19 ديسمبر، 2024 1:36 ص

عرف الانسان منذ القدم العقود و التصرفات المالية وتعامل بعقود المعاوضات المختلفة و منها البيع وكانت لهذه المعاملات المالية احكام واثار تعود الناس عليها, لانها ظهرت بارادتهم و غاياتهم التي تعاقدوا من اجلها و اصبحت هذه نتائج عرفية لتصرفاتهم يلزمهم بها العرف (1)  حتى اصبحت تشريع ملزم لغالب المجتمعات وعلى مدار العصور(2) .
وقد سبقت الشريعة الاسلامية التشريعات المتقدمة في وضع الاحكام الشرعية للمعاملات ومنها البيع فعرفه العلامة الحلي 🙁 هو اللفظ الدال على نقل الملك من مالك الى اخر بعوض معلوم ) (3) ، وكذلك ذكره بعض فقهاء الشريعة بانه ( انتقال عين مملوكة من شخص الى غيره بعوض مقدر على وجه التراضي ) (4) ، فيما ذكر كتاب مرشد الحيران بالمادة (343) البيع بانه ( تمليك البائع مال للمشتري بمال يكون ثمناً للمبيع ) وهو ماجاء متطابقا مع نص المادة (369) من مجلة الاحكام العدلية الذي وصفته بانه ( حكم البيع المنعقد الملكية يعني صيرورة المشتري مالكاً للبيع ، والبائع مالكاً للثمن ) و هذا يعني ان عقد البيع اذا كان صحيحاً ناقداَ لازما , تنتقل الملكية فيه من البائع الى المشتري بالعقد المباشر (5) .
وعرف عميد الفقه القانوني الفرنسي ( بوتيه ) البيع : (عقد بموجبه يلتزم احد المتعاقدين و هو البائع نحو المتعاقد الاخر ان ينقل اليه شئ يحوزه كمالك لقاء ثمن هو مبلغ معين من النقود و يلتزم المتعاقد الاخر و هو المشتري مقابل ذلك ان يدفع الثمن ) (6) .
وهكذا اهتمت التشريعات الحديثة بعقود البيع فعرف القانون المدني المصري  ( البيع عقد يلتزم به البائع ان ينقل للمشتري ملكية شئ او حقاً مالية اخر في مقابل ثمن نقدي ) (7).
اما القانون المدني العراقي فقد ذكر بالمادة ( 73 ) منه ,العقد : (هو ارتباط الايجاب الصادر من احد العاقدين بقبـول الاخر على وجه يثبت اثره في المعقود عليه ) .
فيما خصص المشرع العراقي الفصل الاول من الباب الاول من الكتاب الثاني بالمواد (506-600) ( 8) وتناول فيها جميع احكام البيع بتفصيل محكم . فعرف البيع في المادة  (506) منه ( مبادلة مال بمال) وهو اقتباس من المادة (105) من مجلة الاحكام العدلية ( مبادلة مال بمال و يكون منعقداً و غير منعقد )  . و نصت المادة   ( 507 ) من القانون المدني العراقي , البيع : (باعتبار المبيع اما ان يكون بيع العين بالنقد وهو البيع المطلق او بيع النقد بالنقد و هو الصرف او بيع العين بالعين و هو المقايضة ) .
ومما تقدم يظهر ان ما ذهب اليه : ( بان في عقد البيع يقوم شخص معين ( البائع )  بنقل حقه و ملكيته لشئ معين الى شخص آخر و هو ( المشتري ) الذي يكون التزامه بدفع قيمة الشئ الذي اشتراه بمبلغ من النقود ) ، هو الأرجح تعريفاً للبيع .

أركان عقد البيع
لعقد البيع اركان كسائر العقود الاخرى حيث ان بدون توفر اركانه لا يحدث الاثر القانوني الكامل للعقد .
و أركان عقد البيع هي ( الرضا و المحل و السبب ) .
( أما المحل فهو ركن من الالتزام لا في العقد، ولكن أهميته لا تظهر إلا في الالتزام الناشئ من العقد، فالمحل يبحث عادة ضمن أركان العقد. وقد يتطلب القانون إفراغ التراضي في شكلية معين ومن هنا كان الشكل ركن من أركان العقد الشكلي وفي ضوء ما تقدم نبحث في أركان العقد، التراضي والمحل والسبب ) (9).
( اما السبب فلم يورد المشرع نصا خاصا به في عقد البيع لان هذا العقد لايتميز باي خصوصية فيما يتعلق بالسبب لذلك لا ضرورة من بحثه و يتعين الرجوع بشأنه الى احكام القواعد العامة ( المادة 132 من القانون المدني العراقي ) (10).

