يمكن اعتبار ان اول حوار حقيقي في القرن الماضي للتقريب بين المذاهب هو الحوار الذي جرى بين العالم السني الشيخ إبراهيم الراوي الرفاعي (ت 1946م) مع أحد علماء إيران الشباب , هو السيد محمد مهدي السبزواري (تـ 1931م).
أصدر الشيخ ابراهيم الراوي تلك المطارحات في كتاب سنة (1930م )، بعنوان “داعي الرشاد إلى سبيل الاتحاد” ، وهو حصيلة عامين من الحوار بين الشيخين، لأجل الوصول إلى نظرية متكاملة في تعامل أصحاب المذاهب الإسلامية بعضهم مع الآخر ، وذلك في ضوء ما حل بجمهرة المسلمين من شقاق وتنافر ، لاسيما بعد نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، حيث أشار السبزواري إلى أهمية تبنى المشتركات ، عبر ما أسماه :
“ترك التعصب الجاهلي الذي كان سبباً عظيماً للنفاق المؤدى إلى انحطاط المسلمين وتقهقرهم وتأخرهم “.
وقد اتفق الشيخان “رحمهم الله” على العمل وفق الاسس التالية لتحقيق قواعد التقريب بين المذاهب.
1– ترك الطعن في صحابة الرسول (ص) ، والقدح فيهم .
2– ترك المجادلات المذهبية ، والمكابرات الطائفية ، فهي من بواعث اختلاف الكلمة والنزاع .
3– رفع الأسماء التي أوجبت الاختلاف كالسني ، والشيعي ، والزيدي ، والوهابي فإذا سُئل عن مذهبه يكتفي بالقول “أنا مسلم” ، وهذه الأسماء هي التي أوجبت –بنظر السبزواري- الاختلال في نظام أبناء الدين الواحد .
4– عدم تعرض أحد المذاهب للمستحبات ، والمندوبات الواردة عند أصحاب المذهب الآخر، مثل : عدم تعرض الوهابيين للزيارات المستحبة لدى الشيعة او عدم تعرض الشيعة للنيل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5– احترام كل طائفة للطائفة الأخرى ، وعدم التمييز بين طائفة وأخرى ، فلا يفرق أحد أبناء الطوائف بين من يدين بمذهبه وبين من يخالفه .
مابين أمس واليوم:
عبر دراسة عدة وثائق وكتب لها علاقة بموضوع التقارب او التفاهم وجدت ان الكثير من علماء المسلمين الشيعة والسنة يدرس كل عند الاخر في مدارسهم الدينية وحوزاتهم , وهنا ياتي السؤال, هل يوجد الان رجل دين او طالب علم
شرعي شيعي يدرس في مدرسة دينية سنية وفي المقابل هل يوجد رجل دين سني يدرس في احد الحوزات العلمية.
درس الشيخ المرعشي النجفي عند الشيخ ابراهيم الراوي الرفاعي ( رحمهم الله) في بغداد ,حيث اخذ عنه 3 اجازات وفي المقابل منح الشيخ المرعشي النجفي الشيخ ابراهيم اجازات متقابلة.
كما درس السيد السستاني عن الشيخ احمد الراوي الرفاعي( رحمه الله) في مدينة سامراء وقد ذكر السيد السستاني في موقعه ” درست عند الشيخ احمد الراوي ولم اعلم انه بخلاف مذهبي”
هكذا كانت العلاقة التي منبعها ومرشدها الروح الاسلامية الواحدة, فما بالنا نحن الان حيث نشهد اشد واعنف مراحل الصراع الطائفي في التاريخ المعاصر.
ما احوجنا نحن المسلمين لتاسيس حوار حقيقي صادق يهدف الى خلق مشروع التقريب ونحن نعيش مرحلة نفرة وانقسام ومشاريع طائفية.
فالتشنج الطائفي ساد في كل بلدان العالم الاسلامي التي يتواجد بها مسلمون شيعة وسنة.
اما العراق فانه اصبح بعد احتلاله عام 2003 نموذجا للانقسام والتشرذم الطائفي حتى باتت القوى التي عملت على ايصاله لما هو عليه الان تحذر منه كنموذج سيئ ,وغدا المواطن العراقي بعيداعن اخيه وكانهما ابناء بلدان مختلفة وقد يصل الفراق بينهما الى مستوى العداء كما حدثت جرائم قتل وتهجير منظمة في كثير من مناطق العراق المشتركة العيش وكم قتل ابرياء لان اسمه عبد الكاظم او اسمه عمر .
يعلم الكثير من العراقيين ان في العراق قوى سياسية طائفية متنفذة لايمكنها العيش والاستمرار الا داخل مستنقع الطائفي ملوث, ان بعض رجال الدين من الشيعة والسنة قد اصبحت تجارتهم الرابحة هي العزف على الوتر الطائفي لانهم لايفقهوا شيئا من الدين سوى السباب والشتائم واللعن والتكفير وكأن الدين الاسلامي انحسر في سلوكياتهم الشاذة.
لكن الرجاء والامل في العقلاء من السياسيين وقبلهم تاتي المرجعيات الدينية “الشيعية والسنية “الصادقة المخلصة التي تلتزم بتعاليم الاسلام وبقول الله عز وجل ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا).