يمثل الإحساس بالمكان مكونا أساسيا من مكونات الإرضاء العاطفي للإنسان من خلال معيشته في مكان محبذ و قريب من ذاته و يجسد مفاهيمه العامة وغايته و وحاجاته ، الا أن الإحساس وبشكل عام يمثل دعما و إسنادا مهما لهوية الجماعة وتماسكها بداخل أي فضاء وظيفي يشغله البشر .
إرتباطه المباشر بعملية تطور البناء الذهني للفرد من حيث كون العمارة تمثل فضاءات شاملة و عميقة لكافة جوانب الحياة .
من هذا المنطلق لابد لنا من إعطاء مفهوم أشمل لهذه الظاهرة من خلال دراسة مراحل الإحساس في كل من علم النفس والدراسات المعمارية ، ومن ثم كيفية عمل الإحساسات المتعددة على مستويات الفضاءات الداخلية والخارجية التي يرتادها الإنسان، والعوامل المؤثرة على الإدراك الحسي البيئي المرتبطة بالفرد من جهة والمرتبطة بالبيئة من جهة أخرى ، مع توضيح المكونات الأساسية للإحساس بالمكان الشكلية والمفاهيمية والرمزية التي تكون أكثرالمكونات عمقا ، ومن خلال هذه المكونات يتضح وجود خصائص إجتماعية و نفسية وبيئية للإحساس بالمكان .
يشكل الإحساس بالمكان أحد الإبعاد الأدائية للمكان ، لذلك فإننا نجد من الضروري إعطاء فكرة عن الاخصائص والقيم المكانية ، لما لهذه الأبعاد من أهمية في بناء الخارطة الذهنية و دورها في تحقيق شكلا ملائما للفضاءات التي نتكلم عنها .
و لأن الإحساس يمثل حلق الوصل بين الذهن والمحيط ، لذلك فقد إرتبط بالشكل المادي للمكان والمفاهيم والصور الذهنية عند مستعملي هذا المكان ، وعادة يتم التركيز على الجانب المادي من قبل المصممين ، لذا كان من الضروري مناقشة أهم الوسائل المستخدمة من قبلهم لتحقيق الإحساس بالمكان و ما هي المشاكل التي تعرضت لها مدننا المعاصرة بما فيها من عمارة و عمران نتيجة للتغيرات الجذرية والمفاجئة في تصميم البيئة الحضرية الجديدة .
ولو أردنا أن نتعرف على مراحل الإحساس ، لوجدنا أن هنالك إختلافا بين الدراسات المعمارية ودراسات علم النفس في هذا الصدد ، خاصة في تحديد مراحل تسلسل الإحساس ، حيث صنفت دراسات علم النفس مراحل الإحساس كالآتي :
* الإنتباه
* الأحساس
* الشعور
* الإدراك الحسي
* الإدراك المعرفي
* أما الدراسات المعمارية ، فقد أشارت ووفقا للمنظر “رابوبورت” ألى وجود ثلاثة عمليات (مراحل) أساسية تمثل بمجملها مراحل إستلام و تصور المحيط الخارجي الذي نعيش فيه و التي يمكن رؤيتها كأطوار متعاقبة لعملية واحدة وهي :
* الإدراك الحسي
* الإدراك المعرفي
* التقييم
* وقد تم إعتماد تصنيف علم النفس بشكل أساسي لأنه العلم المتخصص بهذه العمليات و يمثل أساسا للدراسات الأخرى ، فضلا عن أن دراسات علم النفس أشارت الى المراحل التي يمر بها المرء و صولا الى الإدراك الحسي ، في حين إقتصرت الدراسات المعمارية على مرحلتي الإدراك الحسي والمعرفي وأضافت لها مرحلة التقييم التي لم ترد في دراسات علم النفس والتي تم إعتمادها كمرحلة أخيرة من مراحل الإحساس .
* أما إذا أردنا أن نتفهم العلاقة بين الإحساس والإدراك للمكان ، فنجد أن التمييز يقوم على أساس أن الإحساس عبارة عن إستجابة أولية لأعضاء الحس ، بينما الإدراك عبارة عن الطريقة التي يفهم بها الموضوع ، وهذا التمييز له أهمية من الناحية النظرية لكنه قليل الأهمية من الناحية العملية ، حيث أنه في الواقع لا يوجد إنفصال بين الإحساس و الإدراك .
* وعليه يمكن القول أنه لا يوجد إحساس خالص لا يعقبه إدراك إلا في الأحوال النادرة ، وكما يقول ( وودورث ) : (( لا يمكن أن نجد
الإحساس الخالص إلا في حالات نادرة فعند الطفل حديث الولادة مثلا ، فهو يرى و يسمع و لكنه لا يعرف ما يرى وما يسمع )) .
* ويقول (شارل بلوندال) : ” ربما كان الإحساس الخالص لدى الراشد أقرب إلى أن يكون أمرا إفتراضيا و إستثنائيا على الأقل منه الى كونه أمرا واقعيا ” .
* مما سبق ذكره يتضح لنا أن التصنيف المتبع من قبل دراسات علم النفس هي أكثر تفصيلا و قة من تصنيف الدراسات المعمارية ، ولكن مع ذلك فهنالك بعض الجوانب المتفقة فيما بينهما ، فقد إتفقت الدراستان على صعوبة الفصل بين عمليتي الإدراك و الإحساس ، فالإحساس الخالص هو حالة إفتراضية ، ولا يوجد إحساس بدون إدراك ولا يوجد إدراك بدون إحساس .. لكل ذلك لابد للمعماري أن يلم بكل جوانب الإحساس بالمكان، من أجل أن يصمم لنا فراغات نحس بجماليتها و بحميميتها .