الدعوة التي أطلقها رئيس التحالف الحاكم في العراق عمار الحكيم لبناء “عراق متعايش خال من العنف والتبعية”، وتصفير الأزمات، ورفض تقسيم البلد تحت أي ظرف، وضرورة الالتزام بالدستور، ضمن سياسة “لا غالب ولا مغلوب”، تحت مسمى “تسوية تاريخية”، عناوين كبيرة وطموحة، لكنها تعني شرطاً.. الاعتراف بعملية سياسية بُنيت على أساس المحاصصة الطائفية والإثنية، والتي تسببت بخراب العراق وتفتيت نسيجه الاجتماعي، بعد مقتل مئات الآلاف من أبنائه، وهجرة ونزوح أكثر من عشرة ملايين آخرين، معظمهم على الهوية، لا سيما تعرض البلد في ظل هذه العملية السياسية بشخوصها القائمين عليها، إلى عملية سرقة هي الأكبر عبر التاريخ.
ويبدو أن “الحكيم” ومن ورائه الائتلاف الحاكم، يحاول الزعم بأن “تسويته” هذه عابرة للطوائف والأديان والقوميات، متجاهلاً أن التسوية اصطلاحاً، وسيلة تقوم على أساس حل نزاع مادي ما بين طرفين، يعتقد كل منهما أنه يمتلك من الأدلة ما تمكنه من حسم النزاع لصالحه.
من الواضح، أن توقيت طرح هذه “التسوية” له علاقة بالمتغيرات الإقليمية والدولية، وعلى ما يبدو أن الحكيم، استشعر بوجود “إعادة نظر” لكثير من قضايا المنطقة، لا سيما الوضع في العراق، فالتحالف الحاكم المرتبط بإيران التي تهيمن على القرار السياسي العراقي، يخشى من عدم وضوح سياسة الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترمب”، حيال العراق، بعد انتقاده سياسة سلفه “باراك أوباما”، التي سلمت العراق الى ايران ومليشياتها، فضلاً عن تأكيده على أن غزو بلاده للعراق تسبب بكوارث إقليمية ودولية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، التحالف الحاكم يخشى من بروز تحالف “سني كردي” قوي بعد معركة الموصل، خاصة بعد ظهور البرزاني برفقة “النجيفيّان وخميس الخنجر” على أطراف المدينة، من شأنه أن يحصل على إجماع دولي، يساعد على إعادة هيكلة بنية السلطة في العراق، ومحاسبة مرتكبي الجرائم بعد ألفين وثلاثة، ولا سيما المليشيات التي تأسست في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الرافض لهذه “التسوية” المطروحة.
إذن، الإعلان عن هذه “التسوية” في هذا الوقت بالتحديد، هو محاولة لامتصاص أزمات العراق عبر عناوين براقة، الهدف منها ترسيخ الوضع القائم الشاذ، حتى لو تطلب تقديم تنازلات شكلية للطرف الآخر، ولإيصال رسالة للخارج مفادها، أن العراقيين قادرون على حل مشاكلهم بأنفسهم، وبالتالي تفويت فرصة فرض حلول خارجية .
يتضح مما تقدم، أن أي “مبادرة” هي محاولة ترقيعية هدفها إبقاء العملية السياسية بشخوصها المتهمة بتدمير العراق، وبالتالي فإن التسوية الحقيقية للحل، تتمثل بـ”انتفاضة” شعبية تزيح الطبقة السياسية الحالية، ومن ثم فتح ملفات عديدة، أهمها ملف التخابر مع الدول الأجنبية التي تسببت باحتلال العراق وتدميره، وملف الجرائم المرتكبة بعد عام ألفين وثلاثة، وما رافقها من تغيير ديموغرافي بدوافع طائفية وإثنية، كذلك إلغاء العمل بالدستور الذي كُتب خلال الاحتلال، وإعادة الأموال المنهوبة والمهربة، وتقديم كل مَن تورط بهذه الجرائم إلى القضاء، بهدف إنصاف الجميع، وإلا فإن أي محاولة لا تستند إلى ذلك هي بمثابة “إعادة إنتاج الإرهاب” باسم التسوية.