علاوي الحلة ليست كلمة عابرة في تاريخ بغداد الحديث ، إنما هي معلم شعبي التقت فيه الأغنية التراثية مع تحركات أجتماعية شعبية نتجت عنها ذكريات لا يمكن أن يتخطاها الزمن ، وعلاوي في لغة الضاد جمع علوة ، وهو المكان المرتفع المميز الذي تعرض فيه البضاعة ، وعادة تعرض على هذا المرتفع الفواكه والخضار التي كانت تسوق من مزارع بغداد القريبة ومدينة الحلة التي يربطها طريق يصل إلى باب الحلة المشييد ضمن سور بغداد الغربي ، وقبل انشاء المحطة العالمية عند ساحة دمشق حاليا ، كانت منطقة علاوي الحلة المكان الذي تنتهي عنده رحلات المسافرين من الموصل وتكريت وسامراء والرمادي وغيرها من مدن العراق الواقعة غرب نهر دجلة وصولا إلى البصرة ، يبدأ مركز علاوي من تقاطع شارع الشواكة وانت تسير باتجاه المحطة العالمية ، ففي يمينك تجد علاوي الحنطة والرز والحبوب الاخرى، واشتهر بها العلوچي حاج صالح رجل من أهل طويريج ، ، وعلى يسارك تقع محلات خياطة الملابس العسكرية كونها المحلة الأقرب إلى معسكر الوشاش والذي تم تحويله فيما بعد إلى حدائق الزوراء ، والى جانب محلات الخياطة والتقريم يقوم صانعوا الفخار بعرض منتجاتهم من الدنابك والتنك ( والحب وهو زير يصنع من الفخار لتبريد مياه الشرب )، وبالقرب من محلات الفخار نجد محلات تصنيع التنور الطيني ، والذي كان يستعمل تقريبا في كل دور البغداديين ، وبالعودة إلى الجانب الأيمن يتفرع شارع يتجه نحو الشمال الشرقي فيصل بشارع النصر المؤدي إلى جسر الشهداء ، وبمسافة قليلة يبدأ شارع الشيخ معروف ويكون مقابلا لسينما قدري (سينما بغداد فيما بعد وتعود ملكيتها للمرحوم قدري الارضرملي) ويقع في الزقاق المحاذي للسينما حماما التميمي ، أحدهما للرجال والآخر للنساء ، وبالعودة إلى شارع الشيخ معروف الكرخي ، ترى أن الشارع يبدأ بموقف باصات الكاظم الخشبية ، وكانت أجرة الركوب إلى مدينة الكاظمية عبر شارع الرحمانية والعطيفية ( 4 فلوس) وكان خط الركاب الآخر المؤدي إلى الكاظمية في أوائل الخمسينات يبدأ من أمام كهوة حضيري ابو عزيز . باتجاه المحطة العالمية مرورا بالشارع المحاذي لمطار بغداد سابقا ثم العكيدات ثم منطقة حجي زيدان باتجاه منطقة النواب إلى الكاظمية ، وعندما نترك ساحة العلاوي التقليدية الواقعة أمام السينما ، تجد إلى يمينك محلات تعد بالعشرات تقوم ببيع الأحزمة والأنطقة العسكرية إلى جانب بيع البصاطيل والكيترات التي يحتاجها الجنود ، اضافة الى اصباغ الأحذية وفرشاة التلميع ، وهناك نجد محلات بيع الدشاديش والغتر والعقل العربية (وأمكنة صنع سكاير ابو الزبانة ، وتتابع المحلات وهي تعرض شتى السلع وصولا إلى كهوة جمعة شعيع والتي تم تأسيسها عام 1930وكانت من الچايخانات القديمة المفتوحة التي يلتقي فيها الفنانون ومنهم داخل حسن وحضيري ابو عزيز ، ومقهى اخر هو مقهى ناصر حكيم وكان يلتقي فيه جواد وادي وعبد الواحد جمعة وغيرهم من الفنانين ، والى جانب مقهى ناصر حكيم كان محل حسن ابو الكهربائيات ، وصولا إلى سكران الكببچي وهو أكثر مطاعم بغداد شهرة في تقديم الكباب المشوي ، وبعدها يأتي سوق عيسى حتى شارع 6 ، أما في اليسار وبعد ترك سينما قدري تشاهد محلات خياطة الدشاديش ، وبيع ادوات سكاير اللف وبعض المهن اليدوية الأخرى ، نمر بگهوة جزيرة العرب ، وهي قاعة كبيرة وسطحها يكون بعض الأحيان مقهى ليلي ، وبعد مقهى الجزيرة يأتي بستان حسون أغا وهو عبارة عن مساحة مثلثة ضلعها الجنوبي يطل على شارع الصالحية والضلع الشمالي يطل على شارع العلاوي وينتهي البستان عند الصنمات كما كنا نسميها وهي باب تشبه بوابة اثار بابل ، وفي هذا البستان اعدم المناضل فهد عام 1949، وقبل أن يتحول هذا البستان إلى المتحف العراقي ، شبيد جامع عبد السلام عارف عام 1965، وبعد أن نتجاوز شارع 6 في منطقة الارضرملي (نسبة إلى المرحوم ابراهيم افندي الارضرملي ) وكان يمر في هذا الشارع المرحوم الملك فيصل الثاني وهو قادم من البلاط الملكي في الكسرة متجها نحو شارع العلاوي مستديرا حول الشارع القديم المحاذي للمحطة العالمية وصولا إلى القصور الملكية عند جسر الخر . وكان الملك الذي نشاهده كل يوم بسيارته الرسمية رولز رايز يجلس في المقعد الخلفي وهو والمرافق والسائق فقط ، ويسلم علينا مع لمعان خاتم إصبعه الكبير. بعد شارع 6 يأتي زقاق 7 حيث كانت مدرستنا تسمى مدرسة الشيخ صندل الابتدائية ، سميت فيما بعد بمدرسة المستقبل للبنين ، مقابل هذه المدرسة وبجوار قصر قدري الارضرملي كانت گهوة حضيري ابو عزيز ، تقابلها وكجزء من المدرسة گهوة الهچع ، وسميت بگهوة النجع لكثرة إعادة تسجيلات اغاني الهچع التي كانت تشتهر في أواخر الخمسينات ، والمعروف أن منطقة الدوريين هي الاسم الجديد لمنطقة الارضرملي ، كانت منطقة سكنية في طريق البناء أواسط الثلاثينات ، تعود ملكيتها إلى قدري الارضرملي صاحب سينا قدري ، وكان يسكن فيها عدد لا بأس فيه من الفنانين امثال المنولوجست عزيز على والفنان حضيري ابو عزيز ، وكانت فيها دار اللواء فاضل سلمان العساف والمقدم يونس محمد طاهر والمقدم مهدي على الصالحي الذي ساهم بقدر مشهود في الاستيلاء على الإذاعة ابان ثورة 14تموز عام 1958،
وبالعودة إلى منطقة العلاوي فإن هذه المنطقة المحصورة اساسا بين الشواكة وخطوط السكك الحديدية ، كانت سوقا لا تنام الليل لحركة الجنود والضباط المتوجهين لأعمالهم في معسكر الوشاش ومعسكر ابي غريب ، وكان في فجر العلاوي يقدم فطور شوربة العدس للجنود ، أو تشريب اللحم ، أو هناك من يقدم باقلاء بالدهن وهناك صناديق لصبغ بصاطيل الجنود الذين يخضعون للتفتيش قبل بدء التدريب اليومي الشاق .
أن منطقة العلاوي التي كانت تتحول في الخمسينات إلى بحيرة نتيجة هطول الأمطار الغزيرة يتم عبورها بالعربات الخشبية ، كانت ولا زالت تشكل ذاكرة ممتعة لكل البغداديين ، لانها كانت تشكل نقلة نوعية في حياة الناس بعد زوال الدولة العثمانية ، ولا زالت تذكرنا بالماضي الذي اتصل بالانضباط العسكري ، بالنسبة للعسكريين والانضباط الاجتماعي بالنسبة للمدنيين ، وهي سوف تبقى تذكرنا بالاغاني الأصيلة والألحان التي كنت اسمعها للفنانين جواد وادي وعبد الواحد جمعة وهم يؤدون البروفا للاغنية الراقية الأصيلة في گهوة جمعة شعيع….