23 نوفمبر، 2024 1:56 ص
Search
Close this search box.

عـيــد الـمـتقـاعــد العـــراقــي

عـيــد الـمـتقـاعــد العـــراقــي

المتقاعد هو ذلك الإنسان المكافح  الذي أفنى حياته وزهرة شبابه  في بناء الدولة العراقية
والمتقاعدون جيش مسلح بالخبرة والكفاءة وهم ثروة وطنية ملقاة على رصيف الزمن تعصف بهم  زوابع الفاقة والمرض وهم كنوز من المعرفة والثقافة يطمرها غبار النسيان
في صحارى الإهمال الموحشة . تعرفهم  عيادات أطباء القلب والمفاصل  وصيدليات الأمراض المزمنة  فهم ضيوفها  المرابطون  وهم عشاقها الذين لا يتخلفون عن  وصلها إلا   حين  تنضب جيوبهم  ويصفر بها لحن الإفلاس  فكما  أنهم لا يستغنون  عنها فهي كذلك لا تستغني عن هذه  الجيوب فهنالك غزل متبادل بينهما  .إن المتقاعد العراقي هو تاريخ ناطق يمشي على الأرض  يحمل على ظهره ثقل السنين التي أتعبته وتركت أخاديد في وجهه ويحكي ذكرياته  عن  أيام الحكومات التي تعاقبت على هذا البلد  بل ويتحدث بالتفاصيل الدقيقة  عن رجالات العراق وخاصة في العهد الملكي  وشخصية نوري السعيد  والعائلة المالكة  وطبيعة العلاقات الإجتماعية  المتسامية التي كانت تربط أبناء المحلة الواحدة وتصهر قلوبهم  في قلب واحد  فلا احد يسأل جاره عن مذهبه وقوميته  ودينه  بل لا تخطر  على تفكيرهم  مثل  هذه الأسئلة التي  ابتلينا بها اليوم ودفعنا وندفع  ثمنها غاليا
فكان المجتمع  يتمتع بحصانة أخلاقية  عالية  ضد كل  السلوكيات المنحرفة ويتصدى لها جميع أبنائه  لأنهم يمثلون في ترابطهم  ومحبتهم أسرة واحدة  .وإذا  تجاوزنا الحدود الجغرافية  لبلدنا وألقينا نظرة  فاحصة على حياة المتقاعد في  الدول الأجنبية  لوجدنا  الفروق الشاسعة التي تفصل  بين واقعين فالمتقاعد في تلك البلدان يحتل مكانة مرموقة فهو موضع تقدير واهتمام الدولة والمجتمع   فللمتقاعد امتيازات مادية ومعنوية فهو يتمتع بالضمان الصحي  في سائر المؤسسات الصحية هو وأفراد عائلته وله بطاقة سنوية مخفضة  على  سائر وسائط النقل الجوية والبرية إضافة إلى  تمتعه  بارتياد المسارح والنوادي الرياضية والاجتماعية . إن المتقاعدين هم آباء المجتمع وهم غارسو القيم  الأخلاقية  في نفوس الآخرين من خلال تعاملهم  الإنساني مع المواطنين والحرص على  احترام القوانين النافذة والتي حفظوها عن ظهر قلب لطول تعاملهم معها في تحقيق العدالة بين أبناء الشعب وفي خواطرهم تنام صفحات خالدة من الذكريات التي لو تم استثمارها من قبل بعض الفضائيات لأنتجت أجمل وأغنى البرامج الوثائقية التي تلقي الأضواء على مسيرة الموظف العراقي في سرّائه و ضرّائه والتي ستشد العائلة العراقية إلى مثل هذه البرامج وليكن عنوانها   ( ذكريات متقاعد في الدولة العراقية )أو أي عنوان آخر. لقد عانى المتقاعد العراقي  مرارة الحصار الجائر الذي عوقب به الشعب العراقي  من قبل الولايات المتحدة وحلفائها  طيلة ثلاثة عشر عاما  قاحلة أكلت اليابس والأخضر  في سياسة تجويع  غادرة  لن ينساها العراقيون  على مر التاريخ  ولكن معاناة المتقاعد العراقي استمرت مع الحكومات الجديدة التي مارست سياسة العطاء بالتقطير وكيل الوعود الخلابة فكان قانون التقاعد الجديد  يتأرجح  بين الحكومة والبرلمان   
وكل جهة تعيده إلى الأخرى ويرحل من عام إلى عام ليصدر  أخيرا  وقد  أعاد للمتقاعدين
بعض حقوقهم ولكنه خلق طبقة مثرية بملايين الدنانير ولخدمة لا تتجاوز الأربع سنوات مقابل  طبقة كبيرة مسحوقة  من أبناء المجتمع الذين أمضوا في الخدمة أكثر من ثلاثين عاما  ليخرجوا برواتب لا تحقق لهم العيش الكريم وخاصة أصحاب العوائل التي لا تملك سكنا لائقا  ولديها أبناء يدرسون في الجامعة أو خريجون عاطلون عن العمل  مما يضطرهم إلى  الانخراط  في  ميادين العمل اليومي المضني  بين أسواق الخضروات وأرصفة الملابس العتيقة . إن رعاية المتقاعدين  والتخفيف من معاناتهم يمثل رد بعض جميل هؤلاء المكافحين في أعناق الأجيال  الحاضرة  وإنني أناشد الجهات المسؤولة ومنظمات المجتمع المدني والصحافة الوطنية والفضائيات الملتزمة  التي تحترم شرف المهنة أدعوهم جميعا إلى  اعتماد يوم سنوي لإنصاف المتقاعد العراقي يسمي عيد أو يوم المتقاعد العراقي  يجري فيه تكريم هذا الإنسان المكافح  من خلال  تسابق الجميع في تقديم
الدعم المادي والمعنوي للتخفيف عن معاناته كأن تبادر نقابة الأطباء إلى  تخفيض أجور الفحص والدواء في العيادات الخاصة والصيدليات التي ترتفع أسعارها  من وقت لآخر وكذلك المدارس والجامعات الأهلية التي يدرس بها أبناء المتقاعدين واعتماد  الهوية التقاعدية  بهذا الشأن وإنني  أناشد السيد وزير النقل بشمول المتقاعدين وعوائلهم بالإعفاء أو تخفيض أجور النقل على الخطوط الجوية العراقية والقطارات .إن المتقاعد ليس بحاجة إلى بطاقة تهنئة باردة المشاعر أو باقة ورد رمزية لأن الكثير فقدوا حاسة الشم بسبب التهاب الجيوب الأنفية وأمراض الشيخوخة المتعددة وأدعو الجهات المختصة  إلى تأسيس النوادي الإجتماعية  والثقافية للمتقاعدين  واستثمار الطاقات الأدبية  لهم وطبع مؤلفاتهم القابعة على رفوف النسيان . إن الإحتفال بعيد المتقاعد العراقي  سيشعر هذا الإنسان المكافح  بأن المجتمع  ينظر إليه بعين الرعاية والتكريم
خاصة وإن قطار حياته يسير ببطء نحو محطته النهائية على سكة الحياة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات