من الصعب أن تتجول بسيارتك الشخصية لقضاء بعض الأمور المهمة بين شوارع و مناطق العاصمة بغداد بيسر وسهولة , فهذا الحق البسيط في اية بقعة من العالم من المهلكات اليوم في بلاد دار السلام !!! فسير مع زحام طوابير العجلات التي يتفرج عليها رجال المرور يوميا , والسيطرات المشتركة التي تقف بروح المزاجية والتعب اصبحت من الصور الاعتيادية جدا لدى المواطن العراقي حتى كادت لاتحرك شيئا فينا مع الاسف فكلمات الساهر قيصر الغناء بدئت تنطبق بشكل واضح بعد عقود من غنائها حين قال ((مات الأحساس بداخلنا مات )) وبالفعل مات احساس المسؤول العراقي وربما حتى المواطن نفسه !! …فاليوم عند قطعك موعدا لشخصا ما فلابد ان تفكر جديا بالحصول على بساط علاء الدين السحري للوصول الى النقطة المعنية بالوقت المحدد !! وكحال غيري سرت تلك العوامل والتضاريس السيئة عليه في أحد مواعيدي الشخصية فقررت قرار اجده هو الانسب وهو الترجل الى ذلك الهدف بسيارات النقل ” الفورتات” او بالاستعانة بسيارة الاجرة “التكسي” تحسبا لاي طارئ ولضمان الوصول المناسب في ذلك الموعد .. وفي طريق العودة ركبت مع سائق تكسي اسمه علي , وعلي لم يبلغ من العمر الثامنة عشرة فهو من مواليد عام 1996 , ويمتاز علي عن غيره من سائقي الأجرة بصغر حجم بنيته والتي تظهر الى العيان بشكل كبير وواضح مماانعكست عليه تلك الصفة باثارها السلبية من قبل رجال المرور فسجن لمرتين متتاليتين بسبب صغره عمره والذي لن يؤهله لقيادة سيارات الاجرة وكذلك العمل وسط شوراع العاصمة …صعدت مع ذلك الشاب الصغير والذي كان يستمع لاغاني الراحل (داخل حسن) فتعجبت كثيرا لاطرابه لذلك العملاق على الرغم من انه من جيل التكنولجيا السوداء البعيد عن جيل الصدق والحب والوفاء جيل الكبير الراحل داخل حسن , المهم سار علي بنا لمسافة صغيرة حتى وصل الى بائع (السميط) الذي كان يحمل على راسه عربته المتنقلة والتي تحتوي على قطع السميط , والسميط هي قطعة من الحلوى العراقية خفيفة الطعم والسعر , فطلب علي من ذلك البائع قطعة من السميط فالتفت اليه وقال ممكن تعطيني ربع وتكصها من الكروة وبالفعل حققت له ذلك المراد ليكرر نفس الطلب طامعا ب(بطل ماء) من بائع متجول اخر , تناول علي تلك القطعة الصغيرة بنوع من الشراهة العفوية وقال بعد الانتهاء منها ..الحمد لله.. تعرف يااستاذ اني لم أتناول شيئا منذ الصباح الباكر
.. فقلت له : لماذا ؟ فقال والدتي امرأة كبيرة وهي مصابة بمرض (الروماتيزم) فلم احرمها من نومها صباحا ومصار عندي مجال اكل شي .. ان ذلك الشاب فضل ان يخرج من المنزل دون ان يدخل شيئا في معدته الصغيره على ان يزعج والدته المسنة وهاهي الساعة تصل الى حدود الظهر تقريبا !!! ازداد اهتمامي بعلي اكثر بعد ان سرد لي حبه الكبير لوالدته وتضحيته من اجلها ولو كانت بأحجم المواقف ..فأنا شخصيا ارى ان الام هي اعظم كنوز الدنيا ولن يحل لها بديلا ابدا في هذا العالم … تابع علي سيره بسيارته السايبا الصفراء اللون والدخلية على مجتمعنا الوردي الأصل وتبادلنا سوية اطراف الحديث لأتمكن من معرفة اسرار ذلك الشاب الصغير المتعب من هذه الحياة مبكرا , ففضولي الصحفي دفعني على متابعة طرح الاسئلة عليه بروح المواطنة العراقية ..فوجدت ان علي لم يكمل دراسته المتوسطة بسبب الحالة المادية الصعبة التي كان ولايزال يعاني منها فعلى حد قوله ” لو تدرس لو تشتغل ” واجده انا شخصيا محقا بعض
الشيئ , فهو المعيل الوحيد لعائلته المتكونة من والده المسن الذي كان يعمل سائق تكسي ايضا فورث الى علي أمران الاول هي تلك المهنة التي تساعده على ادخال قوته اليومي والأخرى هي سيارة نوع كرونا موديل 1980 منتهية الصلاحية والتي ربما قد حملت مع والد علي اجمل ذكريات الشباب والعنفوان !!!! فبادر علي لبيعها مع ذكريات والده فلم تحقق لاالعجلة ولا الذكريات الى الشئ القليل من المال فتحولت العجلة القديمة الى مقدمة شراء سيارته السايبة وليكون الباقي بشكل اقساط شهرية على (100دولار) , وكما اسردت سابقا ان والدة علي مقعدة تقريبا وهو يمتلك اخا واحدا وأختين يسكنون في بيتا متواضعا يؤجر ب(350 الف دينار) شهريا في احدى اطراف بغداد ..اي ان المطلوب من هذا الشاب شهريا هو قسط سيارة وايجار بيت ولامعيل غير الله …باشرت لاسؤاله عن الحلقة المفقودة والتي اعتقدت انها ستكون عونا له في ظل تلك الظروف الصعبة التي يعاني منها فكان السؤال : أين اخوك ؟ انت مو كلت عندك اخ ؟ خلي يساعدك وتعاونوا على العيشة وربك يسهل ؟ فقال لي ان اخي قد استشهد في انفجار ارهابي طال مسطر خاص بعمال البناء فكان اخي واحدا منهم عام 2011 ومنذ تلك الفترة واني احاول الحصول على مبلغ التعويض!! والذي قد وعدنا به في وقت سابق , وقد حصلنا على بطاقة وكما وصفها علي (بطاقة مثل كارت الموبايل) والتي يقصد بها البطاقة الذكية ولكن ماكو شي وعلى حد تعبيره امسح ايدك بالحائط … انها دعوة صادقة الى مجلس النواب القادم والذي اتمنى ان يكون افضل حالا من اخوته السابقين والذي لم يرى منهم المواطن العراقي غير الخلافات والتشتت وغياب الحس الوطني ..ان يرى (علي) سائق التكسي الشاب مثالا يقتدى به للشاب العراقي الذي يعيش بمقتبس حياته فلابد من توفير الدعم الكبير لعلي واقرانه من الشباب ماديا ومعنويا فلابد ان يحصل على العمل الذي يليق به وان يحصل على راتب شهري لأخيه الشهيد الذي نص عليه الدستور وليس بمبلغ تعويض فلايوجد أي مبلغ يعوض عن رحيل مواطن عراقي استشهد بنيران الكفرة والارهابين , وان تصرف رواتب امه وابيه الكبار السن من قبل الرعاية الاجتماعية لانه مواطن عراقي من هذا البلد…. وليس بدخيل عليه….وفلوس العراق موقليلة حتى تنحرم عائلة عراقية من العيش الكريم .. اتمنى ان يكون القادم افضل من الراحل وعلى جميع الاصعدة , فاليوم لم يحصل علي في صباح عمله الدؤوب غير قطعة (سميط) بربع دينار لسد رمق عيشه في بلد يصدر يوميا ثلاث ملايين برميل نفط الى الاسواق العالمية !!