اصبح السوأل الذي يؤرق العراقيين واصدقائهم في العالم هو: الى متى سيبقى الوضع العراقي عمّا هو عليه من دمار وانحدار على مختلف الصعد، في ظل غياب مقومات الدولة الحقيقية ، وغياب رؤية استراتيجية واضحة ورصينة للاصلاح ؟إن الاجابة على هذا السوأل صعبة جدا ولكنها ليست مستحيلة، ويقتضي البحث ابتداءا معرفة ماهو التغيير الذي ينشده العراقيون لعراق الغد؟ وماهي الصعوبات والعراقيل الذي تكتنف هذا التغيير؟ وأخيرا، ماهي الحلول التي من خلالها يمكن تحقيق ذلك التغيير المنشود؟وإذا ماتوجهنا بهذا السؤال الى شريحة كبيرة من العراقيين، سنجد ان اجابتهم مبتسرة وقاصرة على مسائل اساسية وفرعية أو حتى كمالية، الا انه يلاحظ عليها غياب الرؤية المتوازنة والدقيقة، كما يغيب فيها عنصر الألتزام، فالكل (مسؤولين او افراد الشعب) يريد، ولكن لا احد يفكر في التزاماته. ويمكن تصنيف هذه التطلعات والاماني الشعبية الى عدة مسائل، اهمها:-1. الامن والخدمات الاساسية الاخرىفالامر الاساسي الذي افتقده العراقيون بعد تغيير النظام في عام 2003، هو انعدام الامن نتيجة تحويل العراق الى ساحة مواجهة للارهاب وظهور ظاهرة التفجيرات والاغتيالات والخطف والتهجير بعد انتشار الميليشيات والعصابات المسلحة. الى جانب غياب الامن، يشهد العراق انعدام الخدمات في جميع المجالات، وفي مقدمتها تدهور خدمة الكهرباء، وتعثر توفير الماء الصحي، وضعف المستوى الصحي والمتمثل في تدهور اداء المستشفيات وشحة الادوية وارتفاع تكاليف العلاج وهجرة الكفاءات الطبية. كما شهد قطاع التعليم انحدارا شديدا في مستوى التعليم ومجانيته وقلة انشاء المدارس . كما ضعفت الخمات الادارية في مجال تبليط الشوارع، والمتنزهات العامة وادامة الجسور والسدود وغيرها. واضافة الى كل ذلك، فقد ظهر مؤخرا مؤشرا أخر اكثر خطورة هو عدم قدرة الدولة على اداء مرتبات الموظفين بشكل سلس. 2. التمتع بالحرية الشخصيةان اخضاع الشعب لسلطة الكهنوت ورجال الدين بعد تولي الاسلام السياسي السلطة في العراق بعد عام 2003 قاد الى غياب الحرية الشخصية بعد ان قمعت بالاستبداد في ظل النظام السابق، نجد انها غيبت بشكل قسري في ظل الاحزاب الاسلامية وبشكل ابشع. وظهرت ممارسات غريبة ومنفرة وسادت فلسفات حمقاء كانت السبب في تفاقم حالات الضيق والقلق ودفعت الى الهروب من هذا الواقع والهجرة الى الخارج. والواقع، إن معظم حالات الهجرة الى الخارج كانت تستند على مفهوم الحرية الشخصية التي توفرها الدول الغربية لمواطنيها. ولايقصد هنا بالحرية الشخصية التجاوز على حريات الناس وسلب حقوقهم، بل ان القصد منها هو حرية الشخص في الرأي والتفكير والمعتقد والتعبير عن ذلك وصولا الى الحريات البسيطة الاخرى في المأكل والمشرب والملبس. والغريب في هذا المجال هو ان الكل تتبجح بها وتضيق عليها في ذات الوقت، في حالة غريبة يطلق عليها شيزوفرينيا الاسلام السياسي، حيث ترى رجل الدين ياضر في حرية الملبس وينتقد لبس الشباب للجينز، ويحاضر في حرية المشرب وينتقد في ذات الوقت شرب الكحول، وغاب عنه ان تقييد الحريات لا يجري الا وفقا للقانون، ومادام القانون لم يمنع ذلك فيعتبر امرا مباحا ، فلايشترط ان يتطابق القانون مع الدين.ويمكن القول- بكل جرأة- بهذا الصدد، ان الاسلام السياسي قد قام اساسا على سلب الحريات الشخصية واكراه الناس على نمط من التصرفات في المعتقد والتفكير والرأي والتعبير والممارسات الاخرى، بعد ان صنف الناس الى صنفين لا ثالث لهما وهم مؤمنين أوكفار. ومن يخرج عن قواعد الدين الصارمة فهو كافر مستوجب للعقاب الارضي والالهي، وتناسوا ان القاعدة الرئيسية في الدين هي عدم الاكراه ، وان العقاب الالهي يوم على التصرفات الحرة المختارة وهي من اختصاص الخالق.وفي ظل اعتماد القوة والعنف اسلوبا اجتماعيا سائدا في المجتمع ، فان الفئات الضعيفة كالنساء والاطفال والشيوخ والمعاقين يكونون الاكثر اضطهادا في هذا المجال، فاد ارغام الناس على لباس معين كالحجاب، وعومل الاطفال بقسوة واهمل المعاقين وما الى ذلك. وسادت مفاهيم اجتماعية صارمة في الشرف اقتصرت على الممارسات الجنسية فقط وحرمت الاختلاط بين الجنسين، وتسامحت في مسائل قانونية كالسرقة والقتل والزنا باعتبارها مسائل لاتخل بالشرف. وهكذا ماجعل من فئة النساء والشباب الدافع والمحرك الرئيسي للهجرة بدوافع بسيطة قاصرة على ارتداء البنطلون للمرأة وعدم الاكراه على لبس الحجاب وصولا الى حرية الشخص في الممارسات الدينية. والغريب في الامر، ان المرأة التي تحث زوجها