مقدمة:
قد يُعد هذا البحث فرع من فروع علم النفس الديني، ونحن نعتبره ليس من ذلك في شيء؛ وانما هو جانب قائم بذاته؛ ونرى كذلك، انه لم يتطرق اليه احدا من قبلنا، بهذه الطريقة التي نريد أن نتبعها حتى النهاية، لنصيب في ذلك مقتلة.
وقد اختارينا ابن تيمية انموجاً لهذه الدراسة التي نروم أن ننشرها تباعا. أن اختيارنا لأن تيمية تحديدا، لأن ابن تيمية، ترك ارثا هائلا من الفتاوى، فهو يعد اكبر رجل دين في العالم الاسلامي ترك هذا الكم الواسع في مجال الفتوى، فهو كان يفتي في كل شيء، حيث انتقد كل الاديان والمذاهب والملل والنحل، وتعرض الى الملحدين والمخالفين، ورد على الجميع بقسوة، وكفر الجميع، الا من هو على شاكلته، ويرى رأيه، ولم يفلت من لسانه اللاذع حتى الخلفاء والامراء الذين عاش في زمنهم، فتعرض مرات عديدة الى السجن.
كذلك لكون أن معظم المتطرفين والتكفيريين وآخرهم وليس اخيرهم الدواعش. كل هؤلاء يتبعون فتاوى ابن تيمية. والمملكة السعودية (حكومة وكثير من الشعب السعودي) يسير على وفق فتاوى وآراء ابن تيمية ويدين بها؛ حتى أن مجموعة فتاواه قد طبعتها الحكومة السعودية في (36) مجلدا ضخما، وبأرقى طباعة، ويوزعونا كهدايا لمن يشاؤون.
وبالمقابل، هناك من يعتبر ابن تيمية هو منظرّ الارهاب ومؤسس مذهبهم ومنسق افكارهم؛ فمن خلال هذا وغيره من الاسباب الاخرى، ارتأينا نسلط الضوء على اغرب فتاواه، ونرى مدى اضرارها على المجتمعات الاسلامية فضلا عن غير الاسلامية، سيما وأن العالم اليوم هو على شفى حفرة من الخراب والدمار الانفجارات والقتل المجان، بسبب هذه الفتاوى النارية، خصوصا وهناك من يروّج لها، في المواقع الاخبارية والفضائيات، والصحف، والمجلات والمواقع الاخرى الالكترونية، فهناك عشرات وربما مئات المواقع الالكترونية من يروج لهذه الفتاوى ويدعو الى تحميلها بالمجان.
فاذا كان علم النفس يهدف الى “فهمِ الإنسان وغيرِهِ من المخلوقات، وجمعِ المعلومات الكافية عن الطَّريقةِ الَّتي يعمل بها دماغُه لخدمةِ الآخرين بأفضلِ طريقةٍ مُمكنة، ومن خلالِ دراسة تصرُّفاتِ الإنسان المُختلفة يُمكن للعُلماءِ النَّفسيين تَحديد التَّصرُّفات السَّوية من غيرِ السَّوية؛ حيُث يعملون على تحليلِ الأفكار، والمشاعر، والأفعال، والأهداف بمُساعدةِ الدِّراسات، والأبحاث في هذا المجال”.
وكذلك علم النفس يَعني “معرفة الأسباب الَّتي أَدّتْ إلى ظُهورِ هذا التَّصرُّف على الإنسان، والعوامل الَّتي قد تُؤدي إلى ظُهوره مرَّةً أخرى، وللحصولِ على هذا النَّوعِ من المعلومات يقومُ العُلماء النَّفسيون بإجراءِ تجاربَ للتَّأكُد مِن أنَّ هذا التَّصرُّف غير شاذ، فإذا ظهرَ هذا التَّصرُّف على فردٍ واحد من الإنسان أو الحيوان فهذا يعني أنَّ هذا التَّصرُّف غير طبيعيّ”.
ومن ثم ” جمعِ المعلومات عن التَّصرُّفات الَّتي يقومُ بها الإنسان، ودراستها، وفهمها، وتوضيحها، يُمكن للذين يُحيطون به مُساعدته في السَّيطرةِ على هذا التَّصرُّف، فمثلاً من خلالِ معرفةِ كيفيّةِ تصرُّف الأطفال يُمكنُ للمُعلمةِ أو الوالدين التَّحكُّم بهم وتقويم سلوكهم”.
هذه القاعدة التي وضعوها لنا علماء النفس وحددوا فيها افعالنا وكيف نتصرف نحن، على اعتبار اننا كبشر نمتلك مشاعر واحاسيس، ويمكن لنا أن نتصرف بتصرفات مختلفة (لائقة وغير لائقة)، واهما تصرفاتنا بخصوص القضايا الدينة. فالإنسان المتدين دائما ما يكون منشدا وساعيا وراء رجل الذين الذي يصدر له الفتوى المجانية، وهو بدوره يكون متحمسا لها، فتأتيه جاهزة ويأخذها على علاتها بدون أن يسئل اصولها ومدى صحتها وصلتها بالواقع الراهن.
وقد لمسنا اليوم فتاوى ابن تيمية وتأثيرها على اتباعه، وعلى من يرى انها تصب في مصلحته الدينية، وان هذه الفتاوى، اذا ما طبقها المسلم بحذافيها، فأن بها سوف يدخل الجنة من اوسع ابوابها، بحسب رأياهم. هذا التأثير النفسي له خطورته وعواقبه الوخيمة على جميع المجتمعات ومنها مجتمعاتنا اليوم.
وهذا من باب ما نطلق عليه مصطلح “علم نفس الفتاوى”.