تتخبط حكومة حكومة عادل عبد الهادي في أول امتحان لها في قضية وظاهرة نفوق الأسماك وموتها جماعيا، في حوضي دجلة والفرات، وكذلك في المسطحات المائية وأحواضتربية الأسماك على جانبي نهري دجلة والفرات، بدءا من شمال بغداد، في الراشدية والدجيل، وامتدادا نحو الجنوب في الهندية المسيب بمحافظة بابل، وما بعدهما من مدن عراقية.
ورغم تبجح وزارة الداخلية العراقية وإعلانها المبكر بأنها نجحت في السيطرة الأمنيةوالتحكم في حركة المرور والحفاظ على حسن سير زيارة الأربعين للإمام الحسين هذا العام2018، إلا أنها تغافلت عن أهم الخروقات الأمنية التي سجلها هذا الأسبوع، وهوالسماح للقوات الأمنية، السرية والعلنية، الإيرانية بمصاحبة ما يسمى حشود الزوار الإيرانيين وقوافلهم وإتاحة الفرصة لإيران وأجهزتها، حتى باستعمال طائرات الهليكوبتر،بمصاحبة أتباعها من الحدود الشرقية للعراق وصولا ومرورا بمدن ميسان وواسط والبصرة وديالى وبغداد ومناطق الكاظمية وسامراء وكربلاء والحلة والمسيب وحتى النجف وجنوب العراق.
هذه الأعداد المليونية من الإيرانيين التي يفتخر بدخولها عادل عبد المهدي، وقبله حيدر العبادي، لم تدخل العراق بقصد الزيارة، والدليل على ذلك عشرات الحوادث الأمنية المسجلة لدى دوائر الشرطة، ومنها وأهمها منشر هذا الإعلان الرسمي التالي كان مرفوقا بصورة الأشخاص المعتقلين مع الشرطة:
(وزارة الداخلية: تلقي القبض على منتسب في لواء علي الأكبر مع خمسة إيرانيين كانوا يرمون أكياس من السم في نهر الفرات عند أحواض تربية الأسماك في محافظة بابل).
ربما مثل هذا الإعلان والصورة المرفقة معه مر بسرعة عبر وسائط التواصل الاجتماعي و لم يعره الكثيرون الاهتمام الكبير، حتى استيقظ لاحقا عموم العراقيين عندما اكتشفوافجأة هول الفاجعة البيئية ، والحرب البيولوجية التي نالت من الأمن الغذائي العراقي في واحدة من أهم حلقات مفاصله، ألا وهي الثروة السمكية في العراق، التي توفر الغذاء لملايين العراقيين الفقراء، في الوقت الذي تتطلع به حكومة طهران إلى موعد قرب تطبيق قوانين الحصار الدولي عليها وتخطيطها نحو الإفلات من تبعاته من خلال النفوذ إلى السوق العراقية الاستهلاكية لتكون ممرا للتصدير، وخاصة في الجانب الغذائي.
وحال ظهور حالات تسمم سمكي كبيرة وواسعة ممتدة في عموم مدن العراق، وخاصة المناطق الوسطى والجنوبية، ارتبكت أجهزة حكومة عادل عبد المهدي الجديدة حيث جرى التعتيم على تصريح شرطة بابل، وبعدها سربت وزارة داخلية عادل عبد المهدي وحكومة العملاء ببغداد تكذيب الخبر، وهي التي أعلنته قبل أيام، بتصريح تداوله الإعلام من مصدر شرطتها، خلال فترة مراسيم الزيارة الأربعينية لكربلاء والنجف ، وبعد ثبوت تدفق ملايين الزوار الإيرانيين ووصولهم إلى مختلف محافظات العراق، وصولا إلى مدن شمال بغداد،ومرورا بمدن الجنوب العراقي مترافقين لأول مرة بظهور دوريات حراسة من الشرطة الإيرانية والقوات الخاصة والفرق الأمنية المتخصصة وبمرافقة طائرات هليكوبتر إيرانية ، وهي حالة قل مثيلها سابقا في العراق، رغم التواجد الأمني والعسكري الإيراني المكشوف في عديد مناطق العراق، تجسد من خلال تواجد وانتشار معسكرات ومقرات تابعة لفيلق القدسالفارسي، ووكلائه على الأرض العراقية، المتمثل بفيالق بدر والعصائب وألوية الحشد وبقية المليشيات الطائفية المتمركزة في مناطق حزام بغداد وخاصة في مناطق جرف الصخر ومحيط محافظات بابل وكربلاء، وهي المناطق التي إصابتها مباشرة كارثة نفوق ألاف الأطنان،وبملايين الأعداد من الأسماك، في حالة تسمم وإبادة شاملة، قلما تعرض لها العراق في تاريخه.
وهكذا جرى التراجع عن التصريح باعتقال العناصر الإيرانية المتورطة بتسميم الفرات فجأة بعد أن تبين للعالم حجم واتساع الجريمة التي تعرضت لها الثروة السمكية في وسط حوض الفرات ثم دخلت الحكومة العراقية على الخط في حالة مرتبكة من خلال ممثلي وزارة الصحة والزراعة والمصالح المرتبطة بالثروة الحيوانية والسمكية خاصة، وكلها تعيش في حالة ارتباك وتناقض في التصريحات لتبرير أسباب الكارثة البيئية التي حلت في العراق.
وبسبب تناقل الصور والأفلام التي عكست انتقال سريع وكارثي وارتفاع في معدلات التسمم أشارت إليها عدد من التشخيصات العلمية والبيطرية وعلوم التخصص السمكي بأنها كارثة ناجمة عن تسمم كيميائي، جرى بفعل فاعل، دليله عدد من الظواهر المعروفة للتسممالبيئي، لدى الأسماك التي نفقت، وامتداد الكارثة على نطاق واسع، وفي نفس المعدلات،سواء في اسماك نهر الفرات عند مناطق سد الهندية والمسيب، واليوم الجمعة 2/11/2018 سجل انتشار الكارثة في محافظة واسط، وحدوث نفس الظاهرة في الأحواض المائية والأقفاص السمكية المنعزلة عن مجرى تدفق الأنهار والمناطق الأخرى التي تعرضت للتسممالسمكي.
في يوم الجمعة المصادف الثاني من تشرين الثاني 2018 سجلت معدلات نفوق اسماك الكارب بنسبة %90 ، وهذا الأمر الفضيع أربك الوزارات العراقية المعنية وهي التي ظلت تتشبث بمقولات لم تقنع أحدا، منها تفسير ورد عن بعض مرتزقة الوزارة بقوله : ( إنأكثر من تسعين بالمائة من الأسماك في واسطَ سجلت في عدادِ الخسائرِ بسببِ انخفاضِ مناسيبِ المياه، وانتشارِ الأمراض ببحيراتِ تربيةِ الأسماك.) ، متناسين شيوع الظاهرة وبتوقيت متزامن اقترن وتزامن نفوق اسماك محافظة واسط في دجلة مع حالة نفوق اسماك الفرات في المسيب والهندية …؟؟.
والغريب أن أجهزة الأمن والشرطة العراقية، التي سبق لها أن أعلنت اعتقالها للعناصر الإيرانية ومعها مواد السموم الملقاة في الفرات، لجأت اليوم إلى ذر الرماد في العيون لمنع انتقال الأسماك الميتة للذهاب إلى أسواق البصرة وبغداد، وأقامت حواجزها الأمنية على الطرق البرية بين محافظات الجنوب، ركزت قواتها القمعية على محافظة البصرة التي كانت تترقب منها انطلاق تظاهرات جديدة ضد تشكيل الحكومة والتراجع عن وعود الإصلاحات لها.
ورغم أن وزير صحة حكومة عادل عبد المهدي ظل غائبا عن الحدث الكارثي، لكنهوحسب تصريح نقلته وكالات الأنباء، في بيان تلقته وكالة “الرشيد نيوز”، منسوبا للوكيل الفني للوزارة جاسم ألفلاحي كان على علم بالكارثة وإبعادها البيئية واتساعها لأكثر من محافظة عراقية:
( … وزير الصحة والبيئة علاء الدين العلوان، قرر تشكيل خلية أزمة برئاسة ألفلاحيوعضوية الدوائر ذات العلاقة لمتابعة موضوع نفوق الأسماك في الأقفاص العائمة في شمال محافظة بابل).، متناسيا هذا ألفلاحي بتصريحه التضليلي، وكذلك وزيره: إن الكارثة السمكية والبيئية قد عمت كل المياه والأسماك، سواء خارج الأقفاص الخاصة بالتربية السمكية، وامتدت إلى خارج محافظة بابل أيضا، شملت أيضا أحواض ومناطق أخرى تقع على جانبي نهري دجلة والفرات.
إن مجمل تصريحات رؤساء تلك اللجان الحكومية اتسمت بتناقضاتها وباتت تثير السخرية فقد انقسمت التصريحات بين ثلاث آراء متباعدة، أكثرها مرارة وسخرية: ( إنالسبب في موت الأسماك كان نتيجة لتسمم كيميائي، قام به فاعلون مجهولون، بسبب تنافس المنتجين والتجار والانتقام في ما بينهم وتزاحمهم على تجهيز السوق المحلية بالسمك ).
إن مصادر من وزارة الصحة أرادت استعجال الأمر وطمطمته، ومن دون أن تطلع على اتساع وحجم الكارثة، فاستسهلت الأمر بالقول حين : ( أشارت إلى أنها لا تستبعد أن تكون القضية نتيجة تنافس غير شريف بين تجار الأسماك في السوق.) ، وأضافت الوزارة : ( … أنها لا تستبعد أن يكون السبب هو صراع بين مربي ومستوردي الأسماك، في محاولة السيطرة على سوق الأسماك. )، رغم أن الخبير البيئي الدكتور شكري حسن، من جامعة البصرة ذهب بعيدا حين أشار إلى: ( إن الحالات الأخيرة لنفوق الأسماك في محافظة بابل،بهذا العدد الهائل والشكل المفاجئ، دليل واضح على احتمالية تلوثها بمواد شديدة السمية. ) ، وأضاف د. شكري حسن: ( إن هذه الأعداد لا يمكن أن تكون قد نفقت نتيجة أمراض أو أوبئة، وإنما بطريقة مقصودة أو عرضية).
وهناك فريق آخر من الحكوميين : برر الكارثة ( عدم توفر المياه الكافية والإضافية لتغيير الأحواض ومواضع تربية الأسماك) ، بينما ذهب فريق آخر، ومنهم علي الكرعاوي ، رئيس مجلس محافظة بابل الذي أرجع الأمر إلى ( ، أسباب نفوق أعداد كبيرة من الأسماكفي المحافظة إلى وجود أصبعيات مصابة بمرض انتفاخ الغلاصم،)، ويضيف هذا الكرعاوي ، من دون علم أو تخصص، ينسب إليه، إلى وثوقية كاذبة لإدارته الحكومية في بابل حيث : (أكد احتواء الأزمة والسيطرة عليها.).
وعلى هذا المنوال يحذر آخر وهو من أعضاء مجلس النواب، عن محافظة بابل، أسمه سالم طحكير الطفيلي بتصريح جاء فيه:( … تحذيره من كارثة بيئية، قد تشهدها محافظته،بسبب تلوث مياه نهر الفرات في حال استمرار وبقاء الأسماك المصابة بمرض (تعفن الغلاصم) وهي تطفو في الفرات). وهكذا فان سالم طحكير الطفيلي وغيره من أعضاءمجلس نواب المنطقة الخضراء قد تطفلوا على الموضوع بغرض المزايدة، فوجدوا ضالتهم في التصريحات، كل منهم صرح حسب هواه وغرضه في التدخل بالتصريحات الإعلامية الفارغة، لغرض الاستهلاك المحلي لا غير.
وبهذا الصدد يشدد الطفيلي على: ( … ضرورة فتح تحقيق مركزي لمتابعة سبب انتشار المرض، وهل هو انتشار بطريقة عادية أم هناك مسببات من أيادي تريد لمحافظة بابل تراجع إنتاجها؟، بعد أن حققت مراتب أولى في إنتاج الأسماك والذرة الصفراء)، متناسياهذا النائب كالآخرين وجوب الدعوة إلى إجراء التحقيق الجنائي، خاصة مع مصادر الشرطة المحلية في محافظة بابل التي أعلنت بنفسها عن اعتقال الإيرانيين الأربعة ومرافقهم الحشدي، وهم في حالة تلبس وتورط بجريمة التسمم لمياه الفرات، كما أسلفنا أعلاه.
إن مثل هذا التشخيص الثالث : (بان الإصابات نتيجة لحالة فيروسية أصابت غلاصم الأسماك، وأدت إلى موتها بسرعة انتشار الفيروس)، تناقضه صورة وحال الأسماك النافقةبسبب السموم في أحواض وأماكن أخرى وكذلك نفوق أنواع سمكية أخرى سواء في الأحواض أو في الأنهار.
لكن هؤلاء ” الخبراء” التابعون لوزارة الزراعة الذين عجزوا عن تشخيص مصدر ونوع تلك المادة السمية أو حتى الفيروسات والفطريات ، التي فتكت بملايين الأعداد من الأسماك،سواء في أحواض نهري دجلة والفرات أو في الأحواض الخاصة بتربية الأسماك كانوامتناسين: إن الكارثة شملت غالبية المنتجين والمربين للأسماك وبكل أنواعها.
وفي الوقت الذي تشتكي به محافظة بابل وغيرها من المحافظات، بما فيها وزارتي الزراعة والصحة والبيئة، من توفر المختبرات والكوادر العلمية المطلوبة والمتخصصة، إلا أنتصريحات وزير الصحة والبيئة علاء الدين العلوان، بالأمس الخميس، الأول من تشرين الثاني 2018 باتت مضحكة للجميع حينما : (…. أوعز بتوفير كل الإمكانيات اللازمة لمعرفة أسباب نفوق الأسماك، واحتواء تأثيراتها الصحية والبيئية، واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لمنع تكرارها).
ويضيف وكيل وزارة الصحة التقني جاسم ألفلاحي، أنه: (… منذ اللحظة الأولىلتسجيل ظاهرة نفوق الأسماك اتخذت الوزارة إجراءات عاجلة، امتثالا لدورها الرقابي،بالتنسيق مع الدوائر الزراعية والبيطرية والموارد المائية والشرطة البيئية وقيادة الشرطة ومجلس المحافظة).
والغريب وكما متوقع أيضا، إن جميع هذه الأطراف، التي أشار إليها جاسم ألفلاحيكانت في حالة ذهول وهي تتفرج حائرة عن الطريقة التي يمكن التخلص بها من كل هذا الكم الكبير من الأسماك النافقة وإبعادها من الأحواض والأنهار، إن لم تكن هناك أطراف حكوميةفاسدة كانت طامعة بتسريبها إلى مواقع البيع في الأسواق، مستغلة فقر الناس وجوعهم،وجهلهم لمثل هذا الأمر.
وفي الجانب العلمي التخصصي الرصين حذر متخصص بالتلوث البيئي في جامعة البصرة الأستاذ شكري الحسن المواطنين من استهلاك الأسماك القادمة من محافظة بابل،خلال هذه الفترة على اقل تقدير؛ وذلك على خلفية نفوق عدد كبير منها ، حيث يرجح بان نفوقها ناتج عن التسمم.
وقال شكري الحسن لراديو المربد: (… إن على المواطنين عدم استهلاك الأسماك القادمة من بابل، التي تشتهر ببحيرات اسماك كبيرة تزود السوق المحلية، تحسبا لوجود تراكيز سمية بجسم السمكة، ما يؤدي إلى انتقالها لجسم الإنسان، الذي يستهلكها، وتعرضه إلى التسمم حيث يكون مفعولها تراكمياً). واعتبر شكري الحسن: ( أن نفوق الأسماك بهذا العدد الهائل وبالشكل المفاجئ ناتج عن تعرضها لسموم شديدة، وليست أمراض أو أوبئة؛كون الأخيرة تتطلب وقتا كي تُحدث نفوقا تدريجيا).
إن حالة الهلع الشعبي وبسبب غموض تلك التصريحات الحكومية، وعدم الاعتراف بصحة ما جرى فعلا من تسمم ، منح سلطات الأزمات تلك ان تستغل صلاحياتها في اتخاذ إجراءات كل حسب هواه واجتهاده، فمثلا:
أصدرت محافظة المثنى، يوم الخميس، 1/11/2018 توجيهات تقضي منع إدخال الأسماك المجمدة والميتة إلى المحافظة اعتبارا من ذلك اليوم، وحتى إشعار آخر، وذلك على خلفية نفوق مئات الأسماك في محافظة بابل. وذكر محافظ المثنى فالح الزيادي في بيان له : أن ( نقاط التفتيش في المثنى ستمنع منعاً باتاً دخول كافة أنواع الأسماك المجمدة والميتة حتى إشعار آخر).
وجنوبا عن بابل والمثنى، من جانبه أكد مدير المستشفى البيطري في محافظة ذي قار عماد ذياب الخميس،1/11/2018 ( صدور تعليمات من قبل الحكومة المحلية في المحافظة بمنع دخول جميع أنواع الأسماك من المحافظات المجاورة الطازجة أو المستوردة في إطارالإجراءات الاحترازية لمنع وصول مرض تعفن الغلاصم للمحافظة).
وقال ذياب بتصريح صحفي آخر،: أن ( الدوائر البيطرية شرعت بحملات تكثيف عمليات الرصد والتحري لمراقبة هذا المرض، مشيراً إلى أن الحكومة المحلية أصدرت قراراً هذا اليوم بمنع دخول جميع أنواع الأسماك الحية أو المجمدة أو الأصبعيات لمنع تداولها داخل الأسواق المحلية).
وقبلهما صرح مدير عام دائرة حماية وتحسين البيئة في منطقة الفرات الأوسط كريم عسكر في بيان نشرته “وكالة كل العراق” [أين] : إن ( وزارة الصحة والبيئة شكلت فريق عمل للوقوف على ظاهرة نفوق الأسماك في محافظة بابل ومعالجتها بأسرع وقت ممكن ، مؤكدا على أهمية تعزيز نظام الرقابة وتطبيق القوانين البيئية بحزم لوقف التعديات البيئية والممارسات الخاطئة التي تحدث باستمرار، وتكون نتيجتها ظهور هكذا حالات، تترك أثارهاالسلبية على الإنسان وبيئته). وأوضح كريم عسكر انه: ( تم إجراء كشفا بيئيا لتفقد نفوق الأسماك المرباة بالأقفاص العائمة في المنطقة المحصورة بين الطاقة الحرارية وجسر المسيب الجديد في المحافظة، للوقوف على أسباب هذه الإصابات، وتم الاتفاق مع الحكومة المحلية في بابل بمنع دخول الأسماك إلى المحافظة). وبين كريم عسكر أن ( فرق مديرية بيئة بابل أخذت عينات من ماء الفرات، قبل موقع الطاقة وبعدها لإجراء الفحوصات المختبرية اللازمة)، مشيرا إلى انه: ( تم توجيه مربي الأسماك بتنظيف النهر من الأسماك النافقة وطمرها بعيدا عن النهر، ووجه كادر المستشفى البيطري في بابل مربي الأسماك بمراجعة المستوصفات البيطرية لأخذ لقاح الوقاية للأسماك غير المصابة لتلافي حصول حالات إصابة جديدة).
وهكذا يتأكد لنا من نص تصريح السيد كريم عسكر وتوجيهاته كمدير مسئول عن بيئة محافظة بابل تناقضه التام مع ما طرح من تشخيصات أخرى لنظائره، للأسباب الحقيقيةلهذه الكارثة، والتي تشير إلى الفعل ألتسممي الكيماوي المتعمد ، فانه يطلب من مربي وأصحاب أحواض السمك في بابل اخذ لقاحات لوقاية وحفظ الأسماك المتبقية، وبذلك التشخيص والطلب، فانه يغلب السبب بالإصابة الفيروسية، ويستبعد السبب ألتسمميالكيماوي، وهو ما يتناقض تماما مع المنطق الذي يشير إلى أن الإصابات ونفوق السمك لم يكن محصورا ضمن حوض أو بيئة مائية محددة سواء في بابل أو واسط وغيرها ويبتعد عن التشخيص السليم الذي ذهب إليه الدكتور شكري الحسن من جامعة البصرة .
وهكذا هو الحال إلى تصريحات ألمرعبي لوكالة {الفرات نيوز} الذي يرى: إن ( سبب هلاك الأسماك لإصابتها بمرض تعفن الغلاصم الفطري، وهو مرض موسمي، ويكون بضراوة متفاوتة، وهذه المرة حصلت بنوبة عالية وكبيرة جدا في أقفاص الأسماك، وهو انتقل من العاصمة بغداد، التي سجلت إصابات اقل في العاشر من الشهر الماضي).
ويشير، ألمرعبي إلى : أن ( مرض تعفن الغلاصم الفطري، هو مرض شهير، ويظهر عادة في بداية الخريف)، مشيرا إلى: أن ( المشكلة التي حصلت في بابل وضراوته بهذا الشكل، لان الأقفاص متزاحمة جداً، والضوابط تشدد على ابتعاد القفص عن الآخر لمسافة نحو 1 كم ؛ ولكن في بابل لا تبتعد إلا أمتار، وكذلك القفص الواحد مزدحم ، ما تسبب بهلاكات كبيرة، بالإضافة إلى عدم انسيابية المياه في النهر وقلتها، ما تسبب بحالة الهلاك الكبيرة). ولفت ألمرعبي : إلى أن ( دائرة البيطرة، وبتوجيه من وزير الزراعة، الذي أشرف ميدانيا على الحالة، تم تزويدنا بكميات كافية من مادة {الباركون} المعقمة، ويمكن للمربين مراجعة المستشفى لرش وغسل الأحواض الكفيلة بالقضاء على هذا المرض) ، مشيرا إلى ( تقادم مربي الأسماك على المستشفى لاستلام هذه المادة الناجحة في خفض المرض وتقليصه).
وشدد ألمرعبي: ( من المهم جداً رفع الأسماك النافقة من الأحواض لمنع انتشار المرض)، مؤكدا: إن ( الأسماك النافقة لا يمكن بيعها شرعاً ، وشكلت دائرة صحة بابل ودائرة البيطرة لمتابعتها في الأسواق من قبل خلية أزمة بتعاون مفارز الجريمة الاقتصادية من أجل رصد ومنع بيع هذه الأسماك النافقة).
في حين أن مدير المستشفى البيطري في بابل يرى: ( … الأسماك الحية المصابة فهي صالحة للاستهلاك البشري، ونطمأن المواطنين بذلك)، مضيفا: ( … كما نطمأن مربي الأسماك انه وبعد تقييم الخسائر، وعد وزير الزراعة بعرض الموضوع في جلسة مجلس الوزراء المقبلة لدراسة تعويضهم).
الجدير بالذكر إن أصحاب الرأي بأسباب التسمم يرجحون فرضيتهم لكون إن هناك حالات سابقة، قد لوحظت بإصابة تعداد من الأسماك بالتهاب الغلاصم نتيجة لإصاباتفيروسية، ولكنها لم تصل بها الإصابات إلى مثل هذه المعدلات العالية والسريعة جدا، كما حدث ذلك فجأة في محافظتي بابل و واسط، حيث بدأت حالات نفوق الأسماك أولا في المناطق الوسطى من العراق ، وبدأت حالات نفوق الأسماك أولا في المناطق الواقعة إلىالشمال من بغداد. وتم رصد ذلك قبل نحو ثلاثة أسابيع قبل أن يتكرر الأمر في محافظة بابل بجنوب العاصمة.
وحسب مصادر من السلطات العراقية (إن حالات النفوق، التي رُصدت في الطارمية والراشدية شمالي بغداد، كانت نتيجة مرض فطري أصاب الأسماك.). وبهذا الصدد تؤكددائرة البيطرة العامة: (… إن مرض تعفن الغلاصم الفطري في الأسماك لا ينتقل إلىالإنسان).
وقال المكتب الإعلامي لدائرة البيطرة: أن ( هذا المرض الذي يصيب الأسماك لا ينتقل إلىالإنسان حتى عند تناول لحومها). وهنا يمكننا أن نطرح تساؤلا مشروعا على أصحاب التشخيص القاضي بإصابة السمك في العراق بإصابات فيروسية: إذا كان الأمر كذلك؟ فلماذا كل هذا الذعر الذي يصيب جميع السلطات العراقية؟ ، وهي التي أمرت على الفور بالتخلص من تلك الأسماك النافقة بسرعة وإزالتها؟ ؛ بل منعت حتى انتقال السمك الحي والمجمد من تلك المحافظات إلى محافظات أخرى، وتشدد دوريات الشرطة ومفارزها على منعانتقال أية سمكة من محافظة إلى أخرى، كما يسود قلق غامض جميع الأوساط الحكوميةالعراقية عن الكيفية التي يجب التخلص بها من تلك الأسماك النافقة، وخصوصا في اللجوء إلى عملية دفنها في حفر عميقة، بعيدا عن الحيوانات أو منع الوصول إليها بأية طريقة، منعا من استهلاكها أو تسربها إلى البيئات المائية خاصة. ذلك ما يرجح الاحتمالية الثانية لسبب النفوق ، وهو التسمم بمواد كيميائية فعالة، وبتراكيز عالية انتشرت بسرعة في المياه في الأنهار والأحواض المتقاربة.
أشارت المصادر المحلية في محافظة بابل، وتتطابق معها تقديرات المشاهدات في المواقع الأخرى، التي شهدت حالات نفوق الأسماك، إلى أن حجم الأسماك النافقة تقدربمئات الأطنان، إن لم تكن بالآلاف، مبينة بأن الخسائر الناتجة عنها تقدر بملياري دينار عراقي، أي ما يعادل مليوني دولار على مستوى محافظة بابل وحدها .
لقد شكت المصادر الحكومية المعنية بهذه الكارثة من عدم وجود خبرة كافية ومختبرات تحليلية لهذه الثروة السمكية في محافظة بابل قادرة على تشخيص السبب الرئيسي للحالة، وان الوضع ما بعد حدوث الكارثة، يتطلب التشخيص العلمي الدقيق، وفق معايير علميةتخصصية لمنع امتداد الكارثة إلى البيئة أو انتقال السموم عبر السلسلة الغذائية هالى بطون وأجساد المستهلكين سواء من تلك الأسماك النافقة او لبقاياها أو في أحواضها، وفي الأنهارأيضا.
وبما توفر من معلومات تشير إلى مصادر تسمم أخرى قد تكون ضمن الحلقة المجهولة أمام المحققين البيولوجيين والجنائيين ومنها عدم استبعاد أسباب أخرى منها:
( … إن كارثة نفوق اسماك محافظتي بابل و واسط وغيرها، وأينما كانت ربما تعزى إلى تسمم كيماوي، أكثر مما تكون ناجمة عن مرض بيولوجي، وعلى الجميع التكاتف لتجاوز المحنة ومعرفة المسبب، إضافة إلى الانتباه أيضا إلى وجود اغلب الأعلاف السمكية التي تحتوي على مادة الفلاتوكسين؛ ولا يستبعد أن مياه نهر الفرات قد تكون ملوثة بعناصر خطيرة على صحة الإنسان. كما يجب الانتباه، وكما أسلفنا إلى أن قضية الإصابات بمرض الغلاصم قد سجلت منه حالات منذ أسابيع في أحواض شمال بغداد والطارمية والراشدية،ولم يسجل لها مثل هذا التسارع الكبير في معدلات نفوق الأسماك .
إن عفن الغلاصم لا يؤدي ويسبب هلاكات كبيرة وعالية، وإصابات بمثل هذه السرعة المسجلة في أحواض بابل وأنهارها، وكذلك في واسط، وبنفس تلك الضراوة ؛ فالمسبب معروف لدى المختصين، حتى وان كانت مجتمعات مائية مصابة، ووجود مستعمرات فطرية كانت قدانتقلت إلى جنوب بابل بعد اقل من 72 ساعة؛ فاغلب الحالات التشخيصية على السمكة هو التهاب الأمعاء وعفن الغلاصم، ولهذا على المربي وفي حالات مثل هذه أن يحلل الماء والعلف.
وطالما لم تسجل حالات تلوث بمواد كيماوية تكون قد أثرت على الحيوانات والكائنات الأخرى، وإنما إصابة طفيلية للسمك، وبعد خروجه، يسبب الجروح في الخياشيم، وظهور بقع سوداء، ثم تقيح، يصاحبها فطريات، وقد تم فحص عينات الأسماك في المختبر المركزي البيطري وتم نشر تقرير المختبر كما ورد ذلك في عدد من إشارات المسئولين.
وإذا ما تم التثبت بعدم وجود أية مواد كيميائية في الماء والعلف فسيكون السبب في الفلاتوكسين؛ لأن مربي الأسماك في الأقفاص المائية يضعون في العليقة الذرة الصفراء بكثرة، وهي تسبب الفلاتوكسين؛ ولهذا يوصي خبراء التغذية للأسماك بعدم استخدام الذرة فقط، التي تترسب في الأحواض الطينية، وقد تكون هناك أسباب أخرى قد سببت مثل هذه الحالة، ينبغي التحقيق فيها.
وحسب خبراء التغذية للأسماك والبيئات المائية، هناك محددات بيئية يجب إتباعهاوهي مراعاة بعد المستعمرة عن الأخرى، وارتفاع منسوب المياه، وسرعه الجريان، إضافةإلى احتساب كميه العلف، وفق القياسات الدقيقة، حسب وزن السمكة، ودرجة حرارة الماء. كل هذه الأمور قد تكون غير متبَعة في بعض الأحواض؛ فزيادة كميات العلف وعدم تقبل الأسماك له، لبرودة الجو، غالبا ما يكون سببا بمثل هذه الكوارث، ولو اتبعنا كل هذه الشروط مجتمعة لكانت الإصابة وفق القياسات المحسوبة متوقعة، ولكن بتظافر كل ما تقدم قد يكون وراء ذلك، عندئذ وبعد التحقق من كل تلك الظروف والعوامل والشروط البيئية للتغذية يمكن حينها استبعاد الفعل الكيماوي في التسمم وأي مؤشر على وجود مواد كيماوية أو فعل فاعل، عند عدم احترام الضوابط في تربية الأسماك، وكي يتحدد السبب بدقة.
وبما إن الظاهرة الأخيرة لنفوق الأسماك في العراق تزامنت في مياه الأنهار، كما هي في الأحواض، فان عامل التسبب الكيماوي يتقدم على غيره من مسببات نفوق الأسماك،وخاصة بهذه الأرقام العالية المسجلة في أماكن منفصلة عن بعضها البعض.
يرى احد الأصدقاء العراقيين، وهو من الخبراء، الذين اشتغلوا طويلا في مجال تربية الأسماك حول استبعاد سبب الأعلاف أو الذرة في التغذية السمكية عن مثل هذه الكارثة،ويقول : ( … آنا أول مربي اسماك في العراق منذ عام 1979 ، كانت الإصابات التي تحصل بسيطة، نعالجها برش ماده ألنوره الحارة، وتغيير ماء الأحواض ، وحالات الهلاككانت قليلة جدا، ولم تحصل مثل هذه الكارثة، بحيث تقتل كل الأسماك، مما يعني منطقيا،تسمم الماء نفسه) .
وحسب التصريحات للمربين العراقيين للأسماك أيضا، يضيف احد الخبراء العراقيين: هناك شبه اتفاق يرى انه ( … من غير المعقول: أن تكون هكذا حالات هلاك تصل إلى نسبة 100% بسبب إصابة فيروسية ممرضة، تتم هكذا بوقت قصير، لا يتجاوز 48 ساعة… فكلنا نعرف الإصابة وتأثيرها؛ لكنها لا تصل إلى هذا المستوى الكارثي… أنا على يقين انه تسمم كيماوي.… إن سرعة النفوق الحاصلة سببها تسمم كيماوي بلا شك، وهذه حاله خطرة يجب التخلص منها ؛ ولأنه، ليس من الممكن انتشار أي مسبب أخر بهذه السرعة الفائقة؛ حتى وان كان هناك فيروس، أو أي مسبب إحيائي آخر.
يقول وزير الموارد المائية السابق حسن الجنابي، على حسابه في فيسبوك: إن ( القضاء على الثروة السمكية في العراق، وتكرار حالات التسمم في الأنهار، ليست حوادث عابرة؛ بل جرائم ولا يجب أن تمر مرور الكرام).
ونرى انه من السخف والجرم الكبير، والكارثة بمثل هذا الحجم، أن تسمع تصريحا حكوميا مثل هذا: ( … لا تستبعد وزارة الزراعة، أن يكون نفوق الأسماك نتيجة “صراع في السوق”)؛ رغم أن مصادر مثل تلك الوزارة وحكومتها ، هي اضعف من أن تقول الحقيقة الكاملة وتعلنها أمام الشعب العراقي، وتفضح مسببيها وفاعليها، لكونها جريمة حرب وإبادة،اقتصادية بيئية صحية كيمياوية تستهدف الأمن الغذائي والبيئي والصحة العامة لكل مواطن في العراق.
ننتظر وعد الوزارة المعلن في بيانها إن (... التحقيقات الجارية من قبل الفرق المختصة بشأن نفوق الأسماك في بابل ستكشف السبب الحقيقي وراء نفوق هذا العدد من الأسماك).
وحتى يظهر تفسير وسبب نفوق الأسماك بسبب إصابات الغلاصم، كما يروج له البعض، فهناك رأي مكمل للحالة السمية المتوقعة، وكما يتوقع أطباء بيطريون (أن يكون سبب النفوق هو تلوث في المياه أو الغذاء، مما أدى بدوره إلى تسمم أو التهاب معوي وعفن في غلاصم الأسماك).
والخلاصة، وبعيدا عن ظنون وأفكار نظرية المؤامرة، واستنادا إلى سوابق جرمية مثبتةعلى أيادي نظام وحكومة إيران الخبيثة وعبثها في العراق، فإننا نصر على ضرورة إجراءتحقيق علمي ونزيه تسهم به منظمات وطنية ودولية، ومنها المنظمة العالمية للصحة والبيئة،وبإشراف هيئات الأمم المتحدة المتخصصة.
ومثل هذا الأمر يعيدنا مرة أخرى لاستذكار حالات ما قبلها حيث تبين إن إيران تقوم بتنفيذ جرائم إبادة جماعية، وارتكبت جرائم خفية في مناطق جنوب العراق، تذكرنا بشبيهتهاالدولة الصهيونية على ارض فلسطين في منتصف أربعينيات القرن الماضي؟ طالما أنالمشروع الصهيوني، وبعده الإيراني، يرميان إلى تحقيق وإقامة استعمار استيطاني في بلادنا ؟ .
ولم تنته بعد أحداث البصرة وانتفاضتها ضد الحكومة الاحتلالية العميلة المرتبطة بالمشروع الصفوي الإيراني، حيث أضحت البصرة، بلا مصدر لمياه الشرب وتشهد المحافظة واغلب مدن العراق انقطاع الكهرباء في فترة حاولت السلطات الإيرانية وإتباعها ممارسة كل الضغوط على أهلنا في البصرة ومحافظات جنوب العراق وإشغالهم عن الانتفاضة، حيث سجلت الوقائع إصابة أكثر من 120000 مواطن من البصرة وحدها بالتسمم، واغلبها تسممات بسبب تلويث وتسميم مياه الشرب والزراعة بشتى الملوثات الكيماوية والبيولوجية الجرثومية منها خاصة.
إنها حرب دمار شامل مجرمة تشن على شعبنا العراقي بكل الوسائل والأساليبتنفذها إيران وأدواتها وعملائها.
أستاذ التعليم العالي بجامعة وهران مختص بعلوم البيئة