23 ديسمبر، 2024 8:29 ص

علوم الجغرافيا والمناخ والفلك عند الشريف الإدريسي

علوم الجغرافيا والمناخ والفلك عند الشريف الإدريسي

“روجر الثاني هو الذي استقدم الشريف الإدريسي ليصنع له شيئا في شكل صورة العالم”1[1]

عاش محمد الإدريسي من 1099 إلى 1165 م بين المغرب والأندلس وزار مصر والحجاز والشرق وانتقل إلى القسطنطينية وآسيا الصغرى و فرنسا وأنجلترا ولكي يستقر بصقلية وينتهي ذكره بعد ذلك.

لقد ولد بسبتة ودرس في جامعة القروين بفاس وبرع في الكتابة والأدب والشعر ولكنه صار عالما بالنبات والجغرافيا والفلك والمناخ والطب والفلسفة واعتبر من أول المؤسسين لعلم الجغرافيا في التاريخ ولقد قام برسم الكثير من الخرائط والصور حول البحر المتوسط وأوروبا وأفريقيا وآسيا ولقد تم اعتمادها برمتها من طرف علماء عصر النهضة الأوروبية ومثلت مادة علمية موثوقة والتي تأسست عليها فيما بعد العديد من التحولات المعرفية في النظرية والتجارب وأدت إلى تشكل العقل الحديث والقطع مع العلم القديم.

من كشوفاته تحديد وجهة الأنهار وقمم الجبال وارتفاعها ومساحة البحيرات وعمقها وحدود الدول ومنبع الوديان وكان له السبق في تفنيد الأساطير التي رددها بطليومس بأن مصدر النيل تلة في القمر ووضع نقطة تقاطع تحت خط الاستواء بين تلتقي فيها الروافد من النيل الأبيض والنيل الأزرق التي يتكون منها هذا النهر العظيم قبل دخوله إلى السودان ومصر وهي موقعه الصحيح، كما أنه اشتهر بتقديمه معلومات دقيقة على أهم المدن وعدد سكانها وموقعها من البحر وأقر بكروية الأرض قبل غيره وشبه حركتها بالبيضة ودرس موقعها في الكون ورصد حركتها في الفضاء محاطة بالمجرات وحدد مواقع الدول بدقة بالغة من خلال رسم الخرائط وإتباع خطوط العرض أو الخطوط الأفقية واستخدم خطوط الطول لكي يفسر تعاقب الفصول وأحوال الطقس ولقد أراد زيارة القطب الشمالي البارد واكتفى بوصف بحر الشمال.

كما تفطن إلى أهمية الطريق الذي تسلكه التجارة الصينية ودور التجار العرب في جلب التوابل والحرير الى أوروبا ودرس الوظيفة التي تقوم بها السفن التجاربية في حمل المعادن والأسلحة والجلود والغذاء.

قد ولع الإدريسي بالعلوم الطبيعية والرياضيات وانتقل إلى البيلق وقرطبة و بغية التحصيل المعرفي في هذا الاختصاص وتتلمذ على ارث عالم الجغرافيا الإغريقي سطراوبون ولكنه تجاوزه في عدة مسائل.

لقد ألف سطراوبون العرب الكثير من الكتب والمخطوطات ولعل أهمها هو كتاب “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”2[2] وكتاب “روض الأنس ونزهة النفس” وكتاب “الممالك والمسالك” ولقد ذكر كتابين هما “الجامع لصفات أشتات النبات” وكتاب “أنس المهج وروض الفرج” خاص بشمال إفريقيا وبلاد السودان.

لقد اشتهرت خريطة العالم التي نقشها الشريف الإدريسي لملك صقلية على دائرة من الفضة باسم لوحة الترسيم ووضع فيها صور عن الأقاليم السبعة وقسمها الى عشر أقسام ورسم لها صور خاصة بها وميز بين الجغرافيا والتاريخ ومن ناحية ثانية ركب الجغرافي العربي المسلم البحر في العديد من المرات وكان مولعا بمرافقة السفن التجارية في المتوسط واستكشاف المناطق البعيدة والمجهولة فيه وزياردة البلدان.

لقد غطت خريطته اليونان وآسيا الصغرى وبحر مرمره وبحر ايجه وبحر الشمال ومنطقة مقدونيا ونهر الدانوب وسواحل البحر الأسود وجزء من روسيا ومدينة سان بطرسبورج وتمكن من وصف بلاد فنلندا.

لقد كرمت وكالة النازا الأمريكية هذا العالم الجليل بأن أطلقت اسمه على جبال شوهدت في الحافة الجبلية لمنطقة سبوتنيك تلاتنوم على كوكب بلوتو، في حين ظلت جهوده العلمية في ثقافته ووطنه طي النسيان، غير أن الوافي نوحي حقق جزء من مؤلفاته ونشرها سنة 2007 ضمن منشورات وزارة الثقافة المغربية.

لقد انتصر الإدريسي في الكثير من المواقف والتصورات عن الظواهر الطبيعية في أبعادها الجغرافية والفلكية والمناخية والطبية للحجة العقلية والمنهج التجريبي على حساب الأساطير والخرافات والمرويات. فتى تعيد ثقافتنا علاقتها التأسيسية بالعلم وتتصالح مع العلماء الذين أفادوا الإنسانية بمعرفتهم واختراعاتهم؟

الاحالات والهوامش:

1- صلاح الدين الصفدي، الوافي بالوفيات، دار إحياء التراث، بيروت، لبنان، طبعة 2000.

2- أبو عبد الله الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 2010،