23 ديسمبر، 2024 2:17 ص

عـــتــمــــة الــرؤيا لصــنــــم الـــكـــتبـــــة/4

عـــتــمــــة الــرؤيا لصــنــــم الـــكـــتبـــــة/4

إشـارة واسـتدراك
***************
وكما أشرنـا سلـفا؛ بأن إثارة جانب من تاريخ [ اتحاد كتاب المغرب] ليس نزوة أوهنالك نوايا خفية؛ يمكن أن تجمل في -المصلحية – بل محاولة لتحفيز جيل ما قبلنا؛ للبوح قبل انغلاق سجل البوح؛ لكن اللامبالاة والسكونية والصمت؛ عملة رائجة في زمن أمست جملة من المعطيات والحقائق تتمظهر؛ تساهم بشكل مباشر لإعادة كتابة التاريخ من زاوية الحقيقة ونفي التضليل وإبادة عتمـة الرؤيا المسيطرة لحـد الآن على صنم الكتبة؛ عتمة نعيشها وتضليل عشناها ردحا من الزمن ولازلنا نعيشه؛ رغم أن بعض الأصوات المؤطرة سياسيا وحزبيا تنادي بذلك؛ ولكن بدون جدوى :لإعادة فتح ملف التطور السياسي الحديث في المغرب منذ مطالع عهد الاستقلال، قبل ما يقل قليلا عن نصف قرن، وإلى نهاية القرن المنصرم – التي آذَنَ الانتقالُ التلقائي للسلطة فيها بانطلاق الحديث حول العهد الجديد والانتقال الديمقراطي وما في معنى ذلك – في أفق إعادة كتابة ذلك المسار المُتَعَرِّج الذي قطعه الصراع الاجتماعي والسياسي، خلال هذه الحقبة، وتَعْيين المحطات المفصلية فيه(1) ولاسيما أن علاقة الموضوع ؛ وإن كان ثقافيا/ تنظيميا؛ له علائق وطيدة ومتداخلة بالسياسي/ الحزبي/ التنظيمي؛ وفي هـذا الإطار طرحنا سؤالا عريضا؛ لما تم نقل [الصنم] من( تطوان إلى الرباط )؟ فالمسألة تبدو لوجيستيكية؛ ولكن في واقع الأمر كانت ذات طبيعة اديولوجية( أي) هروبا من وضع لا يحتمل في نظر مدعميه؛ بحيث منطقة الشمال؛ كانت منطقة مسيسة بالمعنى الحقيقي لمفهوم – السياسة – نظرا لتعدد الصحف والأحـزاب فيها؛ وصراعها المزدوج بين الاستعمار الاسباني/ الفرنسي؛ ولقد تبث بأن منطقة الشمال أنجبت أول امرأة مغربية تدخل غمار الكتابة؛ ألا وهي ارحيمو المدني(&) فمن اغرب ما كتبته ويحتاج لتمعن ودراسة عميقة: أيها السادة : أما آن لمغربنا أن ينهض ؟أما كفانا هذا النوم العميق ؟ أما علمتـــم أن الفرص تضيع ؟ فهاهي الطرق صالحة للعمل، وهاهي تنادينا بحي على النجاح. فلم لا نتكاثف ونتآزر على إحياء معالمنا، ونرفع رأسنا لتجديد مجدنا ؟ واأسفاه على تأخرنا ، بل واويحاه على جمودنا… أيها السادة، علموا أولادكم فان عهدة وطنكم على رقابكم ملقاة. علموا أبناءكـــــــم كي يصبحوا سادة، قادة، ورجال المستقبل .علموا بناتكم ليصرن صالحات لتدبير منازلهن ، عارفات بحقوق تربية النشء المقبل ، ملمات بمكـــــارم الأخـــلاق ، فيتسابقـــن إليها معرضات عن الخنا ، ولا يحق لنا أن نستمر جامدين وجامدات ، عاطلين وعاطلات (2) أليس هنالك وعي ثقافي وإدراك اجتماعي وسياسي في المنطقة؟ وأبعد من هذا فثورة ع الكريم الخطابي لها وقعها في نفسية وعقلية أهـل الشمال؛ وبالتالي هناك وثيقة رسميّة، عبارة عن تقرير أعدّه وبعث به فالقنصل الفرنسي بتطوان إلى وزير خارجية بلاده، ومن المعطيات التاريخية التي توردها الوثيقة المشار إليها، هو تطرقه لمظاهر الصراع بين الحزبين المذكورين وتجلياته بخلفية نزعتها نحو السيطرة والتحكم والهيمنة، وهي المظاهر التي كانت تعكس الحضور والشعبية التي كان يحظى به حزب الشورى…… وأمام المكانة المحدودة والقاعدة الضئيلة التي كان يحظى بها حزب الاستقلال…. عمل على جعل حزب الإصلاح الوطني الذي كان موجودا بتطوان ينصهر بزعامة عبد الخالق الطريس ويندمج في الاستقلال، حيث قـدّرت بعض الإحصائيات أن هذا الحزب كان يتوفر على ما يناهز 3000 منخرط بالمنطقة الشمالية ككل، في مقابل حوالي 25000 ألف منخرط في صفوف حزب الشورى والاستقلال(3)هـذا على مستوى عدد المناضلين؛ ولاسيما أن – الشورى والاستقلال – وسع قاعدته بإدماج حزب (المغرب الحر) في صفوفه؛ ولكن من زاوية أخرى هروبا من موقع الأحداث الدامية ؛ مثلا( سوق الأربعاء ) والتي كانت أكثر ضراوة من المناطق الأخرى؛ ومن المعتقلات السرية( دار بريشة)(&) لمحاولة النبش في الذاكرة المشؤومة للمعتقلات السرية ؛ والاغتيالات التي لم يقم بها حتى الاستعمار الفرنسي ببلادنا؛ والتي كشفتها رسالة الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي من منفاه بالقاهرة1960، بعثها لصديقه محمد حسن

لوزاني وهي مدونة في كتاب(دار بريشة) بحيث:عرف المغرب أحداثا أليمةً غداة الاستقلال يجهلها جميع من وُلد سنة 1955 أو بعدها، ولا ينبغي السكوتُ عنها، لأنها تمثل صفحة مهمة من تاريخنا المعاصر. رأَيْنا أن نعرف الشباب بهذه الأحداث ليدركوا مدى الكفاح الذي خاضه أنصار الديمقراطية، والأخطار التي تتعرض لها كل حركة تتنكر للجدلية التي تريد فرض أفكارها بوسائل العنف(4)

مـــا العــلاقة بالصــنـم ؟

********************** مما يؤسف له؛ وفي فجر الاستقلال؛ تمظهرت ممارسات متفردة وغريبة؛ لم يقم بها الاستعمار نفسه؛ ممارسة الاعتقالات التعسفية والاستبداد والمكر والإقصاء والتهميش والاقتتال والتآمر والاحتيال والاختلاس بين من كانوا يسمون أنفسهم[ وطنيين]( !) وبالتالي فهذا الوضع غير الطبيعي من كان عليه أن يكشفه ويصححه ويصلحه؛ السياسي أم الثقافي؟ بداهة هـذا جدل قديم في حركة الإنسان نحو الإصلاح والتكامل، إذ فصيل يركز على العامل السياسي أو الاقتصادي ، بينما فريق يميل للعامل الثقافي؛ وهذا ما هو متعارف عليه؛ بأن أية انتفاضة أو ثورة إصلاحية؛ تسبقها حركة فكرية ذات نطاق واسع ؛ تفند وتنتقد الأفكار السائدة التي تروج في المجتمع؛ من أجل تصحيحها أمام الرأي العام؛ وتقديم تصورات وأفـكار تخدم الحركية الاجتماعية؛ لأن قيمة التغيير الثقافي أساسا يصون المجتمعٍ من أي انزلاقات وعواقب تنخر المواطن؛ ففي إطاره لامناص أن يكون المثقف ذاك الصوت المعبر عن الصرخات الصامتة للمجتمع أمام السياسي؛ باعتبار إن كان دور المثقف أن يحلم بما يريده في تفاعله بمجتمعه، مجسدا لرغباته ومعاناته وآهاته في انتاجاته الثقافية؛ باعتبار أن الثقافة بشكل عام رؤية الإنسان للحياة؛ فمهمة السياسي تحقيق ذاك الحلم بشتى الوسائل والطرق. لكن وضعية المرحلة آنذاك تكشف من خلال ما ترك من أثار؛ بأنه لا وجود ولا حضور للمحن ومعاناة البشر والمواطنين، مما أصابهم من جراء الحماقة الحزبية في إنتاج وإبداع مثقفو (ذاك الوقت) للتوثيق والتعبير عما هو كائن بكل جرأة ومصداقية؛ وشجب ما ألت إليه الأحلام والأماني من انهيار؛ بل ما كتب من قصص ومقالات وقصائد شعرية وهي[الكثرة] لا تخرج عن نطاقين(1) الرومانسية الحالمة (2) المدح المتزلف؛

إذن ؛ لماذا تم تأسيس اتحاد الكتاب؟ نجد في الميثاق مقصد رئيسي يهدف إليه ومفاده: بلورة الاتجاه الأدبي والفكري ؛ داخل المغرب العربي الكبير؛ وليس معنى ذلك فرض خدمة اتجاه أو مذهب معين، لآن الاتحاد يؤمن أن حرية الرأي والتعبير شرط ضروري للثقافة؛ وإنما يهدف إلى الانطلاق من مقومات فكرية قومية نعيشها جميعا…وأفقا منفتحا موافقا للتاريخ الإنساني(5) فالهدف في بعده الإستراتيجي نبيل ومتميز؛ ويكشف في كلا الأوجه؛بأن المثقف من الضروري أن يكون ملتزما بالوعي الجمعي للأمة، متجاوزا الذاتية و الذات ونرجسيتها، وبالتالي فالوعي السياسي للمثقف ضروري، مقابل أن يكون هنالك وعي ثقافي لدى السياسي لأنه ضروري، لكي يتحقق التكامل في بناء ما يهدف إلية المجتمع( الأمة) بلغة القدماء؛ ولكن ماهو أكيد بأن السياسي هو المتحكم في الثقافي؛ من هنا يعتبر العديد من الباحثين والمحللين؛ بأن النسق السياسي المغربي من الأنساق الممتنعة والمستعصية على الفهم، هكذا يبدو نظرا للتضبيب والتعتيم التاريخي لمرحلة من أهم المراحل في بناء المجتمع المغربي؛ فحتى الجناح الراديكالي المنفصل؛ رغم أنه أضحى آنذاك يمارس التراشق بالاعترافات والتصريحات عن الاغتيالات والاختطافات؛ فإنه لم يكن بدوره واضحا ولا جريئا في كشف حقائق التاريخ المرعب المتضمن للمقابر والمعتقلات السرية والمجازر الرهيبة التي ساهم فيها ؛ قبل الانشقاق اليساري سنة1959: هؤلاء الانفصاليون هم الذين كانوا يخْطَفون الأبرياء من المواطنين بالقوة سنة 1956، ويُنَكلونَ بأفراد الأمة، ويقيمون المؤامرات لرجال الوطنية والفداء، ويفتكون بالأبطال منهم ليَخلو لهم الجو، وتمهد لهم الطرقُ للوصول إلى مآربِهم، وقيام دكتاتوريتهم السافلة(6) وبالتالي فتاريخ تلك المرحلة ؛ سجلت ودونت بقلم السلطة السياسية، السلطة المتمثلة (آنذاك) في الأليكارشية الحزبية لفرض جبروتها على الشعب؛ نتيجة التعصب الحزبي الأهـوج؛ الذي كرس جهوده لإبادة من يعارض تصوره؛ في المقابل استمال لجذب

