التضييق المالي على حزب الله زاد من شهيته على الغرف من المال العام وبشكل منظم بدرجة أولى، من خلال تغطية عمليات التهريب عبر الحدود المتاح له تجاوزها من دون مساءلة.
تستعد وزارة الخزانة الأميركية لإدراج حزمة من العقوبات المالية على مؤسسات وأفراد تتهمهم بتمويل حزب الله أو بالتعاون معه. هذه الحزمة التي ينتظر أن تصدر خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة تأتي ضمن سلسلة من الإجراءات المشددة اتخذتها واشنطن ضد عمليات نقل الأموال من وإلى لبنان غير الشرعية من جهة، وعلى حزب الله من جهة ثانية، وكانت واشنطن أدرجت خلال السنوات القليلة الماضية عددا من المؤسسات ورجال الأعمال على اللائحة السوداء.
الجديد الذي تتداوله أوساط مصرفية على صعيد العقوبات المالية المرتقبة، هو تنفيذ هذه العقوبات على أفراد منتمين لتنظيمات لبنانية حليفة لحزب الله، وبشكل خاص على أفراد من حركة أمل أو قريبين منها وكذلك آخرين من رجال أعمال ينتمون إلى التيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي المعروف بعلاقته الوثيقة بالنظام السوري وأجهزته، كما بعلاقته مع حزب الله.
وإذا صحت هذه المعلومات التي تتداولها جهات لبنانية سياسية وأشارت إليها مؤسسات صحافية وإعلامية عدة، فإن ذلك يعد أول خطوة أميركية تلامس عقوباتها جهات لبنانية حزبية لا تدرج في خانة القوى المعادية لواشنطن، لا سيما حركة أمل والتيار الوطني الحر، وهما الطرفان اللذان يتولى زعيماهما رئاسة مجلس النواب (الرئيس نبيه بري) ورئاسة الجمهورية (ميشال عون).
ويمكن القول إن العقوبات المالية الأميركية المتدرّجة والتي منعت على المصارف اللبنانية تسجيل حسابات لمسؤولين ومؤسسات وأفراد في حزب الله، تحت طائلة مصادرة الأموال، واتخاذ إجراءات عقابية ضد المصارف التي تعمد إلى فتح هذه الحسابات، ساهمت في التضييق على المصارف التي باتت ملزمة بإجراءات مشددة على سياسة فتح الحسـابات المصرفية وعلى عملية انتقال الأموال من وإلى لبنان.
وكان لافتا خلال شهر مارس الماضي اعتقال أحد أبرز رجال الأعمال اللبنانيين قاسم تاج الدين في مطار الرباط بالمغرب من قبل الإنتربول وتسليمه إلى واشنطن، وهو من رجال الأعمال الذين تحوم حولهم شبهات تمويل حزب الله عبر نشاطات استثمارية مشتركة يقوم بها في لبنان ودول أفريقية.
اعتقال تاج الدين الذي لم يلقَ أي رد فعل لبناني رسمي ولا من قبل حزب الله، أظهر إلى حدّ بعيد أنّ الإجراءات الأميركية تستند إلى وقائع يصعب دحضها في سياق ما تعتبره تجاوزا لأنظمة وقرارات وضعتها لمـواجهة عمليات مالية غير قانونية.
اعتقال تاج الدين من قبل السلطات الأميركية فتح الباب واسعا على المزيد من التكهنات حيال إجراءات عقابية قد تطال رجال أعمال لبنانيين استثمروا في السنوات الماضية قوة ونفوذ حزب الله الأمنية والعسكرية والسياسية في لبنان والمنطقة للقيام باستثمارات ونشاط تجاري، سواء في لبنان أو العراق أو إيران، ورغم أنّ عددا كبيرا من رجال الأعمال نفروا من حزب الله بعدما تشددت الخزانة الأميركية تجاهه ماليا، وبعدما صار اقترابهم منه ماليا مكلفا بعد أن كان مربحا ويوفر فرصا للربح، فإن ذلك لا يقلل من أهمية الشبكة المالية التي لا يزال حزب الله يعتمد في تمويله عليها، والتي امتدت إلى دول عدة سواء في أميركا اللاتينية أو الخليج العربي وحتى أميركا نفسها.
يؤكد بعض الخبراء المصرفيين وغيرهم من السياسيين أنّ الموارد المالية لحزب الله تراجعت بشكل لافت في السنتين الأخيرتين، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال تراجع الدعم المالي الذي كان يقدمه لجهات سياسية ودينية وحزبية حليفة، ومن عمليات تسريح المئات من عناصره بعدما تحول، خصوصا بعد حرب 2006 مع إسرائيل، إلى ثاني رب عمل في لبنان بعد الدولة اللبنانية، ورغم أنّ الحرب في سوريا تستنزف واستنزفت قدرات حزب الله المالية فضلا عن العسكرية والبشرية، فإنّ تراجع القدرة المالية لديه يرتبط إلى حدّ كبير بالتضييق المالي الذي سببته الإجراءات الأميركية.
