9 أبريل، 2024 9:15 م
Search
Close this search box.

عقدة ابن المدير

Facebook
Twitter
LinkedIn

كغيري من العراقيين المغتربين,منذ الايام الاول من هجرتي الاجبارية وانا احاول التواصل مع بعض  المهاجرين من ابناء وطني في الغربة مثلما احاول الابتعاد عن بعضهم الآخر , ورغم ان بعضهم عاش في الغربة بقدر او اكثر من السنوات التي عاشها في العراق, فانه ليس فقط لم يستطيع التخلص من عقد وسلوكيات ترسخت في شخصيته في سنوات عمره المبكرة بل على العكس فقد صارت هكذا سلوكيات تشكل الجزء الغاطس من جبل جليد تركيبه النفسي.
 رغم كل هذه السنين والمتغيرات التي طرأت على بعضنا من نجاحات واخفاقات في مجالات الثقافة والتعليم والدخل والمدنية او في التفاعل والتاقلم مع مجتمعاتنا الجديدة لازال البعض يعاني من عقد الماضي ولايرى الا من خلال نظارات عتيقة ولايقيس الا بمقاييس اجتماعية عراقية تمييزية عفى عليها الزمن , واهم هذه العقد هي عقدة الافضلية او عقدة الاستعلاء وتتجسد هذه الظاهرة الاجتماعية  افضلية ابن المدينة على ابن الريف او ابن  العاصمة على ابن المحافظة اوابن المحافظة على ابن القضاء وابن القضاء على ابن الناحية او ابن الموظف على ابن العامل او ابن المسؤول على ابن السائل او ابن الغني على ابن الفقير او ابن الاقطاعي على ابن الفلاح ….الخ.
يمكن اختزال كل هذه العقد الاستعلائية بعقدة واحدة اريد أن اطلق عليها تسمية “عقدة ابن المدير”
ماهي عقدة ابن المدير العراقية؟
عادة مايكون ابن مدير المدرسة الابتدائية في العراق بدين متورد الخدين بليد نوعا ما او لنقل قليل الذكاء, يجلس في الرحلة/الكرسي الامامي كعلامة لافضليته على بقية الطلبة, يلاطفه كل المعلمين تملقا لابيه, يعرف بعضا من اسئلة الامتحانات قبل بدئها, ويتملقه التلاميذ رغبة في الحصول على فتات من الامتيازات التي يتمتع بها اقلها معاملة خاصة من المدير اذاما نجح في كسب صداقة الابن.
 لازال صدى عبارة “هذا ابن المدير” ينعكس من جدران ذاكرتي ووقع تلك العبارة يشبه الى حد كبير وقع العبارة الحالية ” هذا ابن مالك الشركة”
طبعا يعبر ابن المدير كل مراحل المدرسة الابتدائية دونما عناء, لذا فانه عندما يتحول الى المرحلة المتوسطة فانه يصطدم بواقع مرير بعد ان تتوقف المعاملة الخاصة ويفقد كل الامتيازات التي تمتع بها سابقا, يبدأ  ابن المدير “سابقا” بمواجة صعوبات كبيرة في التاقلم مع الوضع الجديد فيستنجد بابيه الذي يحاول جاهدا ممارسة كل مالديه من جاه وحضوة عند المدرسين لكنه يعجز بالنهاية لصعوبة شراء كل المدرسين, فعصيان مدرس واحد يكفي لتقويض مايبنيه عشرة منهم خصوصا اذا كان بني على باطل.
 عندما يعجز المدير عن مساعدة ابنه القليل الذكاء فانه يحاول تدارك الامر للخروج باقل الخسائر فيرسله الى اعدادية مهنيه او معهد المعلمين في اغلب الاحيان املا في الحصول على وظيفة, مختصرا عليه طريق تعليمي شاق محفوف بمخاطر الفشل.
 تفرق السنين الاطفال وتدور بهم الافلاك وتختلف مهنهم باختلاف مستوياتهم التعليمية فمنهم من يصير طبيبا ومنهم من يصير استاذا جامعيا ومنهم من يصير رجل اعمال كبير او عامل او فلاح ….الخ لكن النجاح الكبير لبعضهم وتفوقه على ابن المدير”سابقا” غير كاف لاقناعه (اي ابن المدير) انهم الان افضل منه, فعقدة ابن المدير تجذرت في اللاوعي وستلازمه مادام حيا, فتراه حينما يلتقيهم يذكرهم حديثه ظاهريا او باطنيا بافضليته السابقة عليهم و يهون أويقلل من شأن  وانجازات الذين بزوه تعليميا لانه لايروم تغيير التراتبية الاجتماعية الماضية وفق المعطيات الجديدة كي لايفقد سمة التميز والافضلية التي حصل عليها عندما كان ابنا لمدير المدرسة التي كان يدرس فيها هؤلاء الطلبة.
لازالت تتجسد عقدة “ابن المدير” في تعليقات ومناقشات وكتابات ومداخلات اغلبنا, فحينما يفشل بعضنا في المنافسة فانه يذكر محدثه بافضليته السابقة عليه كان يكون من سكنة بغداد والآخر من سكنة المحافظات او انه منحدرا من عائلة اقطاعية والآخر منحدر من عائلة فلاحية او كادحة او انه ابن ضابطا والاخر ابن جندي أو انه يتحدث لهجة بغدادية راقية والآخر يتحدث بلهجة “شروكية” او بدوية تدل على تخلفه واهله بالمقارنة بمن نشأ لعائلة بغدادية عريقة, خصوصا اذا كان له اجدادا يجيدون بعض المصطلحات التركية أودرسوا في الاستانة عندما كان العراق تابعا للدولة العثمانية
يشتكي ذوو عقد ابن المدير بمرارة عندما يجدون مسؤوليهم في العمل ابناء فلاحين او ابناء عمال ويلعنون الساعة السوداء التي تسيد بها ابناء الطبقة المسحوقة عليهم, انهم لاشك يعيشون الماضي بكل تجلياته ويجدون من الصعوبة الاعتراف بنجاح ابناء غير المدراء وعندما تتحدث الناس عن نجاحاتهم بحضور احد ابناء المدير, يحاول جاهدا التقليل من شانهم بالتذكير بمهن ابائهم أوشقاء وكدح امهاتهم وعلاقات اخواتهم أوفقر العوائل التي انحدروا منها او حقارة وتخلف القرى التي نشأوا فيها. يقيس نجاحه بفشلهم ويرى نجاحهم فشل له ويتبتع اخبارهم اينما حلوا كي يستريح لكثرة الفاشلين أوكي يستعد للتقليل من شأن نجاح الناجحين.
ترى كم ابن مدير ترونه حولكم كل يوم؟

تامبا/فلوريدا/ الولايات المتحدة 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب