17 نوفمبر، 2024 7:37 م
Search
Close this search box.

علم النفس يعلمنا كمعماريين كيف نحس بالمكان

علم النفس يعلمنا كمعماريين كيف نحس بالمكان

يمثل الإحساس بالمكان مكونا أساسيا من مكونات الإرضاء العاطفي للإنسان من خلال معيشته في مكان محبذ و قريب من ذاته و يجسد مفاهيمه العامة وغايته و وحاجاته ، الا أن الإحساس وبشكل عام يمثل دعما و إسنادا مهما لهوية الجماعة وتماسكها بداخل أي فضاء وظيفي يشغله البشر .

إرتباطه المباشر بعملية تطور البناء الذهني للفرد من حيث كون العمارة تمثل فضاءات شاملة و عميقة لكافة جوانب الحياة .

من هذا المنطلق لابد لنا من إعطاء مفهوم أشمل لهذه الظاهرة من خلال دراسة مراحل الإحساس في كل من علم النفس والدراسات المعمارية ، ومن ثم كيفية عمل الإحساسات المتعددة على مستويات الفضاءات الداخلية والخارجية التي يرتادها الإنسان، والعوامل المؤثرة على الإدراك الحسي البيئي المرتبطة بالفرد من جهة والمرتبطة بالبيئة من جهة أخرى ، مع توضيح المكونات الأساسية للإحساس بالمكان الشكلية والمفاهيمية والرمزية التي تكون أكثرالمكونات عمقا ، ومن خلال هذه المكونات يتضح وجود خصائص إجتماعية و نفسية وبيئية للإحساس بالمكان .

يشكل الإحساس بالمكان أحد الإبعاد الأدائية للمكان ، لذلك فإننا نجد من الضروري إعطاء فكرة عن الاخصائص والقيم المكانية ، لما لهذه الأبعاد من أهمية في بناء الخارطة الذهنية و دورها في تحقيق شكلا ملائما للفضاءات التي نتكلم عنها .

و لأن الإحساس يمثل حلق الوصل بين الذهن والمحيط ، لذلك فقد إرتبط بالشكل المادي للمكان والمفاهيم والصور الذهنية عند مستعملي هذا المكان ، وعادة يتم التركيز على الجانب المادي من قبل المصممين ، لذا كان من الضروري مناقشة أهم الوسائل المستخدمة من قبلهم لتحقيق الإحساس بالمكان و ما هي المشاكل التي تعرضت لها مدننا المعاصرة بما فيها من عمارة و عمران نتيجة للتغيرات الجذرية والمفاجئة في تصميم البيئة الحضرية الجديدة .

ولو أردنا أن نتعرف على مراحل الإحساس ، لوجدنا أن هنالك إختلافا بين الدراسات المعمارية ودراسات علم النفس في هذا الصدد ، خاصة في تحديد مراحل تسلسل الإحساس ، حيث صنفت دراسات علم النفس مراحل الإحساس كالآتي :

* الإنتباه

* الأحساس

* الشعور

* الإدراك الحسي

* الإدراك المعرفي

* أما الدراسات المعمارية ، فقد أشارت ووفقا للمنظر “رابوبورت” ألى وجود ثلاثة عمليات (مراحل) أساسية تمثل بمجملها مراحل إستلام و تصور المحيط الخارجي الذي نعيش فيه و التي يمكن رؤيتها كأطوار متعاقبة لعملية واحدة وهي :

* الإدراك الحسي

* الإدراك المعرفي

* التقييم

* وقد تم إعتماد تصنيف علم النفس بشكل أساسي لأنه العلم المتخصص بهذه العمليات و يمثل أساسا للدراسات الأخرى ، فضلا عن أن دراسات علم النفس أشارت الى المراحل التي يمر بها المرء و صولا الى الإدراك الحسي ، في حين إقتصرت الدراسات المعمارية على مرحلتي الإدراك الحسي والمعرفي وأضافت لها مرحلة التقييم التي لم ترد في دراسات علم النفس والتي تم إعتمادها كمرحلة أخيرة من مراحل الإحساس .

* أما إذا أردنا أن نتفهم العلاقة بين الإحساس والإدراك للمكان ، فنجد أن التمييز يقوم على أساس أن الإحساس عبارة عن إستجابة أولية لأعضاء الحس ، بينما الإدراك عبارة عن الطريقة التي يفهم بها الموضوع ، وهذا التمييز له أهمية من الناحية النظرية لكنه قليل الأهمية من الناحية العملية ، حيث أنه في الواقع لا يوجد إنفصال بين الإحساس و الإدراك .

* وعليه يمكن القول أنه لا يوجد إحساس خالص لا يعقبه إدراك إلا في الأحوال النادرة ، وكما يقول ( وودورث ) : (( لا يمكن أن نجد

الإحساس الخالص إلا في حالات نادرة فعند الطفل حديث الولادة مثلا ، فهو يرى و يسمع و لكنه لا يعرف ما يرى وما يسمع )) .

* ويقول (شارل بلوندال) : ” ربما كان الإحساس الخالص لدى الراشد أقرب إلى أن يكون أمرا إفتراضيا و إستثنائيا على الأقل منه الى كونه أمرا واقعيا ” .

* مما سبق ذكره يتضح لنا أن التصنيف المتبع من قبل دراسات علم النفس هي أكثر تفصيلا و قة من تصنيف الدراسات المعمارية ، ولكن مع ذلك فهنالك بعض الجوانب المتفقة فيما بينهما ، فقد إتفقت الدراستان على صعوبة الفصل بين عمليتي الإدراك و الإحساس ، فالإحساس الخالص هو حالة إفتراضية ، ولا يوجد إحساس بدون إدراك ولا يوجد إدراك بدون إحساس .. لكل ذلك لابد للمعماري أن يلم بكل جوانب الإحساس بالمكان، من أجل أن يصمم لنا فراغات نحس بجماليتها و بحميميتها .

أحدث المقالات