وتضيف المصادر أنّ الدعم الإيراني الثابت لحزب الله منذ تأسيسه لا يتجاوز 50 بالمئة من ميزانية الحزب، بل وفر النفوذ العسكري لحزب الله وحرية الحركة عبر المرافئ اللبنانية والانتقـال غير المقيد عبر الحدود البرية فرصا لتحصيل مـوارد مالية بوسائل لا تخطر على بال المواطن العادي، وهذا الامتياز الذي فرضه حزب الله بذريعة المقاومة، كان يغطي شبكة مترامية الأطراف في لبنان وخارجه، عمد حزب الله إلى استثمارها في عمليات غير قانونية من أجل توفير المال.
عنصر آخر أساسي في تمويل حزب الله يتصل بالمال العام، أي الدولة اللبنانية وخزينتها، إذ ليس خافيا أنّ حزب الله الذي يسيطر على نحو مئة بلدية واتحاد بلديات في لبنان، نجح بطرق مختلفة ومنظّمة في تجيير جزء أساسي من أموال البلديات لتمويل أنشطته، والأهم لدفع رواتب عناصره الذين يندرجون في الاسم ضمن العاملين في البلدية ولكنهم بالفعل ينفذون تعليمات حزب الله وقراراته وهذا ما يعرفه أبناء البلدات التي يتولى حزب الله السيطرة على إدارة مجالسها البلدية، إذ يمكن القول إنّ أموال البلديات هذه التي تأتي من الجباية من المواطنين ومن خزينة الدولة، تخضع بمجملها في تلك البلديات إلى إدارة موحدة هي من تأمر بالصرف والتوظيف.
وقد عمد حزب الله أخيرا من خلال اتحاد البلديات (يجمع عدة بلديات) إلى احتكار بيع الطاقة الكهربائية وإنتاجها لصالح “الاتحاد” وهو مصدر مهم من مصادر تحصيل الأموال يتيح لحزب الله توظيف الآلاف من عناصره ويخفف من أعباء تمويلهم.
وقبل كل ذلك وبعده يمكن القول بثقة إنّ أكبر عملية نهب تمت للأملاك العامة في لبنان ولا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الله، جرت خلال سيطرة حزب الله وهذا ما يمكن رصده بوضوح في الجنوب والبقاع وبيروت والضاحية الجنوبية خلال السنوات العشر الأخيرة في الحد الأدنى وغيرهما، بحيث تمت مصادرة أراضٍ بشكل غير قانوني وبغطاء فعلي من حزب الله وبقوة بندقيته التي يسميها بندقية المقاومة، فيما الأجهزة الرسمية تقف شاهدا بحالة عجز في أغلب الأحيان وبتواطؤ أحيانا أخرى.
التضييق المالي على حزب الله زاد من شهيته على الغرف من المال العام وبشكل منظم بدرجة أولى، من خلال تغطية عمليات التهريب عبر الحدود المتاح له تجاوزها من دون مساءلة وهذا ما يتيح له ربط شبكة من التجـار ورجال الأعمال من انتماءات مختلفة لقدرته على تنفيذ عمليات تجارية غير قانونية من دون أي مساءلة، وبدرجة ثانية من خلال ما يمكن أن يستحصل عليه بشكل شبه قانوني من نظام المحاصصة في الدولة كطـرف أسـاسي في الحكـومة ومجلـس النواب، وبدرجة ثالثة التمويل الإيراني.
وتأتي حزمة العقوبات الأميركية التي تعتمد طريقة متأنية ومتدرجة، لتطال أفرادا ومؤسسات في جهات حليفة لحزب الله مثل حركة أمل والتيار الوطني الحر، وهي رسالة ستكون ذات دلالة سياسية لجهة أن الإدارة الأميركية الجديدة ذاهبة نحو المزيد من التشدد تجاه حزب الله، الذي حظي في عهد الإدارة الأميركية السـابقة بنوع من المـراعاة لا سيما في عدم مجابهة واشنطن لقرار تورطه في الحرب السورية. وكان لافتا أن يترافق تداول الإجراءات العقابية على أمل والتيار الوطني الحر مع أمرين برزا في الأسبوع الماضي.
الأول يتمثل في مواجهة شبه معلنة بين حزب الله والتيار الوطني الحر على خلفية قانون الانتخاب، حيث برز اتهام غير رسمي من قبل التيار الـوطني الحر بأنّ حزب الله يعرقل رؤية التيار ومشاريعه المقدمة لقانون الانتخاب.
ومن ناحية ثانية حصول منازعات بين عناصر حركة أمل وحزب الله في ثلاث بلدات حدودية مع إسرائيل خلال أسبوع، أدّت إلى إطلاق نار بين الطرفين لا سيما في بلدتي ميس الجبل ومركبا.
يقرأ بعض المراقبين هذه الشواهد على أنّها رسالة ضمنية لجهات خارجية من قبل حركة أمل والتيار الوطني الحر مفادها أنّه ليس صحيحا أنّنا على ما يرام مع حزب الله، فهل تحُول هذه الرسالة دون إصدار لائحة عقوبات أميركية ضدهما أو تخفف من حدتها؟
نقلا عن العرب