23 ديسمبر، 2024 1:20 ص

علـــــــــي .. أُنشــــودةُ  العزِ في فمِ الاجيال !

علـــــــــي .. أُنشــــودةُ  العزِ في فمِ الاجيال !

 و فارس المهمّات الصعبة
قال ومضى :  سيدي : جرحك بالامس هو اليوم جرحي .. لانك اصدقُ تجلٍّ للعدالة !
الإمام علي معنى وليس شخصية تاريخية بارزة فقط  .. أجل هو معنى  يجمع كل المعاني الجميلة هو طريق من طرق معرفة الله ..علي في انسانيته .. تجسيد لمعنى الانسان .. هو الحيّ في خاطر كل انسان .. فقد تَخَطّى الزمان والمكان والقومية والدين وسما وارتفع حتى غدا ملك الانسانية جمعاء .. هو  :  الحقيقة التي لاقبلَ لها ولابعدْ .. لانها في المطلق المستقل عن الزمان والمكان .. كانت وستظل في الابد .. ذلك لانها قبسٌ من النور الالهي الذي لايتبّدل … ولان سموّ الذات من سموّ المعنى …  ذكرى علي  .. ذكرى البطولة التي تستحِّب الموت إنتصاراً للحقيقة , وتفُّـــــر من وجه الباطل .. فإذا  بصاحبها الذي يخفقُ نُعاساً – وأزاؤهُ مئة الف سيف  يوم الجمل –  او الذي وقف يؤدي صلاته بين الصَفّيّن  في ارض المعركة في صفّين –  يخشـــــــــى أن يَهِبَ اخاه   (عقــــيل) ديناراً واحداً من مال المسلمين .. بلْ يخشَ ان يسلبَ النملةَ جلبّ شعيرة ! فيه تجلّى عدل الله !

   إنه أمــــــير أُمراء البيان .. وباب مدينة العلم  الذي إنفتح على الدنيا بنهج بلاغته , فشّقَ لآفاق المعرفة أوسعها .. مابَرِحَ ينمو كما الزمان , ويتعالى في الاجواء صاعدا .. يتناوله الادراك فيملأ القلب ويهُزَّ الجوارح – فاذا باللسان يهتف الله اكبر- رجل اخفى اعداءه فضائله حسدا ومواليه خوفا .. وكان له مابين هاذين ما ملأ الخافقين –     ذكرى المتصّوف القائل : ” تخففوا تلحقوا ” .. حقاً لقد تخففَّ من اباطيل الدنيا فسبق , وتحمّل من الصعاب ما تنوء به امة .. فكان السابق للاسلام مؤمناً والمدافع عنه مقاتلاً بطلاّ , والشارح لاحكامه فقيهاً .. والمنار الساطع في أُفقهِ عابداً , والَعلمُ الخافق على منابره خطيباً .. فمن إدّعى البلاغة بعد ذلك فقد تلفَّحَّ بهباء من غُبارهِ !

قد تربّى على يد النبي  في بيته  قبل سبع سنوات من بدء الوحي .. و كان تحت نظر النبي   في ست سنوات التي كانا فيها معاً في بيت أبيه (أبي طالب )  ..   كان بمنزلة الابن أو الأخ الأصغر المحب .. تأثر الإمام علي تأثرا كبيرا بخلق النبي الكريم   .. وفي تعبده الخاص- قبل البعثة-  وخاصة في غار حراء..  فقد كان يوصل له الطعام هناك ويلبث معه ..   ولم انس انه هو : أول من أسلم من خلق الله ونومه في فراش النبي فداءاً له وأدائه الأمانات أيام الهجرة .. وهو يده التي بها يصول دفعاّ لمكائد الاعراب الاجلاف في بدء دعوته ..