عل الهجرة تخلصا من فرض لبس الحجاب واتباع قواعد الدين ، سرعان ما تقوم بلك عن قناعة تامة في الموطن الجديد حيث الحرية . وباختصار شديد (فالحرية قدر محبب)، وهو اختيار الانسان في الحياة وشرط اساسي للثواب والعقاب في العالم الاخر، ويشكل غياب هذه الارادة والحرية مانعا من موانع المسؤولية ، فلا يمكن معاقبة شخص على فعل قام به مرغما، او ان ارادته كانت قاصرة كالطفل او الواقع تحت تأثير السكر او التخدير. وهذا المسائل يفصلها القانون بشكل ادق واعمق. وهذا العنصر الجوهري قد غاب عن الفهم عند قيام الاسلام السياسي بعد قيام الدولة الاسلامية، كما غاب عن المسيحية عند سيطرتها على الدولة، وما ادل على ذلك من محاكم التفتيش السييئة الصيت.3. التمتع بالحقوقإن حصول كل انسان على حقوقه كاملة هي امنية طالما تطلع اليها الانسان منذ بداية تشكيل وعيه. ومازالت هذه المسألة مثار جدل وصراع مستمر حتى في المجتمعات المتقدمة، وتلعب منظمات المجتمع المدني دورا كبيرا في الدفاع عنها.ويعاني العراقيون منذ تأسيس الدولة العراقية ، وحتى قبل قيام الدولة ، عندما كانوا جزءا من المجتمع العربي فالاسلامي ، من انتهاك لحقوقهم المختلفة ولعهود طويلة ، مما قاد الى تراكم طبقات من المظالم بما يكشف حجم الانتهاكات الكبير وصعوبة حسمها في كثير من الاحيان . ومع ذلك، فان الدولة العراقية لم تتمكن ان تضمن حقوق المواطن بشكل عام، وان كانت تلك الحقوق مقررة ومنصوص عليها في الدستور والقوانين العراقية، مثل حق التوظيف وحق السكن وحق انشاء اسرة وغير ذلك،لابل ان الكومة ومؤسساتها ظلت بشكل عام متجاهلة لحقوق مواطنيها وغير مستعدة للدفاع عنهم في الخارج، كما ان المواطن ضعف ارتباطه بالدولة في ظل الحكومات المتعاقبة مقابل تجاهل الحكومة لمواطنيها، الامر الذي قاد الى ظهور حالة ( دولة بلا مواطنين …. ومواطنون بلا حكومة ) .4. وجود مؤسسات ادارية كفوءة ان وجود مؤسسات ادارية كفوءة وقادرة على القيام بأعباء تجاه الشعب هو سمة الدولة العصرية. ونظرا لاحلال ادارة غير كفوءة بعد تغيير الادارات منذ عام 2003 ، فقد ساد الضعف في هذه المؤسسات مما ادى الى تفاقم تأخير معاملات المواطنين وانتشار الفسادوالرشوة والمحسوبية في كافة مفاصل الادارة ، حتى غدا الفساد كالسرطان الذي ينخر جسم الدولة شيئا فشيئا، وبدا المواطن يتذمر من الروتين والتأخير والرشوة في معاملاته الادارية لدى مديريات الجنسية واجازات السوق والجوازات والتقاعد وغيرها، وهو امر كان يعاني منه المواطن العراقي دوما نتيجة اعتماد اساليب الادارة المتخلفة والتي زادت تخلفا بعد ذلك، وهذه الحالات تم القضاء عليها في معظم دول العالم بعد انتشار مفهوم الحكومة الالكترونية.5. سيادة القانونتقول القاعدة الرومانية (ما من مجتمع الا وله قانون ينظمه)، لذا فان مايميز المجتمعات هو وجود القانون وتطبيقه. وهذا القانون يشكل ضمانة اي مجتمع استنادا لتطبيق مبدأ العقوبة على المخالفين لاحكامه، حماية للمجتمع وصيانة له من اي تهديد داخلي، وهو واجب يقع على عاتق المؤسسسات والافراد الالتزام بالقانون، لتوفير العدل وخلق حالة الثقة العامة في المجتمع، لا بل ان تحطيم اي مجتمع يبدأ من الغاء دور القانون فتسود بذلك شريعة الغاب. وهذا ما جرى اعتماده بعد تغيير النظام بشكل مقصود ومتعمد فضعف دور القضاء وغابت سيادة القانون، واصبحت سطوة المجرمين اقوى في المجتمع.إزاء هذا التشخيص العام لمتطلبات الشعب العراقي، يتفق الجميع ان تحقيقها ليس بالامر اليسير او الهين، وفي ذات الوقت ليس بألامر المستحيل، والدليل ان العديد من الشعوب والدول قد حققت هذه المتطلبات وانقلت من الدول المتخلفة الى مصاف الدول المتقدمة ، وهذا هو اختيار شعوبها وقادتها. ومع الاقرار بأن ذلك يتطلب جهدا كبيرا ووقتا طويلا ومالا وفيرا لانجازها. وهذا ماعبّر عنه الجميع بانه ليس هناك من عصا سحرية لحل كل تلك المشاكل بين ليلة وضحاها، والمسألة هنا اشبه بالعمل المتراكم الذي مهما بدا صعبا فأن من الضروري البدء فيه والسير حثيثا لانجازه. فاذن لابد من بداية.ويثور التساؤل هنا عن كيفية الشروع في تلك البداية في ظل الاوضاع الصعبة والمعقدة في العراق؟وهنا يكمن الجانب العملي للموضوع، فمن المؤكد ان حكام عراق اليوم غير قادرون على تحقيق ذلك اولا، وغير راغبون في ثانيا، وذلك لارتباطهم بجهات خارجية وداخلية تعيق حركتهم نحو اي اصلاح وتملىء عليهم شروطها لان القبول بالخطوة الاولى للاصلاح يعني بداية النهاية لعهدهم وإيذانا بزوال وجودهم.
– حركة الاحتجاجات الشعبيةواستكمالا للبحث فان الامر يتطلب القاء الضوء على الاحتجاجات التي عمت معظم مدن العراق, والتي يمكن تقسيمها الى ثلاث مجموعات اختلفت في الظهور واتفقت في محاربة الفساد. وهي:-
أ – حركة الاحتجاجات المدنيةلقد اثبتت حركة الاحتجاجات الشعبية في العراق والتي قادتها مجموعة من الناشطين المدنيين ومنذ مايقرب من خمس سنوات من انطلاقتها وتحديدا في شباط 2011 انها غير قادرة على دفع الحكومة تجاه الاصلاح ناهيك عن التغيير الذي لم يتبلور في ذهنهم بشكل واضح. فحكام اليوم لايقومون بأي خطوة نحو الاصلاح الاّ مرغمين وعلى قدر ذلك الارغام وبالشكل الذي لايكون فاعلا ولا يصب في مصلحة الشعب ، مثل تغيير امين بغداد، او تغيير وزير الصحة او حتى تغيير رئيس الوزراء. وهذا مايدل على ان المشكلة تكمن في جوهر النظام بشكل عام.وقد قمعت تلك الاحتجاجات بشتى الطرق معتمدين في ذلك على الخبرة الايرانية في هذا المجال. لذا فقد بدت الاحتجاجات غير فاعلة وضعفت شيئا فشيئا، لكنها ظلت مثل الجمر تحت الرماد انتظار من يشعل الشرارة الاولى للثورة. وقد عانت تلك الحركة من نقاط ضعف يمكن ايجاز اهمها بمايلي:1. عدم وجود قيادة موحدة للحركة.2. عدم وجود فلسفة ومنهاج لها.3. ضعف الامكانيات المادية لها.4. طغيان المصلحة الخاصة على معظم قادة الحركة.5. ضعف البعد الدولي للحركة.6. عدم تحصين قادة الحركة أمنيا وعقائديا.7. بطء الحركة وتعثر مسيرتها قياسا الى اجراءات الحكومة .كل هذه العوامل أدت الى سهولة احتواءها وتحجيمها واضعاف تأثيرها. وتعاني احتجاجات ساحة التحرير في العراق من هذه الصعوبات، وهذا ما قاد الى انقسام حركة الاحتجاجات الى مجموعات صغيرة عديدة لايربطها رابط ثوري. اما الايام الاولى لللاحتجاجات والتي شهدت تجمع عشرات الالوف من المواطنين فيعود الى توافر الرابط العقائدي الثوري لدى عموم الشعب، وبمجرد غياب الرابط تفرق الجميع واصبح قادة التنظيم دون غطاء في مواجهة السلطة. وتضم كل مجموعة عدد قليل من الافراد الذين تجمعهم صلات معينة، لذا فان تأثيرها كان ضعيفا واستطاعت السلطة تحجيم دورها والقضاء على بعض قادتها. وهنا ظهرت مجموعة الحزب الشيوعي العراقي الاكثر تنظيما بحكم خبرتها الطويلة واستطاعت ان تتسيد الموقف لفترة معينة رغم انها شريك في السلطة منذ البداية، الا ان كل هذه الخبرة لم تمنعها من الوقوع في شباك الاسلام السياسي الذي يستند الى الدين والمقدس والله. وبالفعل فقد استطاع احد تيارات الاسلام السياسي والمشارك فيما يسمى تضليلا بالعملية السياسية من ان يتقدم الى الامام ويقف في واجهة حركة الاحتجاجات ويتسيد الموقف بفضل شعبيته والتزام انصاره. ولقد طرح الاعتصام المفتوح والمستمر كاحد الحلول لتطوير حركة الاحتجاجات، لحين تحقيق مطالبها او اجراء التغيير . وكان لهذا الخيار -فيما لو اتبع- ان يؤدي الى ظهور طبقة سياسية جديدة تتولى مهمة التغيير الشامل في العراق، وانذاك سنكون امام ثورة. الا ان تسارع الاحداث جعل من الاعتصام امر غير ذي جدوى بعد الان. فالامور قد وصلت الى نقطة النهاية .
ب – حركة السيد مقتدى الصدرالسيد مقتدى الصدر سليل عائلة عراقية معروفة بالتدين الاسلامي وفقا للمذهب الشيعي. وقد عرف عن والده مقارعته للنظام السابق وتحمله تضحيات كثيرة بسبب ذلك.وقد اختلف العراقيون في مقتدى الصدر، فانقسموا فريقان لا ثالث لهما، فريق مجده ورفعه مراتب عظيمة، وفريق حطّ من قيمته وطعن في شخصيته وانزله كثيرا. الا انه يجب ان تفهم شخصيته بشكل دقيق. فالرجل عراقي شعبي بامتياز، بدء مواليا لايران كحال الاخرين الذين اقاموا فيها وحرضتهم على قلب النظام العراقي السابق، ثم مقارعة الاحتلال الامريكي . الا انه استعاد وطنيته سريعا حتى بدا معارضا لايران ومخططاتها في العراق، بحكم صغر سنه وقلة اقامته فيها وتعذر صهره في بودقتها. لذا فقد ظهر بمظهر المخالف لتوجهات شيعة السلطة، ونجح في فرض سيطرة على اتباعه من الطبقات الفقيرة بفضل كاريزما شخصية غابت عن الساحة السياسية لاكثر من عقد كامل.وقد تجلت مواقفه فيما يلي:1. الانظمام الى حركة الاحتجاجات في العراق.2. تخليه عن المناصب الحكومية.3. محاسبة اتباعه.4. قدرته على حشد انصاره ومؤيديه.5. مخاطبة الشارع بلغة بسيطة يفهمها.ومن الناحية السياسية، فتياره الشعبي المعروف بالتيار الصدري شريك بالعملية السياسية في العراق ومتقلد لبعض المناصب في الحكومة الحالية. وان مايقوم به يفسّر وفقا لمبادىء وقواعد القانون الدستور بانه انقلاب لا ثورة. ان شخصية كهذه قادرة على ازاحة الطبقة السياسية الحالية بما لها من امكانات وتأثير في الشارع، بعد ان اعلن رسميا انضمامه للثورة وتبنيه لمطالب المحتجين وقيادته لتظاهرات يومي 26 شباط و4 مارس 2016، وتهديده باقتحام المقر الحكومي في المنطقة الخضراء، وتطمينه للسفارات الاجنبية بعدم المساس بها وبطاقم دبلوماسيها باعتبارهم ضيوف على العراق، ودعوته لانصاره بعدم التعرض للممتلكات العامة والخاصة وتجنب الفرهود. وعليه وضع كادر وطني كفوء بعيد كل البعد عن تاثيرات الحكم الحالي لصياغة مشروع جديد يضع خطوات عملية للتغيير، لنكون امام ثورة تغيير حقيقي لا امام انقلاب تتغير فيه الوجوه الحاكمة فقط. كما ان ايران قد تؤثر على قراراته بشكل يحرفه عن اهدافه، وهذا ماحصل عام 2012 عندما اتفق مع مسعود البارزاني والسنة على جمع التواقيع لاقالة نوري المالكي، فتدخلت ايران ومنهت جلال الطالباني من سحب الثقة عن الحكومة بعد ان هددته بما لها من ملفات ضده من خلال المالكي الذي تحدث اليه بشدة ليلة 00/12/2012 فاصيب عى اثرها بجلطة قلبية نقل الى المانيا للعلاج لمدة سنة ونصف.
ج – حركة الاحتجاجات الطلابيةاندلعت حركة الاحتجاجات الطلابية بصورة عفوية اثناء زيارة حسين الشهرستاني وزير التعليم العالي لجامعة المثنى في مدينة السماوة جنوب العراق يوم 25 شباط 2016 ومرشقوه بالحجارة ومنعوه من دخول مبنى الجامعة. وتوجهت اصابع الاتهام الى احد اساتذتها المدعو باسم كامل العبوسي الذي القي القبض عليه مما قاد الى تجددها ثم اطلق سراحه ليقتاد مجددا الى مكان مجهول يوم 8 مارس 2016.ويمكن القول ان التظاهرات الطلابية اكثر وعيا لانها تضم شريحة مثقفة قادرة على اذكاء جذوة الاحتجاجات في العراق .ويثور هنا تسأول اخر ومهم وهو: هل من الممكن قيام ثورة في العراق؟للاجابة على هذا السوأل نقول ابتداءا، انه من حيث المبدأ، ليس هناك من شعب غير قادر على الثورة واحداث التغيير المطلوب شريطة توافر ثلاثة أمور اساسية، هي:– فلسفة الثورة- تنظيم الثوار- الدعم الدولي للثورةب- فلسفة الثورةوفيما يتعلق بفلسفة الثورة، فان الساحة العراقية لا تخلو من طروحات جيدة ومنطقية ومعقولة الا انها لاتذهب ابعد من توفير الخدمات وتأمين حياة كريمة للشعب العراقي، لذا فان هذه الاصلاحات تدور حول محور تعغيير السلطة فقط ولاتمس جوهر المشاكل التي تراكمت على مدى عقود طويلة على حضارة وادي الرافدين.وبالتأكيد ان وجود فلسفة للثورة أمر ضروري واساسي لاغنى عنه لكل ثورة لكي يلتف حولها ابناء البلد الواحد ويسعون لتحقيقها. ويتذكر الجميع كيف ان حزب البعث وقبل ان يستلم السلطة في العراق كان قد وضع تصورا للعديد من المسائل الجوهرية وقضايا الساعة التي تشغل بال المواطن العادي، حيث ناقش مسالة الدين، وهي من الامور الجوهرية في اي مجتمع ، وكتب مفكرو الحزب انذاك كراسا تحت عنوان (نظرتنا الى الدين)، وكذلك اصدر اعلام الحزب كراسا اخر ضع تصورا لحل المسألة الكردية من خلال مفهوم الحكم الذاتي عام 1970. وكذلك الامر بالنسبة للمسيحيين في العراق، وعلى اختلاف طوائفهم من خلال قانون منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية عام 1972. ومسائل اخرى جوهرية تخص دور المرأة والعمال والفلاحين والطلبة في المجتمع.وعلى الرغم من ان الانحراف في التطبيق قد شاب الكثير من تلك التصورات النظرية، الا ان من المعروف ان سوء التطبيق لايخل بصحة المبدأ او القانون. لذا فان من الضروري وضع تصور عام لمجمل الحياة في العراق مستقبلا وعلى المدى القريب والمتوسط على الاقل، وان يعلن ذلك في وسائل الاعلام المختلفة ليطلع عليها ابناء الشعب العراقي ويبدي المثقفون اراراءهم وتعليقاتهم عليه. وهذا ليس بأمر مستحيل، الا انه يقتضي رؤية سليمة وثاقبة وبعيدة لاي مشكلة بعيدا عن التصورات الخاطئة وردود الافعال المتشنجة ، ودون النظر بعين واحدة للمشكلة.هذا فيما يتعلق بالمستقبل، اما الحاضر فان اكبر خطأ وقع فيه المحتجين هو الطابع السلمي للحركة الذي يجب ان لاتطول مدته والاّ كان وبالا على الثورة.والواقع ان التغيير غالبا مايصاحبه العنف الثوري والذي قد يقود الى حوادث مؤسفة وهي التي تشكل سمة الثورة وطابعها. وربما كان انقلاب حزب البعث على السلطة في العراق عام 1968 والتي سميت انذاك بالثورة البيضاء، استثناءا على هذه القاعدة، والحقيقة ان ماحدث يوم 14 تموز من ذلك العام بالسيطرة على السلطة من ضباط داخل القصر الجمهوري ونفي الرئيس عبد الرحمن عارف كان انقلابا من اشخاص من داخل اجهزة السلطة. وان الثورة لم تحدث حقيقة الا في 30 تموز من ذلك العام من خلال اغتيال احد اولئك الضباط وهروب الاخر خارج العراق. وظل حزب البعث الحاكم يردد عبارة ثورة 14-30 تموز 1968 للتمويه وخداع الناس. ت- تنظيم الثواران واحدة من اعقد المسائل في الثورة هي مسألة تنظيم الثوار، نظرا للصعوبات التي تكتنف مسألة ضبط مجموعة من الافراد الثائرين وتوجههم نحو الهدف. وعادة ماتقوم التنظيمات الثورية بهذه المهمة، وهو أمر وان كان صعب جدا، الا انه ليس بالمستحيل في الحالة العراقية. فتشكيل هيئة سياسية او حزبية تتولى مسؤولية تنظيم وقيادة الثورة في بلد معين أمر ممكن التحقيق شرط توافر عنصري التمويل المالي وقاعدة الانطلاق، اي الطبقة الاجتماعية التي ستوم الثورة على اكتافها مثل طبقة العمال او طبقة الطلاب وغيرذلك. وهذا بالطبع لايمنع من اندلاع الثورة بشكل عفوي نتيجة احتقان الشارع جراء الظلم الاجتماعي والضغط الاقتصادي. اما دوافع الثورة في العراق والتي بات يدركها المواطن البسيط فهي:1- اخضاع الدولة لارادات اجنبية مختلفة ومتناقضة لتمرير اجندات معينة لاتصب في مصلحة الشعب العراقي.2- القضاء على النظام السياسي وتمزيق النسيج الاجتماعي وتدمير الاقتصاد الوطني من خلال تحطيم الصناعات العراقية، وتعطيل القضاء والغاء القوانين التي تصب في مصلحة المجتمع وفي مقدمتها دستور الدولة بوصفه ابو القوانين التي تستمد منه بقية قوانين الدولة قوتها وشرعيتها منه.3- الاستيلاء على الثروات الوطنية المختلفة وفي مقدمتها الثروة النفطية وتبديدها ونهب الاثار الوطنية وسحب الاحتياطي من العملات الاجنبية والدفع باتجاه الاستيراد فقط.4- اذلال المواطنين من خلال انتهاك حقوق الانسان وبالتالي دفعهم للهجرة بقصد استفادة الدول الاخرى من هذه الطاقات البشرية الهائلة .5- اشباع نزوات التاريخ المريضة لدى الشوب الاخرى التي ترى في تحطيم هذه الدول وتشتيت شعوبها نوعا من الانتقام التاريخي عبر استخدام فلسفات مريضة مغلفة بغلاف ديني مقدس ضمن صراع حضارات مكشوف وواضح.