23 ديسمبر، 2024 1:26 ص

عقد الذئب والحملان

عقد الذئب والحملان

في ساحة التحرير، قال السيد مقتدى الصدر لمئات آلاف المتظاهرين؛ اليوم نحن على أسوار المنطقة الخضراء وغدا سيكون الشعب فيها ليستعيد حقوقه من الفاسدين والظالمين. لا يبدو هذا الكلام عجيبا، أوعجائبيا، إلا بحدود مشاركة كتلة الاحرار في البرلمان وفي التشكيل الحكومي الذي ولد من رحم المحاصصة السياسية. لكن الصدر لم يفته فك الاشتباك بين تاريخ العائلة الصدرية، وبين الفاسدين والمفسدين من المنتمين الى التيار، حين قال:اليوم أقف مع ذلك الصوت، صوتكم صوت الحق، وأعلن براءتي من كل فاسد وكل ظالم مهما كان مقربا لي أو منتميا لي أو خارج عن ذلك.
لا أعني بالعائلة الصدرية، ذلك المفهوم الضيق لشخصنة الفلسفة الصدرية بابعادها السياسية عند السيد محمد باقر الصدر أو السيد محمد محمد صادق الصدر، بل أعني الحيز الجماهيري الذي تمكنت من شغله والاشتغال عليه في آن واحد، حتى غدت وكأنها جمعت بين إرثين، الارث الصدري بابعاده الدينية و تأثيراته الشعبية، وإرث اليسار العراقي بعمقه التاريخي وآليات حركته في الشارع التي نجحت الى حد كبير في تفجير الطاقات الجماهيرية لمناهضة الاستبداد في العقدين السابقين لثورة 14 تموز، لكنها انكفأت ما بعد عقد الثمانينات وتاهت في دهاليز الاحتلال الامريكي للعراق ما بعد نيسان 2003.
إذا أعدنا قراءة لجنة اختيار الوزراء التكنوقراط التي اقترحها السيد الصدر، سنجدها بالكامل خارج عباءة التيار، بل خارج عباءة الاحزاب الاسلامية، ولم يتحرج الصدر من تضمينها شخصيات يسارية أو ليبرالية، طالما كان المعيار هو المهنية والنزاهة في الاختيار على أسس علمية قد تنقذ العراق من الهلهلة السياسية والهلهلة الامنية والهلهلة الاقتصادية أيضا.
القراءة الصدرية للمشهد السياسي تتماهى مع المزاج الشعبي العام، وتكاد تستلهم وتلهم الحيز الواسع من الغضب الجماهيري المتصاعد ضد الفساد ورموزه الذي مأسس العلاقة بين الحكومات المتعاقبة والجماهير على انها عقد إجتماعي قائم على قاعدة العلاقة بين ذئاب وحملان.
جمعة الصدر كانت انذارا بوقف العبث التكتيكي أوالعبث الاستراتيجي، وقد تعيد توصيف العلاقة بين الضحية والجلاد، بالاحرى، العلاقة بين الذئاب والحملان، لم يعد تبادل المواقع مستحيلا في حلبة يسودها غضب مقدس، غضب من حال بلد كأنه يعيش في كوكب من تلك الكواكب المرعبة التي تقدمها أفلام هولييود ذات الخيال المنفلت. وفي المقارنة بين الحالين، أكاد أجزم ان الحال العراقي الراهن أكثر غرائبية من انفلات المخيلة الهوليودية.
خطاب الصدر، طرد الشبح القابع تحت ثياب الناس، بل تحت جلودهم. و قد لا يتمكن المتظاهرون من إقتحام المنطقة الخضراء، لكنهم سينقلون سكانها الى ساحة التحرير سحلا بالحبال، وهي ثقافة عراقية ملاصقة للحظة الغضب التي غالبا ما يفجرها تموز عراقي ساخن، بعد كل تلك الاعوام من الحجل السياسي على خط رفيع جدا وقصير جدا، أعوام الفراغ والفوضى الشاخصين منذ اللحظة النيسانية تلك التي وأدت الدولة العراقية، كما وأدت الحلم العراقي بالحرية والتحرر من ربق النظام الدكتاتوري الشمولي.
مطرقة الصدر على رأس السياسيين الفاسدين كان لها صدى تردد في أروقة مسرح المؤامرات لذبح العراق واقتسام ثرواته كغنائم، أروقة المنطقة الخضراء، و مفادها، ان انقاذ العراق أكثر أهمية من انقاذ أي شخص أو حزب، ولو كان…صدريا