3 نوفمبر، 2024 12:24 ص
Search
Close this search box.

علاقات عبد الكريم قاسم بالأحزاب السياسية.. الحلقة الثانية (العلاقات مع الشيوعيين)

علاقات عبد الكريم قاسم بالأحزاب السياسية.. الحلقة الثانية (العلاقات مع الشيوعيين)

(دراسة توثيقية بعد 60 سنة)

مارس عبد الكريم قاسم.. منذ قيام ثورته في 14 تموز 1958 حتى آخر يوم من حكمه.. سياسة خارجية وطنية معادية للاستعمار.. مثلما مارس داخلياً.. سياسة التوازن بين القوى.. وبالأخص بين الكتلتين السياسيتين الأكبر: (الشيوعيون ومن يؤيدهم من جهة.. والبعثيون والقوميون والإسلاميون من الجهة الثانية).
إلا إن قاسم لم يواجه أي من الكتلتين.. وتركهما في صراع دموي بينهما.. وما تبعه أول مرة من عمليات تصفية وقتل واعتقال للقوميين والبعثيين والإسلاميين تحت يافطة: (إنهم متآمرون على الثورة والزعيم).. بالمقابل جرت عشرات عمليات الاغتيال نفذها البعثيون والقوميون بحق الكثير من الشخصيات الشيوعية البارزة أو المعروفة!!
لقد تصاعد نفوذ الحزب الشيوعي.. خاصة بعد اعتقال عبد السلام محمد عارف.. الرجل الثاني في الثورة.. في 5 /11 / 1958.. ووصل الصراع قمته بين الكتلتين بعد فشل حركة (مؤامرة) عبد الوهاب الشواف في الموصل في 9 آذار 1959 لإسقاط قاسم.

أحداث الموصل .. وموقف الشيوعيين:
تسارعت الأحداث بعد تمرد العقيد عبد الوهاب الشواف في الموصل يوم 8 آذار 1959.. عندما فسرت اللجنة المحلية للحزب الشيوعي في الموصل.. بيان الزعيم عبد الكريم قاسم.. الذي ناشد فيه جماهير الموصل بسحق المتآمرين والقضاء على المؤامرة.. حيث أرتكب الشيوعيون في الموصل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.. فجرت عمليات اعتقال وقتل.. وحتى تعليق جثث بعض القوميين.. والبعثيين على أعمدة الكهرباء.. وعمليات اغتصاب.. واستبيحت الموصل ثلاثة أيام من قبل الشيوعيين والعناصر الكردية التي قدرت ب 5000 بقيادة رؤوساء عشائرهم التي دخلت الموصل بعد فشل مؤامرة الشواف.. بل شكلت قيادة الشيوعيين في الموصل وعلى رأسهم (عبد الرحمن القصاب وعدنان حمدي جلميران) محاكم (ثورية) أخذت تنفذ فوراً الإعدام بمدنيين بتهمة التآمر على الثورة والزعيم.
حمَلً عبد الكريم قاسم الشيوعيين مسؤولية تلك الأحداث.. وبأوامر من قاسم شنت أجهزته الأمنية حملة اعتقالات واسعة لم تشمل الشيوعيين وحدهم.. بل شملت حتى الشخصيات الديمقراطية واليسارية المستقلة.. فزج بمئات الشيوعيين والديمقراطيين في السجون والمعتقلات.. وفصل المئات من العمال والموظفين من وظائفهم.. كما شملت تلك الإجراءات عدداً من العسكريين الشيوعيين في القوات المسلحة.. حيث أحيل العديد منهم على التقاعد.. وجمدً آخرون.

مؤامرة شيوعية:
يبدو إن عدداً من الشيوعيين قد بدؤوا يفكرون جدياً بعملية انقلابية ضد عبد الكريم قاسم ..لا تهدف الى إسقاطه بل تحديد صلاحياته.. ويروي الزعيم الركن حسن عبود: إنهم وضعوا الخطة وهيئوا أنفسهم للتنفيذ.. لكنهم عندما عرضوا الأمر على قيادة حزبهم.. جاء الرفض القاطع وخطر القيام بأية حركة.. وقرار الرفض اتخذ بعد جدال عنيف في اجتماع طارئ للمكتب السياسي للحزب الشيوعي.. وكان عادل سلام يؤيد الخطة وتنفيذها.. في حين رفضت الأكثرية الفكرة.. بحجة إن قاسماً له شعبية.
أما جاسم كاظم العزاوي مرافق الزعيم عبد الكريم قاسم فيقدم تفصيلاً للمؤامرة.. فيذكر في مذكراته: (في يوم 10 حزيران 1959 حينما كان مجلس الدفاع الأعلى.. الذي يضم قادة الفرق ومدراء الصنوف مجتمعاً للنظر في ترقيات الضباط.. التي ستصدر بمناسبة ذكرى ثورة 14 تموز .. اتصلً بيً عبد الستار ألجنابي هاتفياً من مقره القريب من غرفتي وأبلغني بوجود نائب ضابط تلميذ في غرفته.. وهو من اللواء السادس الذي كان آمره العقيد سلمان عبد المجيد الحصان.. الضابط الشيوعي فضلاً عن إن أغلب ضباط هذا اللواء من الشيوعيين من أمثال: فاضل ألبياتي.. وقال ليً عبد الستار ألجنابي إن لدى النائب الضابط معلومات مهمة.. ويريد مقابلة رئيس أركان الجيش.. الذي كان في اجتماع المجلس الأعلى.. طلب رئيس أركان الجيش من عبد الستار إرساله الى طه الشيخ أحمد الذي كان يتولى مسؤولية الاستخبارات).
ذهبتُ الى غرفة عبد الستار وجلبت النائب ضابط الى غرفتي فأفاد بما يلي:
(إن اللواء السادس سيقوم بحركة عسكرية هذه الليلة.. وإن الدبابات قد أعدت وجهزت بالعتاد وحجز الضباط وضباط الصف غير الشيوعيين.. وقد استطعتُ الهروب سراً لإخبار الزعيم بتفاصيل الحركة).
ويروي العزاوي موقف عبد الكريم قاسم بعد أن أبلغ بالموضوع حيث: بدأ الحديث مع طه الشيخ أحمد بخشونة.. قائلاً له: “خونة عملاء سويتكم أوادم.. أنت كنت في الحضيض مقدم ركن فجعلتك مسؤولاً للاستخبارات”.. وقد انهار طه الشيخ أحمد.. وطلب الجلوس .. فقال عبد الكريم الجدة: سيدي آخذه (أي أعتقله).. لكن قاسم طلب منه أن يتركه.. ثم استدعى عبد الكريم قاسم كلاً من فاضل عباس المهداوي وماجد أمين للحضور فوراً.. واستدعي الرئيس الأول فاضل ألبياتي وتحدث معه عبد الكريم قاسم بعصبية وبعبارات عنيفة وضربه.. وأمر بتوقيف.. ثم أمر بنقل عدد من الضباط المتهمين أو المشكوك في ولائهم الى ضباط تجنيد في مناطق مختلفة من العراق..أمثال: العقيد سلمان الحصان.. قائد المحاولة الانقلابية.. وخليل العلي وعدنان الخيال.. والرئيس الأول فاضل ألبياتي.. وتم تعين ضباط قوميين محلهم.
كما تم استجواب الزعيم طه الشيخ أحمد.. ورفعت صلاحياته عن مديرية الاستخبارات العسكرية والأمن.. وأستدعى الزعيم الركن داود ألجنابي عن قيادة الفرقة الثانية.. وإحالته على التقاعد.. وأوكل أمر قيادة الفرقة الثانية الى الزعيم الركن محمود عبد الرزاق.. ولم يكن ذا شخصية قوية .. إذ كان ينام خارج مقر الفرقة.. خوفاً من الشيوعيين.. وإحالة عدد من الضباط الشيوعيين الذين كانوا يشغلون مناصب حساسة.
كما استدعى أمراء الوحدات العسكرية وتشاور معهم.. فتم نقل العديد من الضباط الشيوعيين إلى مناصب ثانوية.. وأحال بعضهم على التقاعد مثل ابن عمته هاشم عبد الجبار.. وأقال قائد الفرقة الثانية داود ألجنابي ومجموعة من ضباط فرقته.. وأحال على أمرة الإدارة 120 ضابطاً.. وأمر باعتقال مجموعة من الضباط في سجن رقم (1).. وشمل الاعتقال داود ألجنابي.. و خزعل السعدي.. أكبر قائدين شيوعيين في الجيش.. وتم تسريح معظم ضباط الصف الكرد من الفرقة الثانية.. والأخطر أمر بتسريح 1800 ضابط احتياط معظمهم من الشيوعيين والأكراد والمتعاطفين معهما.
وقد احتج الشيوعيون على تلك القرارات.. واتهمت جريدة اتحاد الشعب البريطانيون بأنهم كانوا وراء هذا الحدث.. وقالت في 2 تموز 1959: “يتضح ألان إن المستعمرين وخصوصاً الإنكليز يحاولون مع وسائل خبيثة ومرة إبعاد العناصر المخلصة والأمينة من حول الزعيم عبد الكريم قاسم.. ووصفت الضباط المحالين على التقاعد (إنهم من أخلص الضباط للزعيم).

الشيوعيون.. والمطالبة بالمشاركة في الحكم:
ـ يرجع أول اتصال لعبد الكريم قاسم بالحزب الشيوعي الى صيف العام 1956 وذلك عن طريق (رشيد مطلك.. صاحب بار شريف وحداد.. وكمال عمر نظمي الشيوعي المعروف).. اللذان اجتمعا بعامر عبد الله ـ عضو اللجنة المركزية للحزب آنذاك ـ وأبلغاه عزم عبد الكريم قاسم القيام بالثورة خلال المناورات العسكرية الخريفية التي ستنفذ في منطقة الرطبة.. وهو يطلب دعم الحزب للثورة.. وكانت طلبات قاسم من الحزب الشيوعي:
1ـ أن يبادر الحزب الشيوعي الى تعبئة الجماهير في مظاهرات إسناد واسعة حالما تبدأ الثورة.
2ـ أن يتولى الحزب رسم التدابير الخاصة بالشؤون الاقتصادية.. باعتبار إن هذا الموضوع (خارج اختصاص العسكر).
إلا إن المحاولة لم تنفذ لأسباب لا علاقة لها بموضوعنا هذا.
ـ وعندما شكلت حكومة ثورة 14 تموز 1958.. ضمت ممثلين عن حزب البعث والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال..وبعض العناصر المستقلة المعارضة للحكم الملكي.. ولم يكن للحزب الشيوعي وزيراً فيها.. فهل كان تعيين الماركسي إبراهيم كبة وزيرا للاقتصاد.. والمعروف عنه قريب من الشيوعيين كافياً لرسم السياسة الاقتصادية للبلاد.. ويقال إن قيادة الثورة لم تشرك الحزب الشيوعي في الحكم بداية الثورة خشية من اتهامها من قبل الدول الغربية وحلف بغداد بأنها ثورة شيوعية وبالتالي التدخل لإجهاضها.
ـ اعتبر الحزب الشيوعي ذلك ب (التناقض).. حيث يقول تقرير اللجنة المركزية الموسع لهذا الحزب.. الذي عقد في أيلول 1958.. (بأن القوى القائدة للثورة والمساهمة فيها هي قوى العمال والفلاحين والبرجوازية الوطنية.. لذلك تذكر قرارات الاجتماع انه: (بالاستناد الى ذلك يجب تهيئة الجماهير لتخفيف هذا التناقض.. ومن ثم إزالته).
وخلال تحضيريي أنا كاتب هذه المقالة (د.هادي حسن عليوي) لرسالتي للماجستير العام 1974).. قال ليً كمال عمر نظمي (عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي.. وممثل الحزب الشيوعي في جبهة الاتحاد الوطني.. انه التقى عبد الكريم قاسم يوم الخميس 10 تموز 1958.. وطلب منه عبد الكريم قاسم إبلاغ الحزب الشيوعي بموعد الثورة.. وطلب قاسم من الحزب دعم الثورة خاصة في الساعات والأيام الأولى للثورة وهو ما تحقق له.
ـ وجد الشيوعيون إن الوقت حان للمطالبة بالمشاركة بالحكم.. فأخذت جريدة الحزب الشيوعي (اتحاد الشعب) منذ نيسان 1959 تُدبلج المقالات والافتتاحيات لضرورة مشاركة الشيوعيون في الحكم.. وكانت الاحتفالات بيوم العمال العالمي (الأول من أيار) 1959 خير مناسبة للتظاهر.. ورفع شعار المشاركة في الحكم.. فكانت اكبر تظاهرات للشيوعيين.. انطلقت واحتلت وملئت شارع الرشيد بطوله وعرضه بالجموع البشرية.. يتقدمها قيادة هذا الحزب.. وقيادات النقابات الشعبية والمنظمات المهنية التي يقودها الشيوعيون.. والكل تهتف بصوت واحد (عاش زعيمي عبد الكريمي .. حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي).
استمر رفع هذا الشعار قرابة شهرين.. حتى تحقق لهم ذلك خلال التعديل الوزاري.. الذي أجراه عبد الكريم قاسم لحكومته في 13 تموز 1959.. فتم تعين:
1ـ الدكتورة نزيهة جودة ألدليمي.. وزيرة للبلديات.. وهي: (رئيس اتحاد المرأة العراقية.. وشيوعية معروفة).
2ـ عوني يوسف.. وزيراً للأشغال والإسكان.. وهو: (ماركسي..وعضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني).
3ـ الدكتور فيصل السامر.. وزيراً للإرشاد.. وهو: (يساري.. وعضو في حركة السلم في العراق).
4ـ عبد اللطيف الشواف.. وزيراً للتجارة.. وهو: (يساري الفكر).
صحيح أن نزيهة ألدليمي هي الشيوعية الوحيدة في التعديل الوزاري.. إلا إن بقية هؤلاء الوزراء يتعاطفون مع الشيوعيين!!