الرضا
الرضا قانوناٍ: ( اتحاد ارادتين او اكثر على احداث اثر قانوني ) (11) .
يوجد التراضي بوجود إرادتين متوافقتين. ووجودهما يكفي لوجود العقد ولكنه لا يكفي لصحته، فيجب ان يكون رضاء كل من المتعاقدين صحيحاً غير مشوب بعيب من عيوب الرضا(12).
وجود الرضا:
 يتم التراضي باقتران الايجاب بالقبول حين توفر ارادة لهما معتبرة قانوناٍ وان يعبر احدها للاخر عن ارادته و تطابق الايجاب مع القبول (13).
 لوجود الرضا يجب ان توجد إرادة وان تتجه إلى إحداث اثر قانوني وان توجد إرادة أخرى مطابقة لها بحيث يتحقق التوافق بين الإرادتين (14) :
1¬_ وجود الإرادة والتعبير عنها:
     وجود الإرادة: لقيام العقد يجب ان توجد إرادة لدى المتعاقد، فلا يعتد القانون بالتصرفات الصادرة من معدوم الإرادة، كفاقد التمييز لصغر السن او الجنون او فقد الوعي و الإرادة بسبب المرض او السكر او التنويم المغناطيسي.
      يلزم ان تتجه الإرادة إلى إحداث اثر قانوني أيضا. فلا يعتد قانوناً بأعمال المجاملات المجانية والاتفاقات الأسرية دون نية الالتزام ولا عبرة بالإرادة الصورية او إرادة الهازل او من يعلق التزامه على محض المشيئة كالقول أقرضك مالاً ان أردت، فلا توجد إرادة جدية في مثل هذه الصور(15).
     صور التعبير عن الإرادة : الأصل عند مشرعنا إن التعبير عن الإرادة لا يخضع لشكلية معينة بعد أن ساد مبدأ الرضائية في العقود، فالإيجاب والقبول كل لفظين مستعملين عرفاً لانشاء العقد، وأي لفظ صدر أولاً هو إيجاب والثاني قبول، ونصت المادة (77) مدني عراقي وهو ماذهب اليه ابو سعيده على انه (يكون الإيجاب والقبول بصيغة الماضي، كما يكونان بصيغة المضارع او بصيغة الأمر إذا أريد بهما الحال) (16).
     فالإرادة كامنة في النفس ولا بد من الإفصاح عنها حتى يعتد بها قانوناً، فالتعبير هو المظهر الخارجي المادي للإرادة، وهذا التعبير قد يكون صريحاً او ضمنياً.
     ( والتعبير الصريح، هو الإفصاح عن الإرادة بطريقة مباشرة بوسيلة تكشف عنها حسب المألوف بين الناس في تعاملاتهم. كالمشافهة باللسان او بالتلفون او بالإشارة غير المبهمة من الأخرس او الإشارة المعتبرة الشائعة بين الناس ولو صدرت من غير الأخرس إذا تواضع الناس على دلالتها كهز الرأس عمودياً للقبول وهزاً افقياً او هز الكتف للرفض.او بالكتابة في محرر او نشرة او إعلان او معاطاة او مبادلة فعلية باليد او بإيفاد رسول لا يكون نائباً. ويكون بإتخاذ أي موقف آخر لا يحتمل دلالته أي شك ، كعرض البضاعة مع ثمنها او وضعت آلات ميكانيكية في الطريق لبيع السلع فهذا  إيجاب ويكون قبول الأفراد  للحصول على السلعة بوضع النقود في المكان المخصص لها ووقوف العجلات  في مراب السيارات هو تعبير صريح عن إرادة التعاقد أيضا إذا استوفى عناصر الإيجاب أيضا ) (17).
     أما التعبير الضمني،( فهو الإفصاح عن الإرادة بطريقة غير مباشرة أي بوسيلة لا تتفق مع المألوف بين الناس) (18).
كأن يتصرف شخص في شيء عرض عليه شرائه كبيعه لأخر يعد دليلاً على قبوله الشراء ضمناً.
2ـ تطابق الإرادتين:
     المقصود بتطابق الإرادتين، أو التراضي، ( هو اقتران الإيجاب بقبول مطابق له. إذ انه يلزم لتمام العقد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين ) (19). فعناصر التراضي هي الإيجاب والقبول.

أهلية التعاقد وموانعها

      يرى فقهاء القانون لصحة العقد  ، من الضرورة ان يصدر عن تصرف قانوني من شخصين متمتعين بالأهلية اللازمة لعقده ,فالتصرف القانوني هو 🙁 اتجاه الارادة نحو احداث اثر قانوني معين قد يكون انشاء حق او نقله او تعديله او انقضاءه ) (20) ، وان يكون رضا كل منهم سليماً خالياً من العيوب التي تشوب الرضا(21) .
      وسيتناول البحث , اهلية المتعاقدين في عقد البيع .
الأهليـــــة

     يميز عادة بين نوعين من الأهلية، أهلية الوجوب وأهلية الأداء: (22)
أهلية الوجوب
     ترتبط أهليـة الوجـوب عنـد فقهاء القانـون بالشخصيـة القانونية ، فهي ( صلاحية الانسان لثبوت الحقوق له ولوجوب الالتزامات عليه ) (23). ولكل شخص أهلية وجوب سواء كان عاقلاً أم مجنوناً كبيراً أم صغيراً من ولادته حتى وفاته. بل حتى لو كان جنيناً بشرط ان يولد حيا فهو أهلاً لاكتساب الحقوق التي لا تفتقر إلى قبول منه دون الالتزامات لأنه ليست له عبارة ولا عليه ولاية.

أهلية الأداء
       من اجل ان يكون التصرف التعاقدي بهيئة قانونية سليمة لا بد من وجود اهلية اداء لاطراف العقد ، وأهلية الأداء تعني (اهلية ابرام التصرفات القانونية … وهي صلاحية الانسان لمباشرة التصرفات القانونية منه على وجه يعتد به شرعاً) (24) ، كالبيع والشراء والإيجار والوصية وغيرها من تصرفات وأهلية الأداء هي المعنين به، ومناط هذه الأهلية هو العقل والتمييز. فمن كان كامل التمييز بان أتم الثامنة عشر من عمره كان كامل الأهلية، ومن نقص تمييزه كان ناقص الأهلية كمن أتم السابعة من عمره ولم يتم الثامنة عشر ويأخذ حكمه المعتوه والسفيه وذي الغفلة، ومن انعدم عنده التمييز كان عديم الأهلية بأن كان دون السابعة من عمره او لجنون أصابه. والعبرة بتوافر الأهلية وقت إبرام العقد ولا عبرة لفقدها بعد ذلك(25).

    وتنقسم التصرفات القانونية من حيث الأهلية إلى أنواع ثلاثة: (26)
1ـ تصرفات نافعة نفعاً محضاً كقبول الهبة والوصية.
2ـ تصرفات ضارة ضرراً محضاً وتشمل أعمال التبرع، كهبة الشخص لماله وإبرائه لمدينه والإعارة والبيع والشراء بغبن فاحش.
3ـ تصرفات دائرة بين النفع والضرر وهي التي تحتمل الربح والخسارة وتشمل أعمال التصرف وأعمال الإدارة كالبيع والرهن والإيجار.

موانع الأهلية (27)
   
 اشار فقهاء القانون الى ان موانع الاهلية أربعة: (28)
1ـ المجنون: هو من فقد عقله وانعدم تمييزه فلا يعتد بأقواله وأعماله، وهو بحكم الصغير غير المميز محجور لذاته وجميع تصرفاته باطلة.
2ـ المعتوه : هو من ضعفت قواه العقلية وكان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير، وهو بحكم الصغير المميز ولكنه محجور لذاته.
3ـ السفيه: هو من يبذر أمواله فيما لا مصلحة له فيه وعلى غير مقتضى العقل ولو كان على سبيل الخير، ويحجر بآمر المحكمة ويكون حينئذ بمنزلة الصغير المميز، وولي السفيه المحكمة أو وصيها فقط وليس لأبيه   او جده حق الولاية عليه، وإذا اكتسب السفيه رشداً فكت المحكمة حجره.
4ـ ذو الغفلة: وهو الذي لا يهتدي عادة إلى التصرفات الرابحة ولا يميزها عن التصرفات الخاسرة فيغبن في المعاملات لسذاجته وسلامة نيته، وحكمه حكم السفيه.
طبيعة أحكام الأهلية
      ( تعد أحكام الأهلية من النظام العام وكل اتفاق على ما يخالف أحكامها يقع باطلاً، كالاتفاق على اعتبار شخص كامل الأهلية وهو ناقصها كما لا يجوز حرمان شخص من أهلية قائمة أو الانتقاص منها). (29) وحسب الأصل يسري على الأهلية قانون الدولة التي ينتمي إليها الشخص بجنسيته.اذ تختلف ما بين تشريع دولة واخرى .

الهوامش :
(1)   شعبان ، زكي الدين ( الدكتور) ، الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة و القانون , القاهرة , 1968، ص 13 .
(2)  ابو سعيدة ، رياض ( الدكتور) ، نظرية الالتزام في القوانين العراقية ، رسالة ماجستير ، غير مطبوعة ، النجف الاشرف ، ص 76 ‘188 .
 ابو سعيدة ، رياض ( الدكتور) ، الاموال و الحقوق في القوانين العراقية ، اطروحة دكتوراه ، غير مطبوعة ، النجف الاشرف ، ص 68 ‘122 .
(3)  الحلي ,جمال الدين الحسن بن يوسف (العلامة) . تذكرة الفقهاء , كتاب البيع , بيروت ،1995 ، ص 3 .
(4)   المصدر السابق ، نفسه ، ص 8 .
(5)  القاضي ، منير, شرح المجلة، مطبعة النجاح، بغداد (ب،ت) ،ج 1 ص222 .
(6)  العامري ، سعدون ، الوجيز في شرح العقود المسماة في البيع و الايجار، ط 3 ، مطبعة العاني ، بغداد 1974، ص 10 .
(7)  المادة (418) من القانون المدني المصري الجديد.
(8)  القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل .
(9)    العامري ، الوجيز في شرح العقود المسماة ( في البيع و الايجار ) ، مصدر سابق ، ص 10 .
(10)   فارس حامد عبد الكريم ( الحقوقي), ( نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي ) عن شبكة المعلومات العالميةhttp://farisalajrish.maktoobblog.com/
وايضا , انظر,( القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل , المادة 132 )
(11)   ابو سعيدة ، رياض ( الدكتور)،” عقد البيع ” محاضرات غير مطبوعة ، كلية القانون – جامعة الكوفة- المرحلة الثالثة – 2009.
(12)  نفس المصدر السابق  .
(13)  فارس حامد عبد الكريم , نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي ، المصدر السابق
(14)  ابو سعيدة ، عقد البيع  ، مصدر سابق .
(15)  السنهوري ، عبد الرزاق ( الدكتور ) ، الوسيط في شرح القانون المدني ، ط7 ،بغداد ، 2005 ، ج1 ، ص 434.
(16)  ابو سعيدة ،” عقد البيع ” ، مصدر سابق .
(17)  الفار، عبد القادر (الدكتور) ، مصادر الالتزام ، ط 1 ، لبنان 2008، ص 38 .
(18)  ابو سعيدة ،” عقد البيع ” ، مصدر سابق .
(19)  العامري،الوجيز في شرح العقود المسماة ( في البيع و الايجار)، مصدر سابق، ص 34
(20)  البكري ، عبد الباقي (الاستاذ)، المدخل لدراسة القانون ،ط 2،القاهرة ، 2008، ص245.
(21)  نفس المصدر السابق ، ص 247.
(22)  انظر : السعيد , احمد( الدكتور) , عقد البيع , ط1،مصر، 2010 ، ص 41 .
(23)  نفس المصدر السابق ، ص 49 .
(24)  الفار , مصادر الالتزام , مصدر سابق , ص 38.
(25)  تناول القانون المدني العراقي رقم40 لسنة1951اهلية التعاقد في مواده (93 -111 ).
(26)  انظر: الفضلي , جعفر ( الدكتور)، الوجيز في العقود المدنية ( البيع – الايجار – المقاولة ) ، القاهرة ، 2008 ، ص 28 .  
: أبو سعيدة ، عقد البيع ، مصدر سابق .
(27)  ( موانع الاهلية احداث لا تنقص و لا تمنع و لا تعدم الأهلية و لكن تمنع من التصرف ) أبو سعيدة ، عقد البيع ،مصدر سابق .
(28)   انظر : السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ،ج1 ، ص 302 .
(29)   السيد ، فايز( الدكتور) وآخرون , الصيغ النموذجية في عقود البيع ، ط،1،القاهرة(ب،ت) ، ص 45.

* محامي

أحدث المقالات

أحدث المقالات