18 ديسمبر، 2024 7:49 م

علم الاجتماع فى عقود حكم حزب البعث

علم الاجتماع فى عقود حكم حزب البعث

ان العلوم الاجتماعية بشكل عام, وعلم الاجتماع بشكل خاص يستخدم من قبل النخب الحاكمة ويسخر بصور واشكال متنوعة وافكار لخدمتها حسب الحاجة وفى الوقت المناسب, والدكتاتوريات كما هو معروف عنها تاريخيا: جماعات انقلابية تستهدف الاستيلاء على السلطة بشكل مباشر, وتضم فى صفوفها الكثيرين من محدودى الثقافة والذين لا يدركوا قوانين حركة التاريخ والمجتمع, تقودهم العواطف والمشاعر واحساس قوى بالمصالح الشخصية, ولتحقيق ذلك لا يتورعون فى استخدام القوة والعنف ضد اى من يخالفهم الرأى, ويشمل ذلك التشريد والابعاد وحتى القتل والاغتيال. انهم ينجحوا فى اغتصاب السلطة, ولكى ينجحوا فى الاحتفاظ بها يقوموا اولا ببناء جهاز بوليسيا مخابراتيا قمعى, يجهز باحدث التطورات التكنولوجية’ فى هذا المجال, ويتمتع اعضاء الجهاز بصلاحيات واسعة لا تخضع للقوانين الصادرة, وهذا الجهاز هواقوى اجهزة الدولة واكثرها فعالية وانجازية. هذا الجهاز, الذى تتفرع منه عدة اجهزة يمثل جهاز السلطة الخاص والذى تعتمد علية فى ضبط المجتمع والقضاء على الازمات والتحديات التى تثيرها الجماهير.
الا ان المجتمع لايمكن ان يحكم بهذه الاجهزة القمعية والرقابية, وانما يحتاج ايضا الى منظومة ايديولوجية تضم مجموعة من الافكار والممارسات التى لها القدرة والعقلانية على التبرير ورسم صورة مضيئة للمستقبل. ان الخبة الحاكمة بحاجة ماسة الى المتقفين بمختلف نشاطاتهم وتخصصاتهم واساتذة الجامعات وذو الوجاهة والتاريخ ان يقوموا بملىء الفراغ الايديولوجى الذى تفتقده النخبة, من سلوك حضارى وكفاءات فنية وادارية بالاضافة الى العلوم والمعرفة الضرورية وتأثيراتها المتبادلة ودورها الفاعل فى تهيئة وتكوين رأى عام. ان هؤلاء المثقفين والخبراء لاتنحصر مهماتها على تبرير الانقلاب والنخبة الجديدة, وانما ايضا مع مرور الزمن على توطيد وتثبت السلطة وترفع الانقلاب الى مستوى الحدث التاريخى والضرورة التى كان لابد منها, وفى نهاية الامر يصبح العديد من هؤلاء جزءا متفاعلا مكملا ومتكاملا مع النظام الجديد. ان هذالاسلوب يمثل موقف ومنهجية جميع الانظمة ذو البعد الواحد او بمعنى تلك الانظمة التى لاتسمح ولا تعطى اى فضاء لاى افكار وتصورات تختلف عما يفكرون به ويقدموه.
حينما تأسس حزب البعث العربى الاشتراكى, كان له ايديولوجية ومنهجية عمل ونشاط مع الجماهيرى, وقد خاض الحزب صراعا عنيفا ضد الحزب الشيوعى العراقى التى ينطلق من ايديولوجية ومنهجية عمل تختلف تماما عن حزب البعث. لقد برز فى هذة الصراعات الاستعداد المبدئى لاستخدام العنف والقوة وفرض الذات على الاخرين, وتحول هذا الصراع الى جريمة ابادة فى عام 1963 عندما اتفق القوميون والبعثيون فى اسلوب الانقلابات المعهودة على اسقاط جمهورية 1958 والانتقام من الشيوعيين واخرين, تم تنفيذ هذة الجريمة البشعة من قبل جهلة ومجرمى الحرس القومى وجهات رسمية من اعضاء فى السلطة الجديدة. لا يتسع هنا المجال بالتعريف بالانقلاب الذى جاء بتخطيط ومساعدة الانكليز والامريكان.
ان ثورة 17/30 تموز 1968 كانت فى حقيقة الامر انقلابا ضد السلطة القائمة ومن اجل احتلال السلطة وقامت به مجموعة من المغامرين حزب البعث وعسكريين فاعلين فى مراكز مهمة, كتائب حرس القصر الجمهورى( ابراهيم الداود) ومدير الاستخبارات العسكرية (عبد الرزاق النايف), هؤلاء عبدوا الطريق وفتحوا ابواب القصر الجمهورى لدخول المغامرين من حزب البعث, واخذت قوات الحرس الجمهورى تطلق عياراتها الثقيلة ضد القصر. فى نفس الوقت توجهت قوة اخرى نحو محطة الاذاعة والتلفزيون لتعلن البيان الاول وسقوط الحكومة وقيام “حكومة الثورة” . بعد ايام قليلة نقض البعثيون, احمد حسن البكر وصدام حسين العهد والوعد وقاموا بالتأمر ضد الداود والنايف وتم ابعادهم سريعا خارج العراق.
ان الانقلاب الذى لم يحمل اى توجهات وسياسة تنموية لتطوير العراق , وانما جاءت مثقلة مدفوعة من طموحات شخصية كبيرة وروح انتقامية من سوابق احداث وقوى يختلفون عنهم بالراى والسلوك. كانت المؤشرات الاولية للانقلابين تشير الى تخطيط وتصميم على تفادى واخذ كل الاجراءات اللازمة التى تمنع حصول معارضة وتحالفات , كما حصل ذلك عندما نجح القوميون بقيادة عبد السلام عارف بالانقلاب على البعثيين, حيث هرب من هرب واودع السجن والتوقيف عددا منهم. ان ستراتيجية قادة الانقلاب البكر وصدام حسين كانت تقوم على” تبعيث” مؤسسات الدولة والمجتمع وبأسم الحزب مهدوا لسلطة العشيرة منذ الخطوات الاولى, وعندما تم تشكيل مجلس قيادة الثورة كان يضم عضوين من مدينة تكريت وبعد بضعة ايام بلغت نسبتهم 60% من مجموع الاعضاء واخذ التوسع من العائلة الى العشيرة نحو المنطقة والى الطائفة. ان هذا التوسع اخذ يتصاعد مع تسلم صدام حسين الرئاسة, وكما هو معهود تم ذلك بانقلاب صدام على البكر واجبره على التنحى, ولاحقا مع بقية النخبة البعثية المتقدمة من الوزراء والحزبيين الفاعليين منذ سنين طويلة, واخذت اسماء العديد من الذين يحتلون مناصب مهمة فى اجهزة الدولة الذين لم يحصلوا على تعليم جيد وتنقصهم ثقافة معاصرة وكفاءة مهنية, اشخاص مثل على حسن المجيد وعبد حمود و برزان التكريتى….الخ رمزا ومعيارا للوطنية. ان الانقلاب بالطريقة التى نفذ بها لاتختلف كثيرا عن مداهمة وسرقة احد البنوك الكبيرة من قبل عصابات الجريمة المنظمة او كغزوة القبائل والعشائر فى الازمنه الغابرة بعضها البعض من اجل الاستيلاء على ما هو مفيد, وبنفس الوقت اذلال ابناء العشيرة المغلوبة. اما الادعاء بالاشتراكية والقومية العربية هى الاخرى لا تختلف عن ادعاءات رجال الدين بالدين الحنيف ومرجعيتهم الى النبى الكريم او الامام على بن ابى طالب وحرصهم على الدين الحنيف والشريعة, انها واجهات يتزينون بها والتى تجافى الواقع والحقيقة, وهى الايديولوجية التى سوف يقيمون عليها شرعية سلطتهم وضرورة استمرارها.
منذ الايام الاولى للانقلاب وتشكيل الوزارة اخذت الاجهزة القمعية فى السيطرة على الشارع العراقى وذلك بنشر الخوف والرعب والارهاب, وتم بعد بضعة اسابيع تنفيذ حكم الاعدام بعدد من العراقيين بتهمة العمالة والتجسس وخيانة الوطن دون اجراء محاكمة, هذه الاعدامات كانت بمثابة رسائل الى الشعب والقوى التى تختلف معهم بالراى: اننا لا نتساهل مع من يقف فى طريقنا ولا نتورع بأنزال اقصى العقوبات, بمعنى , لقد جيئنا لنبقى.!! لقد اخذت ماكنة القيادة والحزب فى العمل: بدأ تحديد الكليات التى لايسمح للطلبة فى الدراسة بها مثل الكلية العسكرية وكلية الشرطة, كلية التربية واكاديمية الفنون الجميلة…الخ لغير المنتمين لحزب البعث, كما فتحت ابواب دوائر الدولة مشرعة ايضا للحزبين والمؤيدين, وتقدمت الطلبات فى الانتماء الى الحزب ووجد الانتهازيون واصحاب الاهداف الخاصة فرصتهم السانحة لركب الموجة سواء ان كان ذلك عن قناعة او من اجل تسليك الامور, وشملت هذه الحملة مختلف الفئات الاجتماعية. ولكن لابد من الاشارة الى ان المناطقية والطائفية كان لها اهميتها فى الاختيار والتعيين, وكذلك لاحقا فى ارسال البعثات الدراسية والتخصصية والامتيازات والايفادات والتقدم فى السلم الوظيفى.
ان الوضع بالنسبة للجامعات فقد كانت بعض المرونة فى قبول غير البعثيين فى الكليات التى لم تخضع بعد للانتماء الحزبى للطلبة وكذلك للاساتذه لعدم توفر الكوادر العلمية, وحتى كوادر هذه الكليات قدموا طلباتهم للانتماء الى الحزب لاسباب كثيرة, كما تولى الحزبيين رئاسة الجامعات وعمادات الكليات بشكل عام, وكذلك اغلب رؤساء الاقسام العلمية, حتى تولى رئاسة اقسام عدد من الكليات الانسانية اساتذة من اقسام اخرى لمجرد انتمائهم الحزبى, هذا يعنى ايضا ان رئيس القسم ليس بالضرورة ان يكون متخصصا وانما تكاد وظيفته تنحصر فى الرقابة والضبط, هذا بالاضافة الى المنظمة الحزبية التى تتمتع بسلطات عالية, وحصل ايضا ان يكون قائد المنظمة الحزبية طالبا يوجه الاساتذة والعمادة فى امور مهمة تتعلق بالطلبة والكلية ويلقى عليهم المحاضرات من خبراته النضالية الطويلة وحول ماهية الوطنية والقومية وانجازات الحزب وضرورة الرئيس القائد للامة والشعب العراقى. من ناحية اخرى فقد ادخلت ” فلسفة الحزب والاشتراكية العربية, القومية العربية والتاريخ النضالى للحزب” …الخ كمواد دراسية ملزمة ضمن المواد العلمية لجميع الاقسام الدراسية. ان عملية “تبعيث” الكليات تمت متوافقة مع تبعيث الجيش واستقدام البعثيين العرب الى العراق ليحتلوا مراكز حساسة فى وزارة الثقافة والاعلام ومحررين ورؤساء تحرير الصحف اليومية وكذلك فى الاذاعة والتلفزيون, بالاضافة الى تمتعهم فى مراكز القيادة القومية كمناضلين ومنظريين, تمتعوا بالامتيازات الخاصة من بعثات دراسية واجازات سنوية لزيارة ذويهم فى مختلف القارات, وليس اخيرا قواطع الجيش الشعبى التى كانت تضم الاساتذة والطلبة, انها تضحيات ليس لها مبرر وتفتقد العقل والمنطق, اذ ماذا يمكن ان يقدم استاذ جامعى تجاوز الخمسون عاما فى ميادين الحرب بالاسلحة الفتاكة المدمرة, الا انها تمثل متعة للقائد الضرورة ان يرى خضوع اهل العلم والفن للاوامر التى يصدرها وكان عليه ان يعلم انها خالية من اى منطق وعقل.
ان هذة الاجراءات وايديولوجية الحزب والقائد الضرورة تبدو وكانها صورة منقولة عن تجربة الاشتراكية القومية الالمانية فى فترة حكم الرايخ الثالث بقيادة هتلر والتى اشعلت حروب كارثية مدمرة وسياسة عنصرية وضحايا بشرية تقدر بخمسين مليون انسان, وفى النهاية انتحر هتلر ولم يطرا فى باله انه قد قام بجرائم وقثل وابادة شعوب.
خضع قسم الاجتماع فى كلية الاداب والذى يعتبر من اقدم الاقسام العلمية فى الجامعة الى عملية “التبعيث, لقد سجل غالبية الاساتذة سواء عن قناعة او تمشية الحاجة ودفع الشبهات فى الحزب ووصلوا الى درجات مختلفة فى التدرج الحزبي. كان الشك والاحكام المسبقة والتعامل غير المهنى وغير الاكاديمى والصيغة التسلطية السمة السائدة بين الاساتذة ورئاسة القسم والتى تنتقل اثارها الى الطلبة, خاصة فى التقييم الاساسى “حزبى وغير حزبى”. ان الحزب والبحوث التى تنتج فى خدمته هى المواضيع الغالبة بين الاساتذة, ومنذ حرب الخليج الاولى والحضور المستمر للقائد الضرورة فى التلفزيون, وحديثة ونصائحة وتحليلاته لسير المعارك ووضعه لنظرية, بل نظريات عسكرية جديدة, والطبيعة البشرية والاخلاق والفداء للوطن والامة تنتقل الى القسم ويتداولها الاساتذة واحيانا مع الطلبة ولابد من المشاركة فى الحديث التى يحصل, ولكن كيف يمكن ان تكون المشاركة وطرح اى راى مخالف يمكن ان يضع صاحبه فى قفص الاتهام وبمختلف انواع الاتهامات بالخيانة والمصير المجهول, وحتى لو التزمت الصمت فهذا يحمل معانى كثيرة ايضا. لقد فتح المجال واسعا امام الاساتذة للمشاركة فى لجان مؤقتة ودائمة فى عدد من الوزارات, كرجال علم وخبرة يؤتمن لهم وبهم, وكانت الحاجة كبيرة الى راى ووجهات نظر علمية, خاصة فى مشاريع يديرها مدراء عامون ورؤساء اقسام تنقصهم الخبرة العملية والعلمية, وما اكثر هذه اللجان والاجور التى تدفع لاعضائها, خاصة كثرة مشاريع التنمية قيد التخطيط والبعض منها فى طريقه الى الانجاز. الا ان حرب الخليج الاولى (قادسية صدام) نشطت اقلام المثقفين واساتذة الجامعه وخاصة قسم الاعلام والاجتماع فى نشر مقالات سريعة فى الصحف اليومية والاذاعة والمشاركة فى ندوات التلفزيون, بالاضافة الى تكليف القاء المحاضرات فى المدن وللحزبين حول القادسية ومواضيع اخرى. والحقيقة فان اجور المشاركات مغرية ومصنفة حسب الدرجة العلمية, وكانت موردا ثانيا لايستهان به. ان ازمة علم الاجتماع فى العراق فى مرحلة سيطرة البعث تكمن فى السيطرة التامه لايديولوجية البعث, التى لا تسمح لاى افكار مخالفة والعنف الذى يمكن ان يستخدم. تكمن خصوصية علم الاجتماع فى نظرتة النقدية للواقع المجتمعى وتحليل القوى الفاعلة والمؤثرة فى عملية الصراع والبناء, ومستقبل التطور المجتمعى فى واقع متغير دائما, هذا يعنى ان نتائج البحث فى مرحلة حكم البعث يجب ان تكون مكملة لتصورات القائد والايديولوجية السائدة. كان القائد الضرورة والحزب والقادسية, ولاحقا احتلال الكويت واعتبارها المحافظة االرقم؟ مهمات جديدة للمثقفين واساتذة الاعلام وعلم الاجتماع وظيفتها تبرير الاحتلال ووصفها كعملية ارجاع الحقوق الى اصحابها, تماما مثلما تعاملوا مع القادسية بخصوصيتها “قادسية صدام” كرمز للتكامل مع الامجاد الغابرة, وحتى حينما دخل صدام مرحلة الخرف وشرع بكتابة القصص كرد اعتبار لفنان ومثقف فاشل, ترك الدولة لـ “عبد حمود واخرين” استمر الاساتذه والمثقفين بنهج الولاء والتغاضى عما حصل من دمار وتدمير للدولة والمجتمع.
لم تتوفر الشروط الموضوعية لتطور علم الاجتماع فى مرحلة حلم البعث, فقد انقطعنا عن العالم وما يدور فى اروقة الجامعات من بحوث وتوجهات ورسم حركة تغيير المجتمع وتوقعاتها, خاصة لم يدخل العراق كتابا جديدا منذ بداية الحرب العراقية الايرانية, هذا يعنى اننا فقدنا التواصل مع الاقسام المماثلة ولم نستطيع مواكبة التطورات التى قد حصلت فيها. ان كل ما انجزه الاساتذة هو انصرافهم الى تاليف الكتب المنهجية للطلبة التى تعتبر اجترار لمستوى علمى قديم ومعروف سلفا, هذا بالاضافة الى عددا من التراجم عن مصادر انكليزية وامريكية, والحقيقة فان عددا من الاساتذة خريجى جامعات عالمية رفيعة, امريكية وانكليزية, لم يجدوا الظروف الملائمة لعملية الابداع التى تحتاج الى الفضاءات الحرة. اذا لم يؤشر قسم الاجتماع تطورا نوعيا فى مسيرته العلمية, فان هذا القسم قد اخذ فى التراجع, خاصة خضوع تقييم البحوث والترقيات العلمية الى العلاقات الشخصية وتبادل المصالح والانتماء الحزبى والطائفى. ان ما يقدم من بحوث للترقية العلمية التى تتناول مايسمى “نظرية القائد فى التنمية الاجتماعية” ونظرية “القائد فى التربية وعلاج الانحرافات الاجتماعية” و “قادسية صدام والتواصل التاريخى” وضروة تناول الطماطه وغسل الاسنان…الخ كانت لاتقبل النقاش والشك فهى تقييم كبحوث اصيلة تأخذ مسارها المستقيم وبدون اى ازعاجات, وهذا يشمل ايضا عددا من رسائل الماجستير والدكتوراه التى اخذت عن سبق تخطيط ومعرفة قد قبلت من دون اى معوقات واخذت درجة “رسالة اصيلة” ينصح بنشرها ككتاب. ان عدد مثل هذه الترقيات والرسائل التى حصلت فى قسم الاجتماع لايمكن تقدير عددها لانها تخضع للسرية, وليس تجاوزا على اصحابها فهى فى حقيقة الامر معيبة ومخجلة كانتاج علمى.
لقد اخذ جيلا جديدا من طلبة الاساتذة القدماء مواقعهم فى اقسام الاجتماع فى الجامعات العراقية, وهؤلاء يتمتعون اليوم بظروف موضوعية وذاتية افضل من اساتذتهم القدماء, فقد انتهى عصر الاصنام والقائد الضرورة ومركبات النقص وجنون العظمة وجاءت ايديولوجية “الفوضى الخلاقة” والتكنولوجيا الحديثة, بما تقدمه من امكانية الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى العالمى وربط العالم بعضه مع الاخر بسرعة رهيبة. ان النخبة العراقية الحالية لاتستطيع الوقوف او منع احد هذه الانجازات العلمية الجبارة, واذا قدر لها ان تحاول ذلك فهى انما تعجل فى عملية سقوطها ونهايتها, هذه المنجزات اصبحت اليوم احد الحقوق الاساسية للانسان المعاصر. ان الحصول على المصادر العلمية اصبحت فى متناول اليد, ليس فقط عن طريق الانترنت, وانما ايضا عن طريق شرائها واستيرادها او استنساخها من الانترنت.
ان الفوضى الخلاقة, من حيث ادرى ولا ادرى, قد نسفت معوقات السفر فى العراق ولاحت فى الافق قيم جديدة للحرية والحركة. ان الاساتذة الشباب فى اقسام علم الاجتماع فى الجامعات العراقية يعيشون عملية تواصل اجتماعى وعلمى بشكل مستمر وبذلك يمكن ان تنشأ لهم ثقافة نقدية ووعى معاصر لواقع المجتمع العراقى وضرورة دراسته وفهمه , ويطوروا مستوى رفيعا من الجدية فى النظرة والتعامل مع الشعب والمجتمع من اجل النهوض به بعد كل هذه الكوارث وخيبات الامل التى لاتنتهى,كما ان يكونوا اكثر وعيا واكثر علمية فى دراسة واقعنا الحالى المرير, ولابد من المحاولة فى تناول مواضيع جديدة كانت ضمن حلقة “التابو” الممنوعات التىترتبط فى التطور الاجتماعى/ النفسى لجماعات بشرية فى مجتمعنا العراقى. ورغبة ذاتية: ارجو وضع نهاية لمحاولة دراسة الشخصية العراقية, ان هذه الدراسات منذ ان بدأ بها الدكتور على الوردى لم تكن تنويرية, وما يطرح الان ليس فيه جديد.!!