذاته ما جرى قبل واثناء الحرب العالمية الاولى أو انه نسخة معدلة منه. فالعرب والكرد في العراق مع كونهم في السلطة بل هم السلطة ذاتها، باتوا لا يستطيعون حماية الدولة العراقية! بمعنى لا يستطيعون حماية سلطتهم، فكيف لهم ان يقوموا بحماية من هو مختلف عن البقية في الدين والقومية والتراث والحضارة. هذا من جهة, ومن جهة أخرى فأن الاشوريين المسيحيين والايزيدية وبقية الاقليات العراقية، وحتى الكرد انفسهم (قبل 2003) لم يحصلوا جميعاً على الحماية اللازمة وحقوق المواطنة الكاملة منذ تأسيس دولة العراق المعاصر، ومن ثم دخوله عصبة الامم في 1932. رغم التعهد الذي وقّع عليه انذاك والخاص بوجوب رعاية وحماية وصون الحقوق الكاملة لكل مكون من مكونات الشعب العراقي والاقليات القومية  والدينية منه خاصة. هكذا فان ذلك التعهد امام عصبة الامم سرعان ما حوله حكام بغداد في صيف عام 1933 الى مجرد حبراً على ورق عندما ذبحوا الاشوريين في نكبة سميل. واثبتوا للعالم ومعهم حليفتهم بريطانيا بان التعهد المشؤوم جاء:
1ـ  لتمرير عملية قبول العراق عضواً في المجتمع الدولي.
2ـ  نزولاً عند رغبة بريطانيا في انهاء الانتداب على العراق تحقيقاً لمصالحها.
من هذا وغيره يظهر جلياً بأن الايزيدية والاشوريين هم ضحية الصفقات الدولية الكبيرة منذ عام 1932 ولغاية الساعة.
اذ تبين اليوم وبكل وضوح بأن من دأب على اتهام الاشوريين واحياناً الايزيدية من السياسيين وحتى الاكاديميين العراقيين بالعمالة للاجنبي وخدمة بريطانيا من خلال جيش الليفي العراقي, “هؤلاء الاشوريون الشجعان يرغبون في تقديم ولائهم للعراق وفقاً لبعض الشروط ويؤلفون جماعة عظيمة القيمة على حدود العراق” {د. فاضل حسين، مشكلة الموصل، 1977، ص 125}  كيف صاروا هم انفسهم يركضون وراء الدول المتحالفة لمحاربة (داعش) ويطلبون العون المعلن والمخفي. ويقدمون الخدمة والتنازلات والعهود المريبة لقاء مساندتهم في النجاة من داعش. كان حرام على الاشوريين وقبل ان يكون العراق اصلاً، ان يخدموا في الليفي من اجل البقاء. واليوم بات طبيعياً  وحلالاً على متهميهم أن يسلّموا سماء وقرار العراق لامريكا وأعوانها وهم سعداء.
إزاء هذه الحالة المرتبكة: فعلى كل آشوري مسيحي (بكل مذاهبهم) وعلى كل ايزيدي بكل انتماءاتهم السياسية والولائية، عليهم ان يسألوا ما العمل؟ مادام العراق غير قادر على حمايتهم أو غير راغب في ذلك. ومادام المجتمع الدولي الغربي وعصبته في السابق وهيئته الاممية غير منصفين وغير صادقين مع الجميع في مختلف القضايا. وماداموا غير مبالين الا لمصالحهم وصفقاتهم!! ولو كان الامر بخلاف ذلك لكان راعي الامم المتحدة السيد بان كي مون الذي حشرته اسرائيل في الانفاق السرية الفلسطينية بينها وبين غزة، لكي يشاهد بأم عينه ويقرر! لكان تجشم العناء وارسل ممثلاً له حتى من الدرجة العاشرة ليشاهد وضع الاشوريين والايزيديين، كيف يواجهون المطر والبرد وهم تحت خيم فضفاضة وخرق من القماش، في محافظة دهوك!
   اذن ايها الايزيديون والاشوريون في العراق وما جاوره، بان العمل  والامل هو: ان تبحثوا لكم عن اصدقاء جدد بين شعوب الارض ودولها, وليس من الضروري ان تكون تلك الدول من العيار الثقيل وذات الصفات والامتيازات التي منحتها لنفسها في مجلس الامن، بعد الحرب العالمية الثانية. بل ان تكون صادقة في مواقفها مع الاشوري والايزيدي المقهور في وطنه. وان تمدّ يد العون لمساندته دون مقابل ودون جعل المتلقي تابعاً مرتزقاً تحركه ذات اليمين وذات الشمال حيثما تشاء. وأن تسعى وبصدق الى تشكيل قوة آشورية مسلحة تتصف بالمهنية بعيدة عن التحزب والتمذهب الكنسي، تلك القوة التي سوف تعكس حتماً الموقف الوطني الحقيقي للاشوريين من خلال مشاركتها الفعالة في تحرير نينوى (الموصل) من قوى الظلام. لان تحرير نينوى واجب مقدس على كل آشوري غيور. كما ان تحريرها يجب أن يكون بداية الطريق نحو اقامة ادارة ذاتية في اقليم (آشوري ـ ايزيدي) على ارض الاجداد في عراق فيدرالي موحد.

أحدث المقالات