منذ نهاية العهد الملكي نهاية الخمسينات يعاني الناس في هذا البلد من (سوء الحظ) أن صح التعبير وازداد الموضوع حدة في نهاية سبعينات القرن الماضي ,فاغلب بلدان العالم تسير نحو الامام (تتقدم) ألا هذا البلد فهو مستمر بالتراجع .في دول تقع في مجاهل افريقيا انتقل الناس من الغابات الى عصر الزراعة وعصر القرى ثم المدن وهم يعملون الآن في عصر الوحدة الافريقية وكثير من دولهم بدأت بتحقيق انجازات واضحة والكثير من الدول الاخرى والتي تسمى نامية حققت قفزات في نظمها الاقتصادية والخدمية والتربوية والادارية والسياسية وحتى الاجتماعية .البعض من الدول انتقلت من العالم الثالث الى الاول ثم الى العالم الرقمي(الديجتال) ألا العراق فقد انتقل من العالم الثالث الى العالم الأمي .الامارات نحن ساعدناها في انشاء جامعتها والاردن نحن ساعدناها في انشاء كلية الاركان لضباطها .وفي معاهدنا وكلياتنا تدرب قادة بعض الدول العربية والصديقة.الان وياللكارثة نرسل جنودنا وضباطنا وشرطتنا الى دول الجوار ليتم تدريبهم .في السبعينات والثمانينات كان الخليجيون والاردنيون واليمنيون يأتون للدراسة في جامعاتنا ويتعالجون في مستشفياتنا .واليوم يذهب مريضنا للعلاج في الاردن ولبنان والهند وتركيا وايران ولحالات بسيطة جدا كعلاج الاسنان.كنا نصنع الملابس (والجواريب تحديدا) ولكن حتى الجواريب نستوردها الآن . كنا نصنع ماركات متميزة من الملابس كبناطيل كاسكو التي يتذكرها جيل السبعينات والثمانينات واحذية باتا وطباخات وثلاجات ومجمدات عشتار المتميزة وراديوات وتلفزيونات قيثارة الرائعة وباصات ريم وجرارات عنتر ,كنا نصنع الزجاج والسمنت والاسمدة والبتروكيمياويات والمنسوجات والسجاد والاغطية والالبان والمعلبات الغذائية ودبس اي اي المشهورويشهد معمل تعليب كربلاء وديالى على ذلك.كنا نصنع مواد الغسيل والصابون والشامبو وصابون الركي العراقي من غار الحسني وغار العيسى الذي اختفى ,كنا نصنع الاطارات والبطاريات من ماركة بابل , كنا نصنع السكائر من ماركة بغداد وسومر الذهبي والشخاط الذي اصبحنا نستورده ايضا .بينما تغرق اسواقنا اليوم بمنتجات(كل شيء) من كل دول العالم .اين نحن الان؟ عندما كنا نصنع احتياجاتنا كانت الصين تحبو على سلم الدول النامية وكانت كوريا لم تدخل بعد في سجل المصنعين المعروفين, وكان مواطنو ماليزيا لايزالون في الغابات وفي سفن الصيد وكان الاماراتيون يبحثون عن اللؤلؤ في سواحل الخليج او يقيمون في الصحاري ويتنقلون على ظهور الجمال . كان المواطن العراقي يجوب المطارات بجواز سفره القوي وبديناره الذي يساوي( 3,3) دولارا ويعود محملا بأكياس الهدايا من الاسواق الحرة ومن ارقى المناشيء.كانت السياحة في دول اوربا الشرقية (التي اصبحت الان ضمن الاتحاد الاوربي ) اسهل من الذهاب الى اي محافظة .كانت رحلات طائرات الخطوط الجوية العراقية تمخر عباب سماء دول اوربا بشكل معتاد وبدون قيود .وكان من المعتاد ان تقضي العائلات المتوسطة من الموظفين كالمدرسين والكسبة وصغار التجار عطلاتهم الصيفية في هذه الدول او في لبنان وحتى لندن وباريس وفي بعض الاحيان يذهبون في سياراتهم الخاصة .كان لنا نظاما اداريا ينافس اي دولة متطورة. وفجأة وبمجرد دخولنا في النفق المظلم الذي بدأ في 1958 بأسقاط النظام الملكي بدأ مسلسل الجحيم المستمر ثم ثني عليه بأستلام القائد الضرورة في نهاية السبعينات للحكم لتتحول اوضاع العراق وحياة مواطنيه الى سلسلة من الكوارث المتلاحقة من حروب وحصار ثم احتلال لننته الى مرحلة تفكيك مؤسسات الدولة وتحويلها الى هياكل للفساد .كان الحصار(الفترة من 1990 الى 2003) من اسوأ الفترات التي مر بها المجتمع العراقي والتي دمرت البنية الاقتصادية والتربوية والاجتماعية للمجتمع واذا اجتمعت الحروب والحصار فان الفساد هو الوليد اللقيط الناتج عنهما فاذا الحق بهما الاحتلال فان تفكيك الدولة ومؤسساتها هو الهدف والذي تحقق بنجاح منقطع النظير. بعد الاحتلال تم وضع برنامج لتفتيت اواصر المجتمع العراقي من خلال بث وتشجيع فكرة الاقليات العرقية والدينية والطائفية وضرورة تشكيل احزاب وجمعيات ومنظمات على هذا الاساس وليس على اساس وطني لغرض حصولهم على حقوقهم الفئوية وقد ساعدت مخلفات وسلبيات النظام السابق على توجه الكثير من الناس بهذا الاتجاه ,اعتقادا منهم بأن ذلك هو الحل الصحيح لمشاكل هذا المجتمع بينما الهدف الحقيقي من وراء ذلك هو المبدا الاستعماري المعروف (فرق تسد ) . كما أن ضخ الكثير من الشخصيات المتعصبة والمتطرفة قوميا او دينيا او طائفيا او عشائريا في الفعاليات السياسية والاجتماعية و في الاحزاب والمنظمات ادى الى ارتفاع صوت الفئة على صوت الوطن و ادى الى تداول مشاريع الاقلمة والفدرلة والكوفدرلة والتبشير بها من قبل سياسيين نافذين ومجموعات كثيرة . والان هل ان ذلك كله له علاقة بنظرية المؤامرة ام مجرد صدفة او سوء حظ … هل ثمة شك ؟