نحن في حضرة من وُلد في مسجد فاستقبله مِلاكْ , وقُــــــتل في مسجد فحفت بروحه اجواق الملائكة .. تلك الروح التي علمت ان العفو اقرب للتقوى فصفحت –  يوم الجمل –  وأباحت الفرات للاعداء الضامئين – اللئام – يوم صفّين , وأوصت بالرفق – بابن ملجم القاتل الزنيم –  وصاحب هذه الروح يعاني سكرات الموت من ضربته –  وقد شاء الله سبحانه ان يجعل الحجاز الجديب مطلعاً للفيض والنور   فاستودعه رفات النبي الهاشمي (ص) , واستودع ارض العراق رفات العترة الطاهرين .. فتقدّست كربلاء بما ضمَ ترابها من دم شريف لو اصابت قطرة منه بني امية لطّهرَت حتى يزيد وابن زياد بن سمية  العاهرة  .. وقدّسَ الله عزوجل النجف  فجعل الصعيد الطيب الذي إحتضن رفاتَ أبي تراب ملاذاً يستجير به الغزال المُرَوّع في عهد الطاغية هارون .. فكأّنّه يقولُ لمنفريه : ويحكم هـــــا هـــــــــنا  يرقد بطل بدر وخيبر وحنين – فاخلعوا اخفافكم – فان هذه الارض ثالثة الحرمين .. لقد أجاركم علي حياً { في بدر واٌحد وحنين وخيبر وفي يوم الخندق ) فاحفظوا جواره ميتاً , وما هو بالحقيقة بمّيت  ولكنه النجم الوضّاء في جبهة الشرق .. تراه النفوس الطاهرة بنور البصيرة وليس بمشاهدة العيان   .. إنــــــــــــــــــــــه لأنشودة العز في فم الاجيال .. لم يزل موصول الايقاع والنغم.. يهّز القلوب التي لم تنم !

ولئن حَسدَتْ بقعة من الارض اختها على ما ضمّت من كنوز , وأحرزت من مجد .. فالنجف هو المحسود بعد يثرب .. والغري هو المكان الذي يَسَعه ان يستوقف الشمس ليقول لها سمّري أضواءكِ على هذه القبة البيضاء , فان تحتها – لو اعطيّ النبوة –  كــــــــان  يوشــــــــــــــع العــــــــرب ( وان هو كمنزلة هرون من موسى) بشهادة اكرم الخلق محمد  ..  هذه الدنيا التي حقّرتّها ايها الامام العظيم  – فَكَبَرتَ عليها – فما وسعت الاّ جسدك , وظلّت روحك المجنّحة تخفق في اجواء انكرها الناس .. لانها منازل الطهر والفضيلة والتي هي غريبة عن المتّع والشهوات , والناس عبيد الدنيا !

 

أجـــــــــل .. أبدأ من يوم جئت الدنيا , فاظّلتّك استار  الكعبة , .. وما أظّلّت قبلك ولا بعدك مولوداً , ودرجتَ طفلاّ بين غايتين : لغاية في السمو الروحي , والغاية في الزهد بم هومتاع دنيوي رخيص  .. فجرَت في مهجتك , ونمت بنموك .. عليها  فُتلً عضلك , وبها تصلّب عظمك .. وجاء الشر بعد ذلك يبغي اليك سبيلاً , فوجد الابواب مقفلة .. لقد غالبته فغلبته بالزهد .. ذلك عندما يصل الإمام   للخلافة ثم يحرم نفسه من اجتماع إدامين (كالزيت والملح)ولا يجمعهما – فالملح عنده إدام  –     – ثم  تَدرًعتَ – وانت امير المؤمنين  وخزائن الاسلام رهن يديك – بمـــــدرعــــــةٍ رقيعة من صوف , وفي رجليك نعلان من ليف .. تأكـــــــل من خبز الشعير فلا تشبع  .. وتطحّن بالرحى , وتخصف نعلك بيدك , وتنام على التراب { أولست انت ابي تراب } اوعلى جلد كبش .. قاتلت الشر بالصلاة , إذ تلصق جبينك بالارض ساجداً , وتنقطّع الى الله حتى يظن الناظر إليك انك قد رحلت الى الملأ الاعلى ..  (كما توهّم فيك مرة الصحابي ابي الدرداء) لقد استقبلت الحياة في  مسجد , وودّعتها في مسجد .. فتقدَّس الشروق , وتبارك الغروب .. وكان بينهما نهارٌ مزدحمٌ باعظم ما أتاه آدمّي , وأروع ما وعته أُذن , ونبض به قلب !

