4 نوفمبر، 2024 9:30 م
Search
Close this search box.

عقيدة التفكيك بين الإيمان والدين

عقيدة التفكيك بين الإيمان والدين

هناك ثلاثية لا بد من تحديد العلاقات فيما بين بعضها البعض؛ ثلاثية الإيمان الديني، الإيمان اللاديني، الإلحاد، وأعني به اللاإلهية atheism على وجه التحديد. ومن المهم جدا أن يحدد العقل موقفه من كل أضلاع المثلث، وطبيعة العلاقة بين كل من الثلاثة وكل من الاثنين المتبقيين، أهي علاقة تلازم، تضادّ، علاقة عموم وخصوص من وجه، أو عموم وخصوص مطلق. فسبق وبينت أنه في الوقت الذي يكون فيه كل دين لونا من الإيمان، لا يجب أن يكون كل إيمان دينا بالضرورة، إذن هي علاقة عموم وخصوص مطلق، وبالتالي لا تلازم بين الإيمان والدينية. وهكذا في الوقت الذي يكون فيه كل إلحاد لادينيا بالضرورة، فليس كل لادينية إلحادا، لوجود الإيمان اللاديني أو اللادينية المؤمنة، ومن هنا فلا تلازم بين اللادينية والإلحاد، بل هي الأخرى علاقة عموم وخصوص مطلق. على ضوء ذلك لا يجب أن تكون هناك ثنائية محضة على أحد طرفيها الدين أو الإيمان الديني، وعلى الطرف الآخر الإلحاد، بل هناك الإيمان اللاديني الذي يمثل الخيار الثالث، وهو في تقديري خيار العقل الفلسفي، لأنه الأكثر انسجاما مع كل من عقل وفطرة الإنسان، وهو إلى جانب ذلك الأكثر قدرة على الإجابة على الأسئلة التي بقيت بلا جواب شاف من قبل كل من مدرستي الدين والإلحاد، مع احترامي لعقلاء وإنسانيي كل منهما، ومع الإقرار أن الإلحاد لا يختزن خطورة على التعايش السلمي، كما هو الحال مع الدين، ومع الإقرار أيضا بوجود دينيّين معتدِلين سلميّين متسامِحين متنوِّرين عقلانيين إنسانيين، لكن الدين، أيّ دين، يختزن حيامن وبويضات التطرف بسبب نسبته إلى المطلق، وبالتالي اتخاذ الموقف الرافض بالمطلق أيضا لكل ما يعارضه، كلما اشتدت قناعة المؤمنين به وبإلهيته وبالتالي نهائيتيه واللامسموح التساؤل عنه والتشكيك به أو مخالفته بل حتى مناقشته.

وثمرة الخيار الثالث، أي هذا الإيمان العقلي، أو الإيمان اللاديني هو عقيدة التنزيه، المنزهة لله مما لا يليق بجماله وجلاله من مقولات الدين، والمنزهة له سبحانه من الإلحاد، أي من فلسفة لاوجود الخالق، أو الفلسفة المادية. وعقيدة التنزيه هذه قائمة على نظرية التفكيك بين الإيمان والدين كممكن عقلي ابتداءً، وراجح على ضوء الدراسة لمدى صدقية هذا الممكن على ضوء واقع الأديان، فكرا، وتشريعا، وتاريخا، وواقعا راهنا للأديان عموما، وللإسلام بشكل خاص، لاسيما الإسلام السياسي، لتنزيه عقيدة التنزيه هذه لمن هو أهل لتمام وكمال ومطلق التنزيه، وهي، أي عقيدة التنزيه، أو فلسفة التفكيك تعتبر نفسها في دعوتها خطوة، إما موازية لعقيدة الإيمان الظني، وإما خطوة متقدمة عليها درجة في التنزيهية، ولا يجب أن تكون لاغية أو ناسخة لها، وإن كانت هناك مرجحات لذلك إتماما لتنزيه الله وتحرير الإنسانية إلى آخر أشواط كل من التنزيه والتحرير.

أحدث المقالات