22 نوفمبر، 2024 9:35 م
Search
Close this search box.

عقد فيينا 2 .. المنقطع والدائم

عقد فيينا 2 .. المنقطع والدائم

عجّ مؤتمر فيينا الذي عقد نهاية شهر أكتوبر 2015 لمناقشة الشأن السوري بحضور متنوع ومتعدد التكتل والاقطاب الدولية والاقليمية الاّ انّ الحضور بأجمعه ظهر بين مؤثر ومتأثر وبينهم شعوب، ودماء، واهداف، وأجندات وملفات صغيرة، وأحداث تفصيلية في الحرب والدمار والحوار السياسي، ولم تصمد مفردات ودعوات بعض الدول الحاضرة التي ردّدت (النأي بالنفس)، اتضح انها جزءاً مهماً في الحل والتعقيد على صغر مساحة هذه الدولة ( لبنان )، ولم تصمد طروحات الثورة والانتفاضة الشعبية والديمقراطية وتغيير الدكتاتوريات ومساعدة الشعوب ورفاهية المجتمعات وحقوق الانسان والمنظمات الدولية ومجلس الامن والقوانيين والدساتير المرتبطة، لتعود الى أصل الانشاء والتكوين لهذه المسمّيات كلها والوقوف عند (صراع من اجل البقاء).

الاطراف جميعها في شبه اتفاق على عدم وضع خطوط حمراء أمام الآخر، وأول هذه الاطراف هو الولايات المتحدة الاميركية التي لم تضع شرطاً او قيداً مسبقاً امام الاطراف الاخرى، ولاسيّما روسيا وسوريا وايران، بل عمدت الى تسريب رسائل عبر اعلامها ومراكز التفكير الاميركي انها لها تفاهمات مع الجمهورية الاسلامية الايرانية عبر مفاوضات الملف النووي التي انتهت باتفاق تاريخي هذا العام، وان كان الملف ما زال محل أخذ ورد، قبول ورفض بأوساط المؤسسة الرسمية وجماعات الضغط في كلتا الدولتين.

إنّ مؤتمر فيينا وبالرغم من عنوانه الكبير ( الشأن السوري )، إلاّ انّ حركة الوفود ورسائلها المتبادلة قبل واثناء المؤتمر كانت تستعرض وجودها النوعي في كامل منطقة الشرق الاوسط وخصوصاً المشرق العربي، فالتحالف السعودي العسكري في حربه على اليمن يكثّف جهوده العسكرية لتحقيق تقدم في الاراضي اليمنية لصالح حلفائه من حكومة هادي والتنظيمات الاسلامية المتطرفة، ويرافق ذلك تهويل وترويج إعلامي الى ما هو أكبر من مواقع التقدم ويضع باب المندب قاب قوسين او أدنى من السيطرة والتصرف والاحكام السعودي، وليس بيد الايراني او من يمثله في اليمن، وانّ شبح تهديد الأمن القومي السعودي في هذه الخاصرة قد انتهى، والمطلوب من الاطراف الاخرى ان تقدم لنا شيئاً آخر في سوريا وتستجيب

لطروحاتنا أو أننا ننجزها بأيدينا بعاصفة عزم ثانية، وروسيا كانت واضحة عند مشاركتها في الحرب على الارهاب في سوريا وذهبت الى الاهداف التي تمثل أدوات أميركا والسعودية وتركيا ومن مختلف مسمّيات الجماعات المسلحة كالنصرة والجيش الحر وسائر مجموعات جيش الفتح، وهدّدت مناطق النفوذ التركي بشمال سوريا وحتى الحدود التركية السورية، وأحدثت فاجعة باستراتيجية الاميركي الذي امتد لاكثر من ثلاث سنوات في إنشاء مسمّى كيان معارض بالسيطرة الاميركية، وأميركا ذهبت الى منطقتها الرخوة ومجال نفوذها السياسي والأمني الأضعف وهو العراق وأنجزت عملية اعتبرتها بطولية لصالح حكومة كردستان العراق وغياب دور وعلم وحضور الحكومة العراقية ، كذلك تحصّنت في غرب العراق بمحافظة الانبار بقواعدها وجماعاتها المسلحة من أبناء هذه المنطقة الموالين لها واعلنت انها وهذه المجموعات واخرى حكومية ستحرّر الأنبار، والجمهورية الاسلامية استعرضت وجوداً عسكرياً غير مسبوق في سوريا ليشكّل جيشاً للقوة الجوية الروسية ويتحرك في مناطق النفوذ المفترضة للحكومة السورية ولها. كذلك مناطق النفوذ الروسي المفترض في الساحل بالاضافة الى مناطق أخرى تعدّ مناطق نفوذ تركي في حلب، وآخرها إسرائيلي في (السويداء) فضلاً عن حركة الحشد الشعبي العراقي باتجاه الشمال واتمام محافظة صلاح الدين، والحصر باتجاه الانبار والتضييق في مدينة الفلوجة القريبة على بغداد. هذه الرسائل وغيرها مثّلت محددات وخرائط المفاوض لهذه الاطراف، وتصبح الاهداف والشعارات والمطالب التي تذرّعت بها الاطراف التي قادت الحرب على سوريا (اميركا، السعودية، وتركيا) في مرحلة ومنطقة أخرى بالاولويات الحقيقية لهذه البلدان، ومنها تغيير النظام، او إسقاط حكومة الاسد ليصبح أمراً طبيعياً حتى وإن حصل، لانه سيكون في كنف الدولة السورية وخلالها وحافظاً لها، وعندما تنتهي أو تتحدّد بمستوى أدنى سقوف (محور) أميركا في الحرب على سوريا باهدافها المعلنة (التغيير)، وكذلك تبقى العقدة الامريكية الكبرى في تواصل محور المقاومة من طهران الى جنوب لبنان وفي سوريا وهو الجزء الأهم من هذه الحرب بالنسبة للولايات المتحدة وحلفاؤها باعتباره يحقق أمن إسرائيل ويقضي على خصومها المباشرين المؤثرين في جبهة المواجهة .

إنّ طاولة فيينا وهي تكشف تبعثر الاجراء الاميركي (حالياً) لأنّه لم يكشف عن استراتيجية (الاستمرار) وعدم الاخذ بالحسبان ان تشترك روسيا بالحرب على الارهاب بهذه الطريقة المباشرة والقوية ليضعها بين حرج القبول وحرج الرفض بمواجهة مكلفة للولايات المتحدة وحلفاؤها باعتبار انّها أهملت مفهوم التوازن التقليدي المعروف، وبالتالي فانها ستذهب من جديد للعمل مع الكبار في العالم

(روسيا) مرة أخرى، على أمل استراتيجي جديد في نشوء أو بروز تقاطع (اختلاف) أهداف استراتيجية بين إيران وروسيا، من قبيل شكل الدولة والحكم السوري القادم او توزيع مناطق النفوذ، وتتمكن الولايات المتحدة النفوذ بقوة إلى الملف السوري، والخيار الآخر المحرج ايضاً للولايات المتحدة هو التكيف مع مطالب وأهداف الجمهورية الاسلامية وضمان المصالح الروسية في سوريا والمنطقة والابقاء على الرؤية الاستراتيجية الاميركية في الهيمنة على العالم، وهذا سيكلفها كثيراً بالعلاقات الخارجية والاستراتيجية مع حلفائها التقليديين بالمنطقة، ولاسيّما بلدان المشرق العربي وبالأخص دول الخليج.

أحدث المقالات