اجتاحت فرنسا-خلال الشهرين الماضيين-موجة بل موجات عارمة من التظاهرات والاضطرابات تكاد تكون عامة شملت قطاعات النقل البري والبحري والجوي، والنفط وقطاعات التربية والتعليم والصحة والجامعات. عمال وموظفون وطلاب جعلوا الحياة العامة اليومية تصاب بشلل تام في باريس واغلب المدن الفرنسية. كل هذا حصل وربما سيستمر بسبب قرار طرحته الحكومة للتصويت في البرلمان الفرنسي يقضي بتمديد قانون التقاعد سنتين اي يجعل عمر المحال على التقاعد”62 اثنتين وستين سنة” بدل من 60ستين سنة”. حجة العمال والموظفين ان ستين سنة عمر كاف للتقاعد عن العمل والاستمتاع بما تبقى منه في قضاء اوقات مريحة في اجواء اسرية بعيداً عن هموم ومسؤوليات ومشاكل العمل.
وحجة الطلاب ان اضافة سنتين الى سني الانتظار التي تعقب فترة التخرج ستطيل حرمانهم من الحصول على فرصة تعيين مناسبة بعد انتظارهم لاحالة افواج من المسنين الذين بلغوا ستين سنة على التقاعد وحجة الحكومة الفرنسية ان عدد المسنين في تصاعد وقد يبلغ نسبة 38% من سكان فرنسا بحلول عام 2050 وعليه فأن تمديد العمر التقاعدي سنتين سيوفر مردوداً مالياً يسهم في دعم الاقتصاد الفرنسي وانقاذه خلال الفترة الحالية التي تعاني فيها فرنسا وامريكا واوربا من تداعيات الازمة المالية.
المعروف ان نسبة البطالة في فرنسا تقارب 10% عشرة من المائة من مجموع الايدي العاملة ومع ذلك يرفض المجتمع الفرنسي اضافة سنتين لتمديد العمر التقاعدي. وعلى العكس من ذلك ترفع بعض الوزارات العراقية مقترحات بجعل سن التقاعد “67سبعا وستين سنة” لبعض الدرجات الوظيفية مع ان الجميع يعلمون ان نسبة البطالة في العراق تقارب 55% خمساً وخمسين من المائة من مجموع الايدي العاملة، وان بعض العاطلين مضى على تخرجهم اكثر من عشر سنوات. صحيح ان تحسن الرواتب خلال السنوات الاخيرة -حيث تجاوزت بعضها المليون والمليونين- يجعل بعض الموظفين يتمسكون بوظائفهم حتى يشيعوا الى مثواهم الاخير غير عابئين بصحتهم وراحتهم، ولو أن معظم الوظائف بطالة مقنعة و”اشطب يومك”، وبعضها مغبونة غارقة في العمل حتى اذنيها. الا انه يجب ان تضع الحكومة في الحسبان حقوق الخريجين الذين يتراكمون عاماً بعد عام، ومع توقف اقامة المشاريع والمصانع والمعامل فأن فرصتهم الوحيدة تكاد تكون محصورة في الوظائف الشاغرة بعد احالة المخضرمين الى التقاعد وبرواتب مجزية هذا اذا لم يكونوا حجزوها لآبنائهم وبناتهم ومن اوصوهم الدعاء.