ث- الدعم الدولي للثورةمن المعروف ان العالم اصبح اليوم قرية صغيرة بحيث يمكن لحدث بسيط ان ينتقل ويؤثر في اقصى بقعة على هذا الكوكب. لذا فان دعم المجتمع الدولي لثورة في اي بلد امر ضروري وهام لضمان نجاح الثورة واستقرار الاوضاع الداخلية لحين اشتداد عود السلطة الجديدة وعودة الحياة الطبيعية في البلد.وفي المسألة العراقية فان التدخلات الدولية الكثيرة فيها تدعو الى ايجاد جهاز مؤهل وكفوء للتعامل مع المجتمع الدولي بقسميه الدول والمنظمات الدولية والاستفادة منها وفقا لقواعد القانون الدولي . اضافة الى كسبت التاييد الدولي وضمان التأثير الايجابي الراي العام العالمي .اما معوقات الثورة في العراق فهي عديدة وابرزها:
اولا. العامل الدولي يجب ان نتذكر ان هذا العامل كان هو الاكثر فاعلية وتاثيرا في سقوط نظام صدام حسين ، مع عدم التقليل من دور وأثر العامل الداخلي . فقوات الولايات المتحدة على رأس التحالف الدولي المكون من 14 دولة هي التي قادت الى تغيير النظام السياسي في العراق يوم 9 نيسان 2003 انتهاكا لقواعد القانون الدولي والشرعية الدولية. ومنذ ذلك اليوم، اصبح العراق ساحة مفتوحة للتدخلات الدولية المختلفة والمتصارعة يما بينها بما أثر على القرار العراقي بشكل مفضوح وسلبي على العراق كدولة يفترض انها ذات سيادة. ولهذا التدخل اوجه عديدة تتمثل في وجود القوات الاجنبية اولا،بلغت بحدود 143000 جندي امريكي، انسحبت من العراق في 31/12/2010 بعد توقيع اتفاق الاطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، واختراق اجهزة مخابرات دول عديدة لمؤسسات الدولة ثانيا، قيل انها بلغت بحدود 48 جهاز مخابرات اجنبي، اخرهم مخابرات دولة جيبوتي، بحسب ادعاء احد النواب العراقيين.وإزاء حجم التدخل الدولي الكبير هذا، فان قيام ثورة وطنية شعبية في العراق يعد امرا صعبا للغاية دون الاخذ بنظر الاعتبار تأثير تلك التدخلات الدولية ومصالحها الاستراتيجية في العراق. وفي مقدمة هذه الدول امريكا وايران. ويمكن تشبيه مدى تأثير هاتين الدولتين على العراق كجهازتلفاز تحتفظ امريكا بجهاز السيطرة عن بعد (الريموت كونترول)، في حين ان ايران كالمشاهد القريب من التلفاز الي يغير قنوات الاستقبال حسب هواه دون حاجة الى الريموت.لذا فان اي تنظيم سياسي او شعبي يفكر في القيام بالثورة لابد من ان يضع ابتداءا اسلوبا للتعامل مع هاتين الدولتين على الرغم من صعوبة ذلك ، لان الدعم الدولي امر ضروري في اي حركة تغيير سياسي.كما يشكل هذا العامل عنصر اعاقة لاي ثورة تسعى الى تغيير السلطة من خلال اقتحام مقر الحكومة في المنطقة الخضراء لوجود السفارات الاجنبية فيها وعلى راسها السفارة الامريكية. لذا فان ارسال رسائل تطمين لها امرا ضروريا لاي ثورة.
ثانيا. ألمؤسسة الدينيةكانت المؤسسات الدينية على اختلاف اديانها ومذاهبها تودي دور التوعية الدينية وهداية الناس الى الايمان والاخلاق، لذا فانها كانت صامتة او على نمط الهاتف الهزاز زمن النظام السابق، مالم تكن مؤيدة له في بعض المواقف، الا ان الولايات المتحدة وقد ارادت ان تستثمر هذه المؤسسات لصالحها، فأعطت لرجال الدين الموالين لسياستها دورا كبيرا فعزفت على وتر الدين واحدا من اسوأ الالحان. ومن المعروف ان الدين وتر حساس يقود الى دمار الدول والمجتمعات وحتى الدين نفسه اذا ما أسيء استخدامه، وهذا ماجرى في العراق.واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الجناح الاكبر الذي الحق بعملية التغيير كان للاحزاب الاسلامية التي طبقت لاحقا رؤياها للاسلام السياسي في العراق وفقا لاتفاق امريكي-ايراني. الا ان هذا القرار قد شجع الموسسات الدينية الاخرى للخروج من صومعتها ودور العبادة الى السعي لممارسة دور سياسي من خلال الاستحواذ على المناصب السياسية. وقد استشعرت المرجعية الشيعية ذلك فنأت بنفسها عن الصراع السياسي في العراق في شباط 2016.وازاء سوء استخدام الدين للفترة من 2003-2015 فان التغيير القادم في العراق مطالب بوضع تصور شامل لدور الدين في المجتمع العراقي ووضعه في نصابه الصحيح تلافيا لاي استخدام سيء مماثل في المستقبل صيانة للدين وانقاذا للمجتمع.
