23 ديسمبر، 2024 12:44 ص

علاقة العقيدة بأحكام العقل الثلاثة

علاقة العقيدة بأحكام العقل الثلاثة

علاقة العقيدة بكل من التعقلات الثلاثة ومن مستوياتها الثلاثة

– الوجوب العقلي: العقيدة لا بد أن تكون منسجمة مع الوجوب العقلي لتكون صادقة.

– الامتناع العقلي: العقيدة لا يمكن أن تشمل على شيء من الممتنعات العقلية، بل لا بد أن يكون موقفها من هذه الممتنعات إما موقف الرفض بالتصريح، وهذا هو الرفض الإيجابي، [الأصح: الرفض الفاعل activ]، وإما موقف عدم اشتمالها على ممتنعات عقلية، وهذا هو الرفض السلبي [الأصح: الرفض اللافاعل passiv]، وإلا فهي عقيدة غير صادقة، ويصدق عليها نعت الخرافة أو الوهم.

– الإمكان العقلي: من خلال اشتمال العقيدة على ممكنات عقلية، لا نستطيع أن نحكم عليها، ولا على مقولاتها الممكنة تلك، لا إيجابا ولا سلبا، لأن الممكنات في الغالب قضايا ترجيحية أو احتمالية، يتفاوت الناس في مدى قبولهم أو رفضهم لها، بحسب التشخيص النسبي لمدى راجحيتها أو مرجوحيتا، أو بتعبير آخر لدرجة احتمالها. فالحكم عليها يأتي في مرحلة متأخرة بعد ثبوت صحة أو خطأ العقيدة، وما يتفرع منها من تشريعات، وهذا ما يتخذ منه العقل موقف الحياد قبل ثبوت صدق المصدر (الوحي) أو عدمه. نعم، كلما اشتملت العقيدة أو ما يتفرع عنها من شريعة (أحكام)، على عدد أكبر مما ترجحه عقول العقلاء (العقلانيين) وفطرة الطيبين (الإنسانيين)، كان احتمال صدقها أقوى، وبالعكس كلما اشتملت على عدد أكبر مما تأباه عقول العقلاء (العقلانيين)، وتنفر منه فطرة الطيبين (الإنسانيين)، كان احتمال صدقها أضعف.

العقيدة ومستويات التعقل الثلاثة
ماذا لو اشتملت العقيدة على ممتنع عقلي (فلسفي)، أو ممتنع علمي (طبيعي)، أو ممتنع عملي (عقلائي)؟

اشتمال العقيدة على الممتنع العقلي الفلسفي منه والأخلاقي: يكون مبررا لرفض العقيدة، لأنها لا يمكن إلا أن تكون خرافة، وليست بدين حق.

اشتمال العقيدة على الممتنع العلمي: لا يكون بالضرورة مبررا للرفض، لكنه يمكن أن يكون مبررا للتحفظ، لحين التثبت والتبين. وأقصد هنا بالممتنع العلمي ما يستحيل على العلم أن يقوم به، وليس ما يتعارض مع الحقائق الفلكية والطبيعية التي ثبت صدقها على نحو القطع واليقين، ككروية الأرض ودورتها حول نفسها وحول الشمس، فمعارضة المقولات الدينية لمثل هذه الحقائق الثابتة مؤشر على عدم صدقها. [إضافة لاحقة: قولي أني لا أقصد بالممتنع العلمي ما يستحيل على العلم أن يقوم به، كنت أقصد به نفي كون القول بالمعجزات أو الخوارق الطبيعية على يد الأنبياء سببا لعدم صدق الدين بسبب تعارضه مع الحقائق العلمية، باعتبار أني كنت أفهم المعجزة أنها إما تعطيل من الله القدير قدرة مطلقة لقانون من قوانين الطبيعة، أو استخدامه على يد نبيه لقانون طبيعي لم يكتشفه الإنسان، كما كان يذهب إليه محمد حسين فضل الله، لا أقل في زمن المعجزة. ولكن المعجزة، كما ذكر المفكر سعدون محسن ضمد في كتابه «هتك الأسرار»، لا تصلح كدليل على صدق دعوى النبوة، لاختلاف موضوع المعجزة عن موضوع النبوة، كمن يمشي على الماء كدليل على كونه أمهر طبيب لجراحة العيون. ثم كيف يتأتى لنا التثبت من حدوث تلك المعجزات المدعاة في ذلك الزمان؟ إذا قيل التواتر، فالتواتر غير حاصل، وحتى مع فرض حصوله، فكم من الأساطير الخيالية والخرافية قد تُنوقِلت عند قوم ما من جيل إلى جيل، دون أن تملك أي أثر حقيقي على أرض الواقع.

اشتمال العقيدة على الممتنع العملي: من قبيل الأَولى ألا يكون ذلك مبررا لرفض العقيدة وتكذيبها، لأن دائرة الممتنعات العملية ضيقة جدا.