26 نوفمبر، 2024 5:23 ص
Search
Close this search box.

عقود التراخيص

كان الرهان ولا يزال على النفط في تشكيل موازنة العراق، وبرغم تبني النظام السياسي الذي جاء في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2003 ، فكرة إقتصاد السوق، الا أنه لم يستطع أن يؤسس قواعد رصينة للقطاع الخاص لتحمل أعباء تشغيل الأيدي العاملة، وتحريك الإقتصاد الوطني نحو القطاعات الأخرى التي أصابها الإهمال، فيما إعتمدت سياسة الدولة الإقتصادية على الموارد النفطية المتعاظمة في تغطية نفقاتها من دون أن تستثمر هذه الموارد في تشغيل القطاعات المعطلة، مسلمة بأن النفط وحده كفيل ببناء إقتصاد قوي ومتين، من أجل ذلك كانت الفكرة المسيطرة على راسم السياسة الإقتصادية أن يرتفع بصادرات العراق النفطية الى عشرة ملايين برميل يومياً، ما تطلب التعاقد مع شركات نفطية عالمية في ما يعرف بجولات التراخيص، لتأهيل المنشآت النفطية العراقية لتكون قادرة على الصعود بالصادرات النفطية الى هذا المستوى.المتحمسون لرفع سقف الصادرات، ولاسيما في ظل إرتفاع سعر برميل النفط الذي تجاوز الـ ” 100 ” دولار، لم يدركوا أهمية أن يجدوا سوقاً لإستيعاب هذه الكميات الكبيرة من النفط، فيما تتطلب عملية الإنتاج نفقات كبيرة لبناء منشآت وبنى تحتية وحفر آبار، لاشك أن الشركات المتعاقد معها ستتحمل جزءاً كبيراً منها في مجالها الإستثماري، لكن في المقابل تبقى على الجانب العراقي إلتزامات مالية واجبة الدفع أيضاً، ناهيك عن التضخم العالي في كلف الاستخراج والانتاج والتشغيل وتصاعد الحصص الربحية للعمليات المرتبطة بشركات النفط في عقود وجولات التراخيص، والتي تبلغ ”  1,5 – 2,5 ” دولار للبرميل بالنسبة للحقول المطورة ، و ” 12 – 16 ” دولاراً للحقول غير المطورة، ومن هنا يتضح حجم الأرباح الذي  تحقق للشركات النفطية المتعاقد معها، عندما كان سعر برميل النفط ” 100 ” دولار، صعوداً، فيما تشكل هذه النسب عبئاً مضافاً على الدولة في ظل التدهور الحاصل اليوم في أسعار النفط، حتى مع حصول أي حالة إنتعاش في أسعار النفط، كون النسب المستقطعة ستحرم العراق من هامش الربح المتحقق، حتى إذا فكر في زيادة صادرته، لأن كلف الإنتاج ستقلص من قيمة الواردات الداخلة الى الميزانية لصالح الشركات، هذا إذا سلمنا بوجود سوق تتقبل الحصص الإضافية من صادراتنا النفطية، إضافة الى وجود حقيقة لاينبغي التغافل عنها، وهي أن العراق عضو مؤسس وجزء مهم من منظمة أوبك، وهو ملزم بالحصص المقررة له، ولاسيما أن فكرة تجميد الإنتاج النفطي مطروحة اليوم بقوة من أجل وقف حالة التدهور في أسعار النفط.الأزمة المالية التي يواجهها العراق، تدعوه الى التفكير بجدية بإيجاد مصادر تموين ودخل متعددة تردف قنوات الإقتصاد، وعدم الإبقاء على النفط كمصدر وحيد لموارد ميزانيته، وبالإمكان الإستعانة بتجارب دول الجوار النفطية التي إستطاعت أن تتحرر من تبعية النفط، من خلال إيجاد موارد أخرى تقدمت عليه.   عقود التراخيص، التي تمتد الى عشرين سنة، تعيد الى الإذهان تلك الشركات الإحتكارية التي كانت تسيطر على النفط العراقي، وعلينا أن نحرر مواردنا النفطية من أية تبعية كانت، مثلما نطالب بوضع خطط كفيلة للإستقلال من الإقتصاد الريعي.

أحدث المقالات