ثالثا. الانقسام المجتمعيالعراق بلد متعدد الاديان والمذاهب والاعراق، وصفه المتشائمون بانه بلد الشقاق والنفاق، فيما وصفه المتفائلون بانه بلد الفسيفساء الرائعة.ولذا فان من الطبيعي ان نرى الاختلاف في وجهات نظر العراقيين ، يزيد التباعد بينها عند التخلف ويقل عند التطور. ويتعاظم هذا الاختلاف عند اي احتلال للعراق.وقد لعب الاحتلال البريطاني للعراق 1917-1957 دورا في شق وحدة الصف الوطني، مما دفع الى صراع طويل مرير بين قوى وطنية تقود الشعب العراقي وقوى استعمارية يقودها الاحتلال البريطاني.وقد تكرر هذا الصراع ثانية عند الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003- 2010 وانقسم الناس بين قوى مؤيدة للولايات المتحدة رأت في تصرفها تحريرا، وقوى اخرى رات فيه احتلالا. واتذكر جيدا كيف انعكس هذه الصراع بين اعضاء لجنة المناقشة لاطروحتي للدكتوراه عام 2006، فقد ذهب المشرف على اطروحتي واستاذ اخر كانا عضوين في البرلمان العراقي بانه تحرير، وعارضهما استاذين اخرين بانه احتلال. وبعد ان اشتد الصراع بينهما ، توجها لي بالسوأل عن طبيعة وجود القوات الامريكية في العراق؟ فأجبتهما بانه وبغض النظر فيما اذا كان تحريرا ام احتلالا، فان الامين العام للامم المتحدة قد بيّن بان الولايات المتحدة قد تصرفت في العراق خلافا للشرعية الدولية. وهذا ما دفع الولايات المتحدة الى الاعتراف بانها سلطة احتلال. وقد انعكست هذه السياسة على روح ونصوص الدستور العراقي لعام 2005، الي كرّس تقسيم وحدة المجتمع العراقي الى مكونات، مما قاد الى سيادة سلطة الاغلبية وانتهاك حقوق الاقليات،وسادت شريعة الغاب. وجاءت داعش في حزيران 2014 لتكرس ذلك الانقسام، مما دفع كل مكون للبحث عن وسائل حماية خاصة به وظهور مجموعات مسلحة لحماية كل مكون بما عزز هذا الانقسام وكرّس مبدأ الطائفية والمحاصصة.الا ان نسبة كبيرة الشعب العراقي تعاني من التخلف وتعتمد على الحس البسيط، لذا فان دفاعها يكون خاليا من وسائل الاثبات. ويتعمق التناقض بينهما. اذا يصعب الاتفاق بين العراقيين، واصبح واضحا هذا الاختلاف في وسائل الاعلام وعند التقاء اكثر من عراقي لمناقشة مسألة معينة. والواقع،ان كل صراع يتضمن اساسا ماديا ، كما يرى كارل ماركس. واذا اردنا ان نحلل المثال السابق للاختلاف بين المناقشين لاطروحتي لوجدنا الاساس المادي بارزا. فافريق الذي يرى الوجود الامريكي تحريرا كانا من اعضاء البرلمان العراقي الذي يتنعم بامتيازات سخية، اما الفريق المعارض فكانا من طبقة الموظفين التي لم تحصل على حقوقها كاملة. والغريب ان بعض المنتفعين يتهمون المعارضين برغبتهم في تولي المناصب، فيلجأ المعارضون لنفي التهمة والتبرير بخلاف ذلك. والحقيقة التي غابت عن عيون الطرفي ، ان تولي الوظيفة العامة حق من حقوق المواطنة لا تهمة تستوجب المسؤولية, وان تولي المنتفعين لهذه الوظائف واتهامهم للاخرين دليل على انهم قد تجاوزوا حقوقهم وحصلوا على اكثر من استحقاقهم بما يمكن مساءلتهم عن ذلك قانونا.ويمكن تطبيق هذا التحليل على العراق، فالمؤيدون للوضع الحالي هم المتنعمون، اما المعارضون فهم فئة المغضوب عليهم. لذا فان ايجاد نظام مؤسساتي يضمن حقوق الجميع ولو بشكل متقارب سيقلل هذا الصراع ويضمن قدرا من الانسجام المجتمعي بالاستناد الى سلطة القانون الذي يضع رؤيا كاملة للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل المجتمع بما يمنع ظهور فلسفات مخالفة لتوجهات المجتمع مثل اكراه الناس على الصلاة وارتداء لباس معين وتقييد الحريات الشخصية وتبرير الفساد والتخلف، وهذه الامور ترسخت في المجتمع منذ عهد طويل.
رابعا. الوضع الاقتصادي المترديسبق القول ان العامل الاقتصادي هو اساس الصراع الطبقي داخل المجتمع. وإن ضمان المجتمعات يتمثل في توفير الحد الادنى من هذا العامل للناس، وتلك هي مهمة اي دولة على هذا الكوكب. وفي بلد مثل العراق يحتوي على ثروات طبيعية هائلة فان الفقر والجوع فيه يمثل ارتدادا اجتماعيا خطيرا. ويلعب هذا العامل دورا مزدوجا كمحرض على الثورة بتاثير الجوع، لذا تسمى هذا النوع من الثورات بثورة الجياع. كما يمكن ان يلعب هذا العامل دورا معوقا في توفير مستلزمات الثورة الاساسية.فمنذ الشهر الاول لتغير النظام في العراق عام 2003، ادرك الشعب العراقي بان هذه الطبقة السياسية الحاكمة الان، هي طبقة فاسدة استباحت المال العام، الا ان توفير الحد الادنى من مستلزمات العيش للعراقيين دفعهم الى السكوت عن هذا الفساد، وبانعدام الحد الادنى هذا تعالت الاصوات مطالبة بالاصلاح ومن ثم التغيير بعد استنفاذ امكانية الاصلاح، في ظل عجز حكومي واضح في ادارة الملف الاقتصادي بشكل يجنب البلاد عدم الاستقرار عند حدوث اي ازمة. مما جعل الدولة تواجه صعوبة في دفع رواتب الموظفين بما يشل الحياة العامة.وقد وجدت معظم الثورات في العراق اسلوبا متوارثا دينيا حتى غدا تقليدا اجتماعيا الا وهو اسلوب الغنائم. وقد عانى العقيد عبد السلام عارف احد قدة ثورة 14 تموز 1958 في العراق لحظات صعبة ومقلقة عند اذاعة بيان انطلاق الثورة وعدم تجاوب الشعب معها وخشية من سقوط الثورة واجهاضها من النظام الملكي انذاك، فلجأ الى اعتماد هذا الاسلوب القريب للطبيعة البشرية ، فاصدر بيانا لاحقا طلب فيه من الشعب التوجه الى قصر الرحاب الملكي، بما فهمه الناس على انه دعوة للغنائم. وقد سبق هذا الامر عند اسقاط الجنسية العراقية عن يهود العراق عام 1949 بما عرف لاحقا بالفرهود. وهذا ماطبع المجتمعات العربية والاسلامية بطابع الاستحواذ وعدم مراعاة حرمة الاموال العامة والخاصة، حتى شاعت تسمية علي بابا على الشعوب العربية، في حين ان مثل هذا الامر موجود في كل المجتمعات والدول وبشكل ابشع. وقد استغلت الدول الغربية هذه الميزة الاسلامية في تحقيق اهدافها وغاياتها، وهذا مارايناه واضحا عند دخول القوات الامريكية للعراق في 9 نيسان 2003 وتشجيع الناس ودفعهم لسرقة وتحطيم الممتلكات العامة والخاصة.لذا فان على اي ثورة ان تدرس هذا العامل وتحاول ايجاد حل مناسب له لكي لا يبقى عائقا امام نجاحها.
