23 ديسمبر، 2024 7:06 ص

نشأ في ناحية غماس بمحافظة القادسية .. ويبدو انه كان متميزاً في الرسم بين اقرانه .. رسام الكاريكاتير العراقي الذي اصبح فيما بعد واحداً من اهم عشرة فنانين في العالم حسب تصنيف مهرجان فينا الدولي الذي شارك فيه عام 2013 بناء على اختياره من قبل صحيفة الاوبزيرفر وحصل حينها على تكريم الامين العام لمجلس الوزراء بمنحه درع الامانة العامة ، حيث قال الاستاذ علي محسن العلاق حينها ان: “الامانة العامة تحرص على لقاء الرموز المبدعة لانها تمثل الوجه الحقيقي للعراق” انه عبد الرحيم ياسر الذي حصل على علبة الوان خشبية عندما كان في المرحة الابتدائية لانه نال استحسان معلم الرسم ، فصارت تلك العلبة الشرارة التي اوقدت نار موهبته الفنية فانطلقت الى آفاق لا يُعرف لها قرار .. كانت “العلبة” حسب قوله اغلى هدية يطمح الحصول عليها .. ويتذكر جيداً انها كانت تحمل صورة اللقلق ، ويظهر ان الصورة طبعت في ذهن فناننا الصغير لتكبر معه حيث مازال يحب ذلك الطائر الوديع.

كم هي مؤثرة هدية الاسرة التعليمية للاطفال وهم يمضون سنينهم الاولى على مقاعد الدراسة .. اتذكر جيدا عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي اهداني مدرس النحو (قلم جاف) لاني اجبت على سؤال لم يستطع بقية الطلبة الاجابة عليه .. وبقي ذلك القلم في ذاكرتي الى الان ، رغم مرور اكثر من (50) عاماً على تلك الهدية .. وربما ما اكتبه الان هو بعض وحي ذلك القلم.

عبد الرحيم ياسر الذي اصبح عضوا في نقابة الفنانين العراقيين ، ونقابة الصحفيين العراقيين ، ورابطة ثقافة الاطفال في العراق ، واتحاد الصحفيين العرب، واللجنة الوطنية للفنون التشكيلية ، وشارك في عدد كبير من المعارض الفنية داخل العراق وخارجه ، بدأها عام 1974 عندما شارك في المعرض الاول لرسامي الكاريكاتير في العراق ، ليكون بعد ذلك مشاركاً في اهم المعارض الدولية اولها في عام 1977 عندما شارك في معرض بلجيكا لرسوم الكاريكاتير ، وفي عام 1981 شارك في معرض رسامي كتب الاطفال العرب في ايطاليا ، وفي عام 1986 شارك في معرض يوميري في اليابان ، وبعدها بعام واحد شارك بمعرضين مهمين لرسوم الكاريكاتير في كل من القاهرة وهافانا ، ثم توالت مشاركاته في عام 1988 فقد كان له حضور فاعل في معرض رسامي الكاركاتير العرب الذي اقامه معهد العالم العربي في باريس، ومعرض تركيا الدولي لرسامي الكاريكاتير .. وفي عام 1989 شارك في مهرجان الرسم الساخر في لندن ، وفي عام 1990 شارك في معرض كاريكاتير العالم الثالث للرسامين العرب والافارقة في القاهرة.

ويبدو ان اخر مشاركة دولية له كانت عام 2013 في فينا عندما توج واحداً من اهم عشرة فنانين في العالم .. هذا جزء من التاريخ الفني للفنان عبد الرحيم ياسر .. وتأريخه حافل بالانجازات ، لقد ترجل هذا الفنان من صهوة جواد الوظيفة ، برغبة منه او بدونها ، ليحلق طائراً حراً في سماء الفن العراقي النبيل ، بعد ان احتفت به دار ثقافة الاطفال التي احتضنته طوال 40 عاما تدرج فيها بالسلم الوظيفي حتى وصل الى معاون مدير عام للشؤون الفنية ليحال بعدها الى التقاعد.

اذن اليوم نحن امام شمعة مضيئة من رواد ثقافة الاطفال في العراق ، وامام قامة شامخة اغنت ثقافة الطفل ادباً وفناً وادارة .

رجل عمل في الدار ، ولم يكن بينه وبين الطفولة سوى اعوام قليلة ، فتسلل الى عالمها وعاش لحظاتها وتطلعاتها حتى تلبسها .. فتكاد لا تفرق بين رحيم الفتى الصغير وعبدالرحيم ياسر الرجل والفنان المشاكس العنيد .

وهذا الانصهار هو مصدر الابداع على مدى السنين التي مضت ، فاما الشمعة فانها ستستمر بانارة عوالم الطفولة فلا يحجب ضوءها المكان ولا الزمان.

واما القامة الفنية فانها الان اكثر شموخا من ذي قبل .. ومازالت معطاءا ولهذا يحتفي به اصدقاؤه ومحبوه .

اليوم نحن لانحتفي بعبد الرحيم ياسر احتفاء الوداع .. بل هو احتفاءٌ من نوع اخر ، احتفاءٌ بالخلاص من الروتين اليومي ، والشد الى الكرسي ، وقائمة المواعيد والبريد .. هذه الاشياء التي دائما ما أرقت المثقفين والادباء والفنانين العراقيين ، وسرقت الوقت منهم للقاء بشياطينهم ، ومصادر ايحائهم ، وشطحاتهم ، وينابيع الهامهم ، وشغلت ذاكرتهم الفنية بما هو خارج الفن ..

فعبد الرحيم اليوم يمتلك جناحين قويين يستطيع بهما ان يحلق عاليا في سماء دائرته ووزارته ، او بلده .. او سماوات بلا حدود الى اجواء اوسع من المحيطين المحلي والاقليمي .. وعالم ما كان له ان يحلق فيه وهو مقيد بقيود الوظيفة وسجل التوقيع..

مبارك لدار ثقافة الاطفال ان يكون احد روادها عبد الرحيم ياسر.. ومبارك لها ان تحتفي به .. ومبارك له انه احد الاعمدة التي رفعت الدار عالياً.

وهو ليس فراقا ، بل اسلوب اخر من العلاقة .. فالدار لا تتخلى عن روادها ، ولعل الرواد لا ينسون ماقدمت لهم هذه الدار .. فهي علاقة وفاء دائمة .

وخير مانوصي به في هذه المناسبة للسيد المدير العام لدار ثقافة الاطفال محمود اسود خليفة ، ان تسعى الدار الى طبع المسودات التي كتبها عبد الرحيم ياسر للاطفال ولم يتسن لها ان ترى النور وهذا خير تكريم له..

لقد تساقطت دموع اصدقاء المحتفى به مع دمعات شموع الاحتفالية ، وتطاير شرر النور من مشاعل الاحتفاء مع كلمات الاصدقاء معلنة ان هذه القامات مازالت قادرة على العطاء .. ولن يثنيها الترجل من كرسي الوظيفة على الابداع والنماء ..!!