كتب العديد من الاخوة العراقيين الكثير من المقالات والتساءلات عن اسباب الانهيار الذي اصاب قوات الجيش والامن العراقي امام ما سموه ارهاب مجموعات داعش ومن يساندهم ، وتمنى بعض اولئك الكتاب عودة الاوضاع الى ما كانت عليه حفاظا على سلامة العراق ومجتمعه ، وانا هنا ( مع الحزن والاسف ) قد لا ابدو متفائلا في ان تتجه اوضاع المجتمع العراقي نحو الافضل في المدى المنظور القريب على الاقل .
نحن الشرقيين وبحكم تخلفنا الحضاري عن العالم والذي تزداد هوته ساعة بعد اخرى ، نعاني صعوبة من تحرير انفسنا من نصوص دينية ابتلينا بها منذ 1400 عام ، والا فما فرق انواع الدواعش عموما على امتداد ارض العراق من شماله الى جنوبه ؟ ففي كل زمان وظرف ومكان من ارض العراق تتبلور وتتلون الدواعش باشكال مختلفة حسب ما تقتضيه الاوضاع المحيطة بها ، وقد تتضارب تلك الدواعش فيما بينها الى حد الاقتتال طالما ان جوهر تكوينها الحقيقي هو السلطة وما تمنحه اياهم من متعة الدكتاتورية تحت مسميات واصول واحكام نصوص الدين .
أقول ان الدواعش دخلوا العراق منذ 1430 سنة وقاموا بما هو اسوء بكثير من دواعش اليوم ، الا يكفي ان يتم بالسيف اجبار شعب مسالم كامل على تغيير معتقده ايا كان او لم يكن ، او دينه ولغته بطرق ارهابية عديدة اولها السيف وآخرها اغتصاب النساء باعتبار ان نساء من لا يؤمن بالله هي ( ما ملكت ايمانهم )، والى فرض الجزية على الصاغرين من ذوي الكتاب والى اشكال وانواع التمييز الديني ، وبالمناسبة يروي البعض كيف ان الخليفة الحكيم علي وجد جنوده في احد الايام وهم يحاولون جلد رجل مسن لكونه لا يملك ما يدفعه لهم لكونهم حراس الله على كل من هو غير مسلم على الارض فكان ان منعهم من ذلك ، والسؤال هنا ان كانت تلك الحادثة حقيقية وهي حصلت في مدينة الخليفة وفي بداية نشر الاسلام ( النقي !) فلك ان تتصور ما هو حال غير المسلمين في الامصار الاخرى البعيدة عن الخليفة بل وما هو حال غير المسلمين فيما بعد ذلك بعقود وقرون ؟؟
طبعا انا اعرف اجابة من يريد ان يعترض ، وليفسر ما يفسر وليذكر ما يذكر فلقد شبعنا ومللنا بما فيه الكفاية حد التخمة من هذه التفسيرات والتأويلات والتلاعب بالكلمات ومعانيها في كل زمان ومكان وظرف وحسب ما تتطلبه دواعي الدفاع عن الاحكام الداعشية ، وهذا مثله في ذلك كمثل من يدافع عن اي دكتاتور في العالم بذكر تفاصيل حادثة خاصة ليثبت انسانية ذلك الدكتاتور وكانها حالة عامة ، ولنا ان نتخيل لو ان الدواعش لم يحتلوا العراق كيف كان سيكون العراق ، نعم كان سيصبح حاله الان كحال اي دولة غربية متطورة وربما كان سيكون دولة عظمى .
الاسلام الشرقيون هم ضحية الدواعش الاوائل ، ورجال الدين اغلبهم يدركون ذلك في دواخلهم لكن مصالهم اقوى من ان تمكنهم من الفتوى بان الاحكام الداعشية التي قيل انها انزلت من الله قبل 1400 هي على الاقل انزلت لوقتها وان المنطق والعقل يوجب الان رفع او الغاء تلك الاحكام الداعشية الغاءا واضحا وكليا ( لا مجال للبس فيه ) من الكتاب الديني ولتبقى فيه فقط الايات القليلة التي توحي بان الانسان اخ لكل انسان ولا تمييز بينهم في كل شيء وان كان الاخرين لا يؤمنون حتى بالله ، اي ان لا يقولون مثلا ( ان اليهود والنصارى لا خوف عليهم ولا يحزنون ) وبعد ان يشتد الساعد يقال ان ذلك ( كان ) في الماضي اما الان فلا ولا ومن المفترض ان………….وان ……..الخ .
الضحية الاكبر من العراقيين هم سكانه الاولين من المسيحيين الذين لا حول ولا قوة لهم ، والذين يعانون من حرمانهم من الحياة الانسانية لكونهم اصلا يعيشون وسط بشر مبتلين باصول دينية تعذبهم وتدعوهم الى تعذيب الاخرين ، وما يزيد الالم ان الكثير يعتقد ان هجرة المسيحيين لبلدهم هي سهلة المنال وهذا الكفر بعينه ، فلا وجود لاي سفارة في العراق تعطي اللجوء بسهولة لاي انسان وخصوصا المسيحي بل بالعكس ما نعرفه جيدا جدا ان كل الذين حصلوا على لجوء في السفارة الامريكية هم من المسلمين ، وهذا عكس ما يحاول البعض نشره في وسائل الاعلام ، علما ان المآسي الذي تعرض لها المسيحيين العراقيين وهم يحاولون اللجوء الى دول غربية تستحق نشر الاف القصص الواقعية المحزنة من ناحية النكبات التي تعرضوا ويتعرضون لها والتي تصل الى الموت والى تجزئة العائلة الواحدة في محاولتهم الحصول على بلد يلجؤن اليه ، وهنا نطالب العالم بمد يد العون الحقيقي والفعلي وليس الاعلامي فقط لمساعدة من يريد اللجوء مما تبقى من المسيحيين وبالاخص ممن لا يملكون الاموال او الصحة التي تمكنهم من غور مهالك مغادرة العراق بالطرق غير الشرعية كالتهريب وما يحمله من مخاطر ومجازفة ، وهذا ما حصل ويحصل لغالبية ( ان لم يكن لجميع ) المسيحيين العراقيين ممن اضطروا الى محاولة انقاذ حياتهم من جهنم الدواعش وليعانوا نتجة ذلك من نكبات ومآسي لا يعمل بها الا هم وخالقهم .
أما مهزلة النواب المسيحيين فهي كذبة وتخدير ولعبة سياسة مطلوبة اعلاميا ، فالنواب المسيحيون لا يستطيعون عمل شيء ان كانوا خمسة او عشرة او حتى عشرين نائبا بين اربعمئة نائب اغلبهم ذوي اساسيات فكرية داعشية مدفونة (شاءوا ام ابوا) حتى لو ادعى البعض منهم انهم علمانيون ،وفوق كل ذاك فالعراق وسط دول داعشية اصلا ، فلا مستقبل منظور للتطور ابدا .
علما ان النواب المسيحيون يعرفون هذا الشيء ولكنهم يجدونها فرصة لضرب ضربتهم المالية وبعد ذلك لن يبقى واحد منهم في العراق الا اذا اراد الله اخذ امانته منهم قبل ان يخرجوا ، ولذا نقول مع الاسف عليهم .
قدر ونكبة العراق الكبرى انه تعرض للاحتلال الداعشي قبل اكثر من 1400 وتلك مصيبة كتبت على جبيننا لنعذب حتى في محاولتنا الحصول على من يقبلنا لاجئين ، فهل هناك من معين !