أحداث كركوك:
ـ خلال الاحتفالات بعيد الثورة الأول (أي في 14 تموز 1959).. جرت مصادمات دموية.. بين الشيوعيين من جهة.. والبعثيين والقوميين من جهة أخرى.. في مدن المسيب والديوانية والبصرة وغيرها في وسط وجنوب العراق.. وكان أوسعها في مدينة كركوك.. إذ شكل الشيوعيون محاكم (ثورية) تحت يافطة الاقتصاص من الرجعيين والمتآمرين على الزعيم والثورة.. وأخذت هذه المحاكم تصدر أحكام الإعدام الفورية.. وتقوم بتنفيذ الإعدام فوراً بمن حكمت عليهم من التركمان.. (باعتبار إن التركمان عملاء لبريطانيا والشركات النفطية الأجنبية.. في نظر الشيوعيين).. وكانت هذه الأحكام والإعدامات.. لا تنم عن وجود دولة وقانون ومحاكم!!

تحجيم الشيوعيين :
في 29 تموز 1959 عقد الزعيم عبد الكريم قاسم مؤتمراً صحفياً هاجم فيه: (الأعمال الفوضوية التي ارتكبت في كركوك ومدن عراقية أخرى).
وأظهر قاسم في مؤتمره للصحفيين الحاضرين صور مجازر كركوك التي ارتكبها مجموعة من الشيوعيون الأكراد.. وصور المقابر الجماعية والبلدوزرات التي تواري الجثث في التراب.. وتلك الجثث المعلقة على أعمدة النور.. ومداخل قيادة الفرقة الثانية في كركوك.. واصفاً إياها: بأنها فضائع لا تقل عن فضائع البربر.. وهولاكو.. وقال قاسم: “إن هولاكو لم يرتكب في أيامه مثل هذه الأعمال الوحشية.. ولا الصهاينة فعلوا”!.. وتساءل قاسم: “هل يمكن لهذه أن تكون أفعال منظمات تدعي الديمقراطية؟”.
وقدم قاسم تعازيه الحارة إلى المواطنين التركمان الذين وصفهم بالمواطنين الآمنين المصدومين.. ووعد بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.. كما قام في خطاب آخر ألقاه بعد أيام من هذا الخطاب.. وبمناسبة افتتاحه الأستوديو الجديد للإذاعة العراقية في بغداد… بطلب تسمية الأستوديو باسم: (إستدويو التركمان).. عزاءً لهم عن هذه المحنة التي تعرضوا لها.
وقام قاسم بحل ميليشيا (المقاومة الشعبية) المسيطر عليها من قبل الشيوعيون.. بعد أن سحب تسليحها.. كما حَيًدً اغلب الضباط الشيوعيين في الجيش.. عبر نقلهم إلى مواقع غير فعالة.. أو إحالتهم للتقاعد.. وبذلك اطمأن لعدم إمكانية قيام الشيوعيين بانقلاب عسكري يطيح بحكمه.. ثم ابتدأ بالقضاء على نفوذ هذا الحزب في المنظمات الجماهيرية مثل: النقابات والاتحادات العمالية والفلاحية واتحاد الطلبة وغرفة التجارة وغيرها.
ـ بالمقابل قام قاسم بإطلاق سراح الضباط القوميين والبعثيين.. الذين شاركوا في حركات تآمرية ضده.. وأمر بعضهم بالحضور إلى منصة التحية في الباب الشرقي أثناء العرض الاحتفالي بمرور عام على ثورة 14 تموز.
ويبدو إن معظم نشاطات الأمن والمجالس العرفية انحصرت في رصد نشاطات الشيوعيين والمتعاطفين معهم ومع قاسم ومطاردتهم.. وخفت المراقبة عن نشاط القوميين بشكل عام.. وعلى أعضاء حزب البعث على وجه الخصوص بعد العام1961.. وأصبحت مهمة أجهزة الأمن مطاردة الشيوعيين.. وشبه توقف عن متابعة القوميين والبعثيين.
بلغ عدد المعتقلين السياسيين 22 ألفا العام 1960.. ومن أواسط 1959 لغاية أيار العام 1961.. أصدرت المحاكم العرفية 112 حكما بالإعدام و770 حكماً بالسجن لمدد مختلفة.. واغتيل المئات معظمهم من الشيوعيين والأكراد.. وفي العام 1962غصت المعتقلات والسجون بالشيوعيين والأكراد.. ويقدر عدد المعتقلين من الشباب والطلبة أكثر من 12 ألف بعمر الورد.. اعتقلوا أو سجنوا لأسباب سياسية تافهة.