خامسا. الانكسار النفسي للشخصية العراقية من البديهي ان الفشل المتكرر يولد الاحساس بالعجز والاحباط. والعراق جزء من الواقع العربي العاجز والمحبط. وتفاقم هذا الامر في ظل حكومات فشلت في بناء دولة قائمة على مؤسسات رصينة تؤدي دورها بشكل سليم بما يضمن حماية المجتمع ويحقق حقوق الفرد فيها وفقا لقواعد حقوق الانسان. وهذا وجدنا هذاالانسان يلقي بنفسه في البحر هو وعائلته تخلصا من هذا الواقع المرير. وشكلت مجموعات كبيرة من النازحين واللاجئين ازمة دولية حقيقية. وكانت حصة العراق منها كبيرة.وبسبب هذا العجز انكسرت الروح المعنوية للعراقيين بعد ان علموا ان كل هذا الدمار والخراب انما هو بتخطيط غربي مدروس ومحكم جسدته كوندليزا رايس بمصطلح الفوضى الخلاقة. والحقيقة ان الفوضى لا تولد سوى الدمار والخراب وضياع الاموال والجهود والبشر. واذا كانت الثورات العربية قد كشفت هشاشة الانظمة السياسية العربية الا انها عرّت الغرب ايضا وبشكل فاضح بان الاعلام الغربي قد خدع الناس بجنة موهومة وديمقراطية زائفة وحقوق انسان مخادعة. وفي ظل اوضاع اجتماعية ونفسية كهذه، يصعب القيام بثورة دون ظهور قيادات ذات كاريزما شعبية تشحذ الهمم وتعيد ترميم الشخصية المنكسرة ثانية. وبصراحة مطلقة، فان كل الطبقة السياسية التي جلبت لحكم العراق بعد عام 2003 كانت تفتقد لهذا العنصر المهم، مما جعلها تفقد احترامها وتقديرها لدى العراقيين. ومن هنا ظهرت التبريرات الجوفاء التي تزيد العراقيين انكسارا وهو ان مشاكل العراق عصية على الحل حتى لو جاء الانبياء لحكمه. والواقع ان الانبياء هم صفوة روحية من البشر لاتصلح للحكم، وانما يصلح له رجال دولة قادرون على ادارته وفقا لاساليب عصرية. ويجب ان يظهر فهم علمي لمسألة نقل الجبل من مكان لاخر باستخدام العقل والتكنولوجيا بدلا من البحث عن حلول سحرية مختصرة.
ج- حلول المعضلةواخير، يمكن تلخيص عدد من الحلول الاساسية لللازمة العراقية بعد 13 سنة من الفوضى التي لم تخلق سوى المزيد من الفوضى.اولا. استبعاد الطبقة السياسية التي جاءت بعد عام 2003 والمعروفة بارتباطاتها الخارجية.ثانيا. احلال حكومة من الكفاءات الوطنية والمخلصة لادارة البلاد.ثالثا. تحجيم دور التدخلات الاجنبية وتسويتها وفقا لقواعد القانون الدولي، واعادة رسم العلاقات الدولية.رابعا. اعادة طبقة رجال الدين الى مواقعهم الحقيقية وتحجيم دورهم السياسي.خامسا. تسوية الملفات العالقة والكبيرة مثل ملف النازحين واللاجئين، وملف الاقليات، وازالة انتهاكات الحقوق المختلفة لجميع العراقيين وفق الامكانات المتيسرة.سادسا. اعادة بناء البنى التحتية المدمرة وبناء الصناعة الوطنية المدمرة.سابع. الانفتاح على العالم وفق منظور وطني رصين.واخيرا، ان الثورة لا تتضمن تحريضا بل هي تصحيح لمسارات خاطئة لاعادة الامور لنصابها، فمهما ساد الخطأ زمنا طويلا، فلن يصحّ الا الصحيح.