18 ديسمبر، 2024 8:03 م

بعد عشر سنوات على ذكرى اليوم الأسود في تاريخ العراق الحديث، وضياع ثلثًا مساحة بلاد الرافدين بيد المتطرفين الجدد، أطل علينا محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي في مقابلة تلفزيونية ليسرد لنا وقائع يحاول من خلالها إيجاد مبررات تضعه بخانة الأبرياء، ويبعد عن نفسه مسؤولية المشاركة بسقوط ام الربيعين باعتباره شاهد “ملك” على تلك الاحداث وتطوراتها وكيف انتهت بعد ثلاث سنوات من الدمار الذي اصاب مكونات المحافظة.

قيل قديما “لا تبحثوا عن أسباب الحروب في براميل البارود”.. نعم تلك الكلمات اختصرت العديد من الاسباب التي كانت وراء دخول التنظيم الارهابي مدينة النبي يونس وقتل المئات وتشريد الالاف من “عباد الله” والتي بدأت فصولها “التعيسة” صبيحة العاشر من حزيران في العام 2014، حينما اعلن داعش سيطرته على جانبي الموصل (الايمن والايسر)، بموقف تعرضنا خلاله لصعقة ما زالت اجسادنا ترتعش بسببها في كل مناسبة نستذكر خلالها تلك الساعات التي تلقينا فيها الانباء الاولية عن انسحاب القوات الامنية بشكل كامل من المدينة وانتشار عناصر التنظيم الارهابي في مناطقها، حتى امتزجت كلمات كتابة الاخبار العاجلة مع “صرخات” النازحين وهم يتركون منازلهم نحو المجهول، كنا نتسارع للحصول على المعلومة من مصادرنا في الموصل، لعل مايحصل قد يكون “خدعة” امنية او خطة محكمة لاستدراج المسلحين، لكنها كانت “الصدمة” بتأكيد السيطرة الكاملة على قلب المدينة وازقتها وهروب حكومتها المحلية وبمقدمتها المحافظ اثيل النجيفي الذي خرج قبل ليلة من انتشار المسلحين حاملا بندقيته بحركة اشبه بافلام الهوليود، متجاهلا بانه احد اسباب الانهيار.

وبالعودة للسيد النجيفي، فانه حاول ممارسة دور “البهلوان” والهروب من عدة اسئلة طرحت خلال البرنامج الحواري، ومنها “خطابه الطائفي” الذي كان يسوقه قبل حصول الكارثة وتحشيده الاهالي ضد القوات الامنية وخاصة الجيش، باوصاف عديدة منها “جيش المالكي” نسبة لرئيس الوزراء في حينها نوري المالكي، وحتى قوات الشرطة كان لها نصيب من تحركات النجيفي حينما رفض مع مجلس المحافظة قرار وزارة الداخلية بتعيين قائد جديد لشرطة نينوى، قبل نحو ثلاثة اشهر من  دخول داعش، ونصب نفسه قائدا للشرطة باعتباره رئيس اللجنة الامنية العليا في المحافظة، ليقرر بعدها اعادة قائد الشرطة المبعد بقرار من وزارة الداخلية اللواء خالد الحمداني قبل ايام معدودات من سقوط المدينة بيد المسلحين، جميع تلك النقاط حاول النجيفي “التغاضي” عنها والهروب من مناقشتها، ليقدم رواية “مغلوطة” انكر خلالها وجود عمليات اعتداء على الجيش التي كانت تمارس بشكل علني وفي شوارع المدينة، كنتيجة “حتمية” للفجوة التي صنعها المحافظ والقوى السياسية في نينوى بين الاهالي والقوات الامنية.

صحيح.. مسببات احتلال الموصل ومناطقها لم تتولد في حزيران 2014، وسبقتها سنوات من الفشل الاداري والتحريض “الطائفي” والفساد لدى بعض قيادات الاجهزة الامنية التي كانت توفر الحماية لبعض الجهات حتى تتقاسم معها “الاتاوات” بعد جمعها من المواطنين اصحاب المحال التجارية والمشاريع الاستثمارية والمقاولين، ولا نستبعد “التجاهل” المتعمد او “الاهمال” في مواجهة انتشار الافكار المتطرفة والسلاح، حتى تحولت المدينة “لقنبلة موقوتة” انفجرت بمجرد نزع “مسمار الامان” حينما تعاونت حكومتها المحلية وبمقدمتها اثيل النجيفي مع قيادات امنية وعسكرية من عهد النظام السابق يعملون مع تنظيم النقشبندية الذي يقوده عزة الدوري نائب صدام حسين، ليقنعوا النجيفي بان المدينة ستكون بايديهم بالاتفاق مع تنظيم داعش، ورفعت حينها صور صدام حسين في الدوائر الرسمية خلال الساعات الأؤول من سقوطها وأصدروا الاوامر بتعيين اللواء ازهر العبيدي محافظا لنينوى، قبل انقلاب داعش على حلفائه ليتحولوا من مشاركين بقيادة المحافظة إلى مطاردين يبحث عنهم التنظيم الارهابي لقتلهم او احتجازهم، وهي نقطة حاول اثيل النجيفي خلال الحوار المتلفز تجاوزها حينما تحدث بجزئية عن ضباط كبار في الجيش السابق اجتمع معهم لاخذ مشورتهم في كيفية مواجهة عناصر داعش، قبل ثلاثة ايام من سقوط المدينة، وغادر أهم نقطة في تعريفهم، لكونهم من الطريقة النقشبندية.

الخلاصة: إن النجيفي وبعد عشر سنوات على سقوط الموصل وسبعة اعوام على تحريرها حاول تقديم رواية جديدة، تستند على “ضعف” الاستراتيجية” العسكرية في مواجهة التنظيمات الارهابية قبل دخولها المدينة، من خلال حديثه عن تجميعهم في الجانب الايمن والقضاء عليهم بشكلٍ تام، ليلغي بهذا جميع الاسباب التي شارك في صياغة بعضها، واخترع “كذبة” جديدة باتهام القوى السياسية الشيعية بانها تعمدت اسقاط المدينة لخلق شكل جديد للعملية السياسية تتصدره الفصائل المسلحة والخطاب الديني، وتناسى بان سياسته كانت احدى الاسباب الرئيسة في صناعة هذا النموذج من النظام، لان الدولة لم تجد امامها غير فتح باب التطوع بفتوى من المرجعية الدينية العليا لتحرير المدن والتخلص من “العار” الذي اوجده النجيفي وغيره من الساسة المتمسكين بالطائفية والحصول على الامتيازات بغض النظر عن الثمن حتى لو كانت الارض، كما فعلها جده، الذي سلم اسطنبول فرمان الدولة العثمانية من اجل الحاق الموصل باراضي السلطان،.. اخيرا… السؤال الذي لابد منه.. بعد عشر سنوات على النكسة.. هل تعلمنا من درس سقوط الموصل؟.