حظر نشاط الحزب الشيوعي:
عندما أعاد عبد الكريم قاسم الحياة الحزبية رسمياً في البلاد في شباط 1960 لم يوافق على إجازة الحزب الشيوعي العراقي.. والأكثر من ذلك منح إجازة لمؤيده (داود الصائغ) باسم (الحزب الشيوعي)..وقال له أنت قائد الحزب الشيوعي.. وأعطاه نقوداً.. واستأجر بيتاً في منطقة البتاويين.. وأصدر جريدة باسم الحزب الشيوعي العراقي.
وحُرم الحزب الشيوعي.. والحزب الجمهوري الذي يتزعمه السياسي الديمقراطي المخضرم عبد الفتاح إبراهيم من ممارسة النشاط الحزبي القانوني.

إغلاق جريدة الحزب:
ـ في آذار العام 1960 أصدرَ العميد السيد حميد السيد حسين أمراً يحظر تداول جريدة اتحاد الشعب في سبع مناطق من جنوب العراق.. وهكذا تم فرض قيود أمنية ومضايقات من قبل قوات الشرطة على الجريدة ذاتها.
ـ في 30 أيلول العام 1960 عطل الحاكم العسكري العام الجريدة لمدة عشرة أشهر.. في نفس الوقت حُكم على عبد القادر إسماعيل البستاني رئيس تحريرها بالسجن ثلاثة أشهر.. أما عبد الجبار وهبي عضو هيئة التحرير في الجريدة فقد وُضعً تحت الإقامة الجبرية في مدينة الرمادي.. وفي آب العام 1961 تم إلغاء صدور الجريدة بشكل دائم.
ـ في أواخر العام 1961 عاود الحزب الشيوعي إصدار جريدته المركزية بصورة سرية باسم “طريق الشعب”.

معالجة الوضع في كركوك:
اتخذ قاسم عدة قرارات لإعادة الوضع الطبيعي لكركوك.. أهمها:
تعيين احد ضباط الجيش المعروفين.. لا يحبذ الشيوعيين.. قائداً للفرقة الثانية.. وتعيين متصرف للواء كركوك إداري حازم.
تكوين لجنة تحقيقية خاصة من رجال محايدين على أن تضم اللجنة واحداً من التركمان يرشحونه هم.
الحكم بأقصى العقوبات على القائمين والمسببين لتلك المجزرة البشرية.. ليكون درساً قاسياً.. لكل من تسول له نفسه القيام بمثل هذه الجرائم.
تطوير جهاز الإدارة والجيش والشرطة في كركوك من العناصر المستقلة وغير الشيوعية ولا الكردية.
إعادة جميع المواطنين والمستخدمين ورجال التعليم الذين أبعدهم داود ألجنابي.
حل المقاومة الشعبية والمنظمات الأخرى في كركوك.
التعويض عن الأضرار لكل من تضرر من أبناء كركوك.
إعادة الهواتف التي رفعتها قيادة الفرقة الثانية في زمن داود ألجنابي إلى أصحابها الأولين.
عدم إخضاع لواء كركوك إلى مديرية معارف كردستان.. لان هذا اللواء لا يعد جزءاً من كردستان.
ـ بالمقابل قيام قاسم بإقصاء الضباط الشيوعيين من مواقعهم المهمة.. خصوصاً وحدات الدروع.. وقام بتسليم مواقع هذه الوحدات الى الضباط القوميين الذين أطلق سراحهم.
ـ وأوعز الى مديرية الاستخبارات العسكرية.. ومديرية الأمن العامة.. ومتصرفي الألوية (المحافظات) بالتحرك وتضيق الخناق على الشيوعيين.
ـ استمر قاسم بحملته لكبح جماح الشيوعيين.. ووضعهم تحت سيطرته.. فيما عقد الحزب الشيوعي اجتماعاً لمكتبه السياسي ولجنته المركزية.. في أواخر تموز 1959.. وخرج المؤتمرون محافظين على شعارات: (استقلال الجمهورية).. و”إرساء الحكم على أسس ديمقراطية”.. وعلى التأكيد على “إعادة التضامن مع قاسم”.. وإخضاع كل اعتبار آخر لذلك.
ـ استمرت سياسة الحزب الشيوعي هذه.. فيما استمر قاسم في سياسة التوجه في عدم إشراك الحزب الشيوعي في المناصب العسكرية الحساسة أو المناصب المدنية الرفيعة.
ـ في العام 1961 رفع الحزب الشيوعي شعار: (تضامن ـ كفاح).. أي التضامن مع حكومة قاسم في سياستها الإيجابية.. وقراراتها المنسجمة مع أهداف الحزب في مكافحة أساليب البيروقراطية والدكتاتورية ومعاداة الديمقراطية.
ـ بدأ الحزب الشيوعي برفع نبرة الانتقادات ضد سياسة قاسم منذ العام 1962.. لكنه استمر في سياسة الدفاع عنه حتى النهاية.
ـ وهكذا وقف الحزب الشيوعي ضد انقلاب 8 شباط 1963 منذ اللحظات الأولى له.. وحمل السلاح تضامناً مع حكم قاسم ومحاولة لإجهاض الانقلاب.. فدفع الشيوعيون وأنصارهم ثمناً باهظاً لهذا الموقف بعد نجاح الانقلاب.
ـ فيما دفع قاسم ثمن سياسته المتقلبة.. في محاربة كل القوى السياسية مرة.. والتقرب منها مرة أخرى.. واعتقال كبار الضباط.. وأكثرهم من تنظيم الضباط الأحرار.. وإعدام بعض كبار الضباط.. تحت يافطة (المشاركة في حركة عبد الوهاب الشواف).. في خلق فوضى عارمة في البلاد والجيش.. وقتال مع الأكراد.
ـ إطلاق سراح بعض الضباط القوميين وتسليمهم أهم المناصب واخطر الوحدات العسكرية.. الذين لم ينسوا اعتقالهم وإذلالهم خلال فترة الاعتقال.. ليكونوا جزءاً من الانقلاب ضد قاسم.. أو مؤيدين لانقلاب 8 شباط 1963.
ـ ظل عبد الكريم قاسم على موقفه من الشيوعيين ولم يتغير حتى آخر دقيقة من حياته.. ففي أحلك ساعاته.. و الانقلابيون في 8 شباط 1963 يدكون بصواريخ طائراتهم مقره في وزارة الدفاع.. والجماهير الشعبية المؤيدة له.. التي يشارك فيها الشيوعيون بقوة.. وقد يكونوا قادتها.. وهم يطالبون الزعيم عبد الكريم قاسم بالسلاح.. لقبر المؤامرة (الانقلاب).. لكن قاسم رفض بشدة تسليم السلاح.. وقال كلمته المشهورة: (لن أجعلها حرب أهلية بين الشعب!!).
كان أمام قاسم طريقان لا غيرهما.. إما توزيع السلاح للجماهير المحتشدة أمام وزارة الدفاع.. ومن بينهم الشيوعيين.. أو المقاومة من داخل وزارة الدفاع.. التي لن تنتهي بكل الأحوال بالنصر لقواته المحصورة في وزارة الدفاع.. وعدم أي تحرك عسكري لوحدات الجيش لنصرته لا في بغداد ولا ببقية الوحدات العسكرية المنتشرة في كل محافظات العراق.. ففضل الاستلام للانقلابين.. متأكداً إعدامه ونهاية نظامه.. فدفع حياته وحياة رفاقه الى الهاوية.. بدل حرب أهلية بين الجماهير المؤيدة لقاسم يقودها الشيوعيون والمقاومة الشعبية من جهة.. والحرس القومي والبعثيون والقوميون.. من جهة أخرى.
_________
(ملاحظة): انتظرونا غداً في: (علاقات عبد الكريم قاسم بالأحزاب السياسية.. الحلقة الثالثة ـ الأخيرة ـ (العلاقات مع القوميين والبعثيين).

أحدث المقالات