المثقف إلى دائرته بوسائل وطرق شتى؛ وفي هاته المقامة التي لم تنل حظها من التحليل والتفسير بلاغيا ونحويا واجتماعيا؛ ففي واقع الآمر تحصيل حاصل لواقع لاستبداد الحزبي ليس في مرحلة بداية الستينيات من القرن الماضي، بل امتدت في دواليب الإدارة وقطاع التعليم[تحديدا] إلى أواسط الثمانينيات من القرن الماضي: وقف رجلا خطيبا، وعلى الأسئلة رادا ومجيبا. فقال لو كانت الشمس لنا، لمنعناها أن تضيء إلا جمعنا وحزبنا، ولو كانت الأمطار في قبضتنا لأمرناها أن تلزم عرصتنا. سدّوا الطرق على المخالفين حتى يأتوا إلينا خائفين، لا إكرام ولا تشريف ولا عمل ولا وظيف، ولا خبز ولا رغيف إلا من أتى بورقة التعريف، وعليها الخاتم الظريف. هكذا علمنا مكيافيل، وهكذا أمرنا كوبلز وعبرائيل، فأقسموا الأيمان الغلاظ. إنكم ستكونون الأشداء الفظاظ. وليتجرد كل واحد منكم من قلبه وروحه ولبه. إياكم أن ترحموا من المخالفين دامعا أو تطعموا جائعا ولو كان معتزا وقانعا. اطردوا العامل من ورشه وأخرجوا الفقير من فرشه، ولا توظفوا المخالف المعاند، واطردوا كل حر ومحايد وقربوا الأصدقاء الرائح والوارد ووظفوا الولد والوالد. هذه وصيتي إليكم وتوجيهاتي المجانية لكم، قوموا وغلظوا الأوباش وسوقوهم كالأكباش(7) فالعجيب أن صاحب المقامة ضليع في أسرار اللغة وخاصة النحو؛ فطالما أن الرفع ل(وقف رجل) أولى فلماذا جاءت منصوبة؟ فالمسألة لها علائق بالاستثناء ذلك أن الاستثناء تام منفي و منقطع وغير متصل؛ تقدير(الرجل/ العمل) كلاهما محذوفان ف” الرجل” محدد في الأوساط السياسية آنذاك؛ أي والعمل يتمثل في “الجهاد” بأسلوب الحديد و النار ضد من لم يرضخ للحزب الوحيد ؛ وهـذا مفهوم من سياق – المقامة- وهو منفي: و كان الزبانية يظهرون أن لا قداسة إلا قداسة الحزب و ما دون الحزب العدم و اللاشيء(8) وبالتالي كيف كانت وضعية( الصنم) في خضم ذاك الوضع الجريح؛ المفعم بالعنف الدموي ؟؟؟

للمــوضوع صـلة

الإحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالات

****************************

1) جدليات الصراع و التوافق في المغرب نحو إعادة كتابة تاريخنا السياسي المعاصر، بقلم عبد الإله

بلقزيز جريدة الإتحاد الاشتراكي ع 7939 في 28 ماي 2005

&) ارحيمو بنت العربي بن القايد ميمون المدني ألسبتي أصلها من الريف المغربـــي نشأت بشفشاون ثم

انتقلت إلى طنجة ، أخذت تقدم دروسا في العربية والنحو بمدرســـة البنات العربية بالقصبة ، ولعلها

درست العربية بالمدرسة الاسبانية للبنات الكائن مقرها بالعقبة الوزانية من طنجة قرأت ارحيمو المدني

كتاب الله العزيز على الفقيه محمد الخمسي ، كما درست النحو على الفقيه سيدي أسعيد العمراني ، ولقد

سبقت أستاذتنا غيرها من نساء المغرب إلى الكتابة في الصحف بمقال نشر لها بجريدة/ الريف /

الصادرة بمدينة تطوان عـــام 1355 هجرية / 1936 م/ المرجع :مثبت في الإحالة الموالية (2)

2) رشيد العفاقي/ مجلة دعوة الحق عدد 399 مـــارس 2011 ص 107

3 ) الصّراع التّاريخي بين حزبيْ الاستقلال والشّورى والاستقلال بالرّيف يعود إلى الواجهة الإعلاميّة موقع الناظور سيتي : محمّد زاهــد &) لنعد قراءة كتاب دار بريشة أو قصة مختطف للمهدي التجكاني مطبعة النجاح1987 وهناك كتاب حديث العهد لمحمد ألعسري بعنوان – من جرائم دار بريشة – دونما إغفال ما خطه ح أحمد معنينو في حياته من ذكريات وكذا كتب محمد اوراضي التي أعدمت واختفت من السوق بشكل مفاجئ في سنوات خلت (!)

4) كتاب ذكريات ومذكرات ج 5, ص : 133 5) منـقول عن مجلة الفكر التونسية عدد1 / أكتوبر1961 صفحة (أصداء الفكر) 6) أحمد معنينو – ذكريات ومذكرات- ا لجزء 5 ص : 138 7) . منشورة بجريدة – الرأي العام- عدد 21/ مارس 1957 ومثبت في كتاب ”الأغلبية الصامتة“لمصطفى العلوي دار الكتاب، الدار البيضاء، ص : 8) كتاب دار بريشة أو قصة مختطف للمهدي التجكاني ص 69 مطبعة النجاح1987