 

يوم السقيفة .. توافدّ رهطٌ من كبار القوم يحثّوكَ لشجب ماجرى في سقيفة بني ساعدة , فرفضت – وانت تاخذ على بني قومك ان –  : ” إحتجّوا بالشجرة واضاعوا الثمرة ”  وإذ ألّحّوا عليك قمت تُحّذِربما يليق برجل الدولة والدين : ” شقوا امواج الفتن بسفن النجاة , وعرّجوا عن طريق المنافرة , وضعوا تيجان المفاخرة ” .. ويوم بايعوا عثمان بن عفان , اعلنت حقك بالامر اولاً , ثم اعلنت سكوتك عنه في سبيل خير أعّم وقلت : ” لقد علمتم اني احَق الناس بها من غيري , ووالله لاسلّمّن ما سلمت امور المسلمين , وان لم يكن فيها جوّرالاّ عليَ خاصّة !

علي .. حامل لواء محمد في كل زحف وفي كل واقعة منذ اشترك في اول معركة وعمره (25 عاما) .. ابو الحسنين هو الذي كان صابرا معه .. أيام فـــــــــرَّ عنه  الناس يوم أُحــــــد وفاداه علي حتى قال له النبي والدماء تسيل من شفتيه : أما تسمع مديحك في السماء .. إنَّ ملكاً يقال له : رضوان ينادي : لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا عليُّ ..  فقال علي : فبكيتُ سروراً وحمدت الله على نعمه »  . وفي حُنــــّين وقد بلغت منهمم القلوب الحناجر { يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } { ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ..  حين ثبت من المؤمنين مع النبي(ص) علي وثمان من بني هاشم منهم عمه العباس وابناؤه وتاسعهم ايمن ابن ام ايمن .. بعد أن أستشهد سيف الله الحمزة ..  وفي الخندق : لم يخرج لنزال عمرو بن ود أحد لانه يعدل بالف فارس وخرجت انت وحدك وقتلته .. حتى قال في حقك النبي :  {ضربة عليً يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين الى يوم القيامة  } .. واختم حديثي عن بطولة صاحب الذكرى بمعركة قلاع خيبر حين لم يفلح المسلمون باقتحامها لعدة ايام مضين فقال النبي : ساعطيّن الراية غداً لرجلٍ يُحبهُ الله ورسوله ويحب الله ورساله .. كرّار غير فرّار يفتح الله على يديه .. وكان فتح القلاع السبع لليهود على يديك بعد ان جندلت فارسهم مرحبا وقبله اخيه !

 سيدي : لقد عشقنا الانتماء لشخصك لانك كنت حجة مكتملة ليس لأحد عذر في الانحراف عنك لا من الزهاد ولا أهل العصبية ولا العلماء ولا العارفين ولا أهل المروءة والأخلاق ولا المستضعفين وحتى الملحدين  .. لذلك لا يحبك إلا مؤمن شريف ولا يبغضك إلا منافق لئيم ولقد حماك الله من حب كل لئيم ومنافق

 

ختاما سيدي اقول : عذراً لاني لم اتناول يوم استشهادك بعبارات الحزن .. وان كانت قلوبنا حرّى ودموعنا جارية لاجل يوم جرحك على يد الزنيم  بن ملجم .. لانك قد فزت في الامتحان وبدرجة الامتياز .. اوليس قد قلت : { لقد فزتُ ورب الكعبة }  ..     اقول لك ايها الامام العظيم وللسيدة البتول الزهراء : لقد قدمنا – ولا زلنا –  الكثير من الدماء وتعرضنا للكثير من الاضطهاد والاستفزاز والتعدّي على الحقوق – منذ الف واربعمئة عام – بسبب ولاؤنا وحبنا لكم ولابنائكم وباقون على العهد في المودّة والولاء والوفاء والفداء  الى يوم اللقاء  .. شعارنا ابداً الحب الصادق لمحمد وآل محمد !

قُـــــــمْ يا إمــــــــــــــا مُ وسُــن َّ العدلَ في زمنٍ

                                          خـــرَّتْ  رؤوس ٌ  بــــــــهِ حتى  علا الذنــــــــــــــــــبُ

ما جـــــــا ع منــّا فقـــــيرٌ طـــوْعَ ســــــاعدِهِ

                                        الاّ بِمــــا مُتَّـــــعتْ أشــــــــــداق ُ من نهبــــــــــــــــــــوا

رجــــوتك َ إغْـــضَب ْ على الاخلاقِ حُــضَّـهُمُ

                                               لأنِّ مـــــنْ ذَهَـــــبَـتْ أخلاقـــهمْ ذهبــــــــــــــــــوا