كيف حصل أن يفشل العراق، بعد ستَ عشرةَ سنةً بظل الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال – وفي ظل نظام برلماني يعتمد على المحاصصة الحزبية والطائفية، وفشل تلك الانتخابات في إقامة دولة مستقرَّة ونامية، فيما لدى العراق أهم العناصر المطلوبة، وبخاصة الثروة المادية (النفط والغاز والماء) والثروة البشرية (المتعلّمة والمُدرَّبة)؟ لم يحسنوا الإدارة ولا التصرّف في الموارد المالية والبشرية المتاحة لهم، فتنازعوا على السلطة والنفوذ والمال وهيّأوا الظروف والميادين لحرب أهلية طائفية فتحت الطريق لانتشار جماعات الإرهاب المتطرّفة (القاعدة وداعش وسواهما) ممن حظي بعضها بدعم لوجيستي ومالي من هذه القوى المتنافسة على السلطة والمال نفسها. وغالباً ما يُلقي زعماء هذه القوى باللائمة على الإرهاب لتبرير فشلهم في تحقيق الاستقرار وإقامة دولة قوية، لكنّه تبرير غير واقعي وغير قابل لأن يحمله عاقل على محمل الجدّ، فما كان لجماعات الإرهاب أن تجتاح نحو ثلث مساحة العراق وتحتلّ مدناً رئيسة فيه (الموصل وتكريت والفلوجة والرمادي وسواها، وصولاً إلى مشارف العاصمة بغداد) ملحقة هزيمة مدوّية بالقوات الحكومية المدجّجة بأحدث الأسلحة وأشدّها، في غضون أيام قلائل، لو كانت القوى السياسية المتنفّذة تتمتّع بمستوى متوسط في الأقل من الحساسية الوطنية – هذا الصراع الضاري على السلطة والنفوذ والمال انطلق مع بداية العهد الجديد، بخاصة بعد إقرار الدستور (2005) وإجراء أول انتخابات برلمانية (2006)، فالقوى الشيعية وجدت أن الدستور ونتائج الانتخابات فوّضتها سلطة حكم البلاد، بوصفها الأكثرية بينما القوى السنية اتّخذ معظمها موقفاً عبثياً لا يعترف بالدستور ولا بنتائج الانتخابات، قبل أن تتراجع لاحقاً لتقيم تحالفاً مع أحزاب شيعية على أساس نظام المحاصصة، الذي وضع الدستور جانباً وعطّل حتى اليوم كل إمكانية لتعديله وتصحيح أحكامه المتعارضة مع مبادئ الديمقراطية… أحزاب شيعية بعينها وأحزاب سُنية بعينها تقاسمت في ما بينها مصادر السلطة والنفوذ والمال
واليوم — حكومة عادل عبد المهدي معرّضة للتفكك في حال فشل التوافق بين سائرون والفتح ويقف على أكوام من الحجارة والخردة المتوزعة على أنحاء العراق، شاهدةً على فساد أحزاب الإسلام السياسي وفشلها في إقامة دولة في عراق ما بعد الاحتلال – وقد شكل انتخاب برهم صالح رئيسا للجمهورية وتكليف عادل عبد المهدي تشكيل الحكومة المقبلة، سقوطاً قاسياً للحزب الديمقراطي الكردستاني ولحزب الدعوة الإسلامي الشيعي. فللمرة الأولى منذ إجراء أول انتخابات تعددية في العراق العام 2005، يتم تكليف رئيس وزراء من خارج حزب الدعوة. وفي الوقت نفسه، سجل الحزب الديموقراطيالكردستاني، أكبر حزب كردي بزعامة مسعود بارزاني، خسارة كبرى، بفوز برهم صالح بواقع 219 صوتاً في مقابل 22 صوتاً لمرشح البرزانيين
ليس الأمر لعباً بالمحظورات، فامام بلد يتم استباحته بشكل منتظم على يد بيئة سياسية غارقة في الفساد والفوضى والصراعات والتسقيط المتبادل، ليس ثمة بديهية، والاصل هو العودة لمناقشة اسس كل هذا الارتباك ومواجهة الاسئلة الصعبة والاجابة عنها بشكل جماعي.
ومن الغريب ان تكون أكثر الاسئلة صعوبة هي أكثرها بديهية مثل : هل تكيف العراقيون على كل المستويات مع طبيعة النظام البرلماني بعد 13 عاماً من تطبيقه؟ وماهي المحاذير التي تمنع تطويره او تغييره اذا تطلب الامر؟ ولماذا تخشى الاحزاب السياسية مواجهة الجمهور بحيرتها امام التضارب الصارخ في فلسفة الدولة الادارية وفلسفتها السياسية؟ وماهي آليات التغيير آلامنةوالمطمئنة للجميع اذا حصلت قناعة التغيير؟ ليس لدى احد في العراق الوقت للاجابة .. فالكل مشغول بالتنابز بالاسئلة، كما التنابز بالاتهامات، وتدوير الحيرة وتوريثها للاجيال القادمة.
ونحن في العراق – بلد الفساد والصراعات- بلد العصابات والتجارة المحرمة- ماذا حققت الحكومات المتعاقبة والبرلمان طيلة 15 سنة ؟!!! اين الاعماروالبناء؟ اين المصانع والمعامل؟ اين زراعتنا واكتفائنا الغذائي ؟ اين مياهنا ومواردنا الطبيعية ؟ اين الكفاءات العلمية والاستثمارية؟ نريدعقولا ناضجة وطنية تعمل لمصلحة الوطن
بلا شك نحن بلد الفساد والويلات والدمار وسوء الخدمات بل انعدام الكهرباء وفساد التربية والتعليم والتلاعب بقوة الشعب وسرقة ثرواته واماله في حياة كريمة – وللظالم جولة افلا يتعضون؟!!