لعل من أسوأ افرازات الحروب هي التداعيات النفسية المترتبة عليها وما يتبعها من أمراض مجتمعية تلقي بظلالها لفترات تطول وتقصر حسب طبيعة المجتمعات ومستوى نضوجها وسرعة تعافيها…. ان عقدة الدونية التي تتركز في نفوس المجتمع المنهزم إضافة إلى كونها عقدة بحد ذاتها فإنها تفتح بابا واسعا لتغيرات مجتمعية تشكل أزمات او مفاتيح لأزمات جديدة تعاني منها المجتمعات….
والمجتمع العراقي بعد 2003 أصبح نهبا للافكار الغريبة الشاذة التي جاءت من تنوع الهزيمة و مفرداتها …فبين مائلً للشرق مسوق لفكر معين وبين ممتليء بعقد نقص من الغرب منهزم أمام فكر اخر تلاشت العادات والقيم المجتمعية تقريبا وحلت محلها اوضاعا شاذة لقيطة لا ترتكز الى حضارتنا ولا الى طباع مجتمعنا …وباستعراض بسيط نرى ان العراقي غير جلده و مبادئه كما غير ملبسه وهيئته .وغير هويته من وطنية وقومية الى عنصرية وطائفية……حتى الدين الذي كان من يلتزم يعد مزكى أصبح من يدعيه ويلتزمه على حد سواء منبوذ مجتمعيا…وهذه انعطافة خطيرة وتحول ربما يبعد المجتمع عن كل مرتكزاته ومصادر قيمه سببها اختلاط الصالح بالطالح….
ان نظرة سريعة لحال المجتمع العراقي وما آل اليه يجعلنا نتيقن بأن عوامل الاصلاح تكاد تكون مفقودة ….فاي اصلاح مستقبلي لابد له من مرتكز يقوم عليه …وفي حال مجتمعنا فإنه يرفض الدين بسبب أخطاء مدعيه على اختلاف مشاربهم…و يرفض العشائرية لسوء إدارتها الأمور و يرفض اصلا العروبة وقيمها منذ عام 2003 لاسباب معروفة
.وبذلك فإننا امام منزلق خطير …اذ اننا بدأنا نفقد تدريجيا مرتكزات الاصلاح….
وانا ارى ان على النخب المجتمعية بكل توجهاتها ان تبدأ مصالحة مجتمعية فعلية ..اي تصالح بين الإسلامي والعلماني …بين الأعراق والأديان والطوائف…بين مااصطلح عليه بعد 2003 المكونات.. .مصالحة مجتمعية حقيقية بعيدة عن السياسة ورجالاتها وافرازاتها .لان اي تأخير يقود الى زيادة في التشظي وزيادة في فقدان الثقة وزيادة في الضياع الذي تغلغل في النفوس وخاصة في أوساط الشباب الذين فقدوا الثقة إضافة إلى فقدان الكثيرين المرتكزات القيمية
كما ان عدم وضوح سياسة تعليمية نشأ عليهاالجيل بعد 2003 خاصة مع فقدان الثقة بالدين الذي شكل رد الفعل الأول بعد سقوط النظام السابق….وبذلك فقدت الثقة والمرتكزات.. .لذلك لابد من تدارك الأمر قبل الانهيار التام للمرتكزات القيمية في نفوس الأجيال المتعاقبة وصعوبة إيجاد حلول سوى الميل للمادية التي أصبحت اليوم مستهلكة وغير صالحة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانحسار الفكر الشيوعي..اي حتى هذه أصبحت مستهلكة ….وبذلك لا أرى بديلا في الأفق.. وما علينا سوى العودة السريعة قبل فوات الأوان.. .هذه العودة التي تقتضي تسامحا وتصالحا فعليا وتقبلا للفكر المعارض لتكون الأفكار والمرتكزات كلها مطروحة كخيارات واعية متسامحة ومتصالحة ومقبولة ومتقبلة معا كخيارات للإصلاح……اي اعطني ما عندك و اعطيك ما عندي نقوي بعضنا حتى لا ننزلق جميعا في غيابت الجب !!!! وحينها لا وجود الجميع.