مع أول انتخابات ديمقراطية في العراق بعد سقوط النظام الديكتاتوري , أجرت حكومة إقليم كردستان استفتاء للشعب الكردي حول استقلال كردستان وانفصالها عن العراق , فكانت المفاجئة أنّ 98% من أكراد العراق يريدون الانفصال عن العراق , وحين أجرت حكومة الإقليم هذا الاستفتاء , لم يكن حينها أي خلاف قد نشب بعد بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم , وعندما سأل المذيع إيلي ناكوزي رئيس الإقليم مسعود بارزاني في لقائه معه ضمن برنامج من العراق الذي كان يقدّم من قناة العربية عن نتيجة الاستفتاء وهل ستنفصلون عن العراق ؟ قال مسعود بارزاني بالحرف الواحد , نعم سننفصل عن العراق , وإذا لم يكن هذا العام فالعام القادم , وإذا لم نتمكن في العام القادم فخلال السنوات القادمة , بهذا الوضوح وهذه الصراحة أجاب مسعود على سؤال المذيع ناكوزي , ومسعود يعي جيدا أنّ الظرف الإقليمي والدولي لا يسمح له بمثل هذا الانفصال , فاختار نموذج الدولة داخل الدولة تلبية لطموحاته الانفصالية وكأمر واقع يجب فرضه على حكومة بغداد , واستطاع أن ينجح نجاحا باهرا في فرض نموذج الدولة داخل الدولة , فأصبح الإقليم بفضل هذا النموذج دولة مستقلة لا ينقصها سوى إعلان الاستقلال , والذي ساعده على تحقيق هذا الوضع الشاذ , هو الصراع الطائفي الذي نشب بين الشيعة السنة بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء والذي قادهم إلى الحرب الأهلية .
فعلاقة الإقليم بالحكومة الاتحادية علاقة من طرف واحد , فالأكراد موجودون بكل مؤسسات الدولة الاتحادية ابتداء من الرئاسات الثلاث ومرورا بالحكومة والبرلمان وكافة وزارات الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية , من دون أن يكون هنالك أي وجود للمؤسسات الاتحادية في الإقليم , ولهذا فحين توّقع حكومة الإقليم اتفاقا للتعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية بدون علم وموافقة الحكومة الاتحادية , تعلم تماما هي وأمريكا أنّ هذا لا يقع ضمن صلاحيات حكومة الإقليم , وهو ضمن الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية المنصوص عليها في المادة 110 من الدستور العراقي , ولكنّ هذا لا يعني شيئا لمسعود , فهي ليست المرّة الأولى التي تدوس بها حكومة الإقليم دستور العراق وسيادته تحت أقدامها , فماذا فعلت حكومة بغداد لمسعود حين قررّ بيع النفط العراقي خارج موافقة الحكومة ووزارة النفط الاتحادية ؟ وماذا فعلت له في المرّات السابقة حين كان يعقد الاتفاقات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية مع مختلف حكومات العالم ؟ وعليه فإن اتفاق التعاون العسكري الذي وقعته حكومة الإقليم يوم أمس مع الجانب الأمريكي , هو استمرار لنهج مسعود في تعزيز بناء نموذج الدولة داخل الدولة , ومسعود لا يكترث لبغداد وحكومتها وبرلمانها , ولو كان مسعود يعلم أن حكام بغداد يملكون ذرّة من الكرامة لما تجرأ على ذلك , ولما أقدم أصلا على خرق الدستور العراقي , لكنّ الرجل يعرف الذي نعرفه نحن , ولسان حاله يقول طز على بغداد , وطز على حكومة وبرلمان بغداد , وطز على سيادة ودستور العراق , وأنا أقول لمسعود .. عفرمن كاكا مسعود , لقد مرّغت أنوف الجميع بالوحل . نعم كاكا مسعود ليس في الدار من يحتشم .