كلما أتفاعل مع عقول الدنيا أكتشف أن عقولنا عتيقة , وأتذكر ذلك الرجل الذي كان يجوب شوارع مدينتنا بعربته وهو ينادي “عتيق للبيع” , فيشتري بعض الأثاث القديم والحاجات الأخرى العتيقة بأبخس الأثمان ويقوم يتصليحها وبيعها.
نعم إن عقولنا عتيقة , فهي لا تصلح للزمن المعاصر , وإنما هي عقول ماضوية مشغولة في حل مشاكل الدهور والعصور والسوالف , ولا يعنيها من شؤون عصرها شيئا, أي أنها منقطعة عن زمنها وتستنزف طاقاتها في وهم ترمي الأزمان البائدة.
فعقولنا تفكر بأساليب غريبة , وعندما يتأملها العقل المتقدم يصاب بالدهشة والحيرة , ولا يفهم فيما نتحدث عنه وما نريد قوله.
فحينما يقرأ الكم الهائل من المقالات والدراسات التي تتصدى لموضوع قديم جدا , ينصعق , ويزداد حيرة وذهولا عندما لا يجد كتابات تتحدث عن التحديات المعاصرة والحاجات الإنسانية المتجددة.
ونراه يقول أن هذه كتابات أموات ولا يمكنها أن تكون لأحياء!!
وخلاصة آليات تفكيرنا وتوجهاتنا أنها سلبية تدميرية تعيق الخطو إلى أمام , وتدير ظهرها للأنوار وتخطو في أنفاق الظلام والبهتان.
في معظم كتاباتنا لا توجد إشارات إلى تطلعات إقتصادية وعلمية وثقافية وعمرانية , أو رؤية للمستقبل وكيف نحقق ما نريده من الآمال والأهداف , وكيف نعمل كفريق عمل واحد من أجل الأفضل.
لا يوجد عندنا هدف معاصر نسعى إليه , سواء في الصناعة أو الزراعة أو العمران.
أهدافنا إنتحارية , سوداوية , إستنزافية , فنحن ننشغل ببعضنا البعض , ولا ننشغل سوية بإنجاز هدف نافع , وبسبب هذا التصارع المتوحش تحولنا إلى مجتمعات مقهورة ذليلة , مستعبدة من قبل قوى متعددة , إبتداءً بالمتسلطين وما يرتبطون به من قوى أخرى طامعة بالبلاد.
إن المأزق الحقيقي الذي يواجهنا , هو هذا العقل العتيق الناكر للحقائق والعلوم والبديهيات والحجج والبراهين , العقل الذي لا يؤمن بالبحث العلمي وبالجد والإجتهاد والتفاعل العاقل ما بين الناس.
العقل الأبوي العقيم التسلطي الإستبدادي الذي يملي ويقول ولا يسمع.
العقل المذهون بإمتلاك الحقيقة , والممعن بالجهل والأمية ويحسب أنه يدري ويعلم.
إن مأساتنا تكمن في عقولنا المخرّبة الخَرِبة المعتقلة في أقبية البهتان والغيبيات.
فهل سنسترد عقولنا لكي نكون , وهل سنعاصر , أم أننا سنبقى في حالة إندحار في بدن الأجداث.
وهل من يقظة وثورة نهوض